أمريكا.. انهيار أخلاقي واقتصادي وموقع العرب من الأزمة

فجّر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الاثنين الماضي، قنبلته المدوية بقوله في تجمع ضخم إن “أمريكا دولة المثليين”، وفي اليوم التالي مباشرة أعلن الرئيس السابق دونالد ترمب توقعاته الخطيرة على هامش بدء محاكمته قائلا إن “أمريكا تنهار”. لم يكن إعلان بايدن مفاجئًا، كما لم يكن إعلان ترمب هو الأول من نوعه، الدفاع عن الشذوذ وزواج المثليين كانا في توجهات بايدن الانتخابية لكسب أصوات هذه الفئة الفاعلة في المجتمع الأمريكي  إلى حد ما، والتوقعات بانهيار الدولار والاقتصاد والمخاوف من تبعات التردي الأخلاقي كانتا في تحذيرات ترامب منذ وصول الديمقراطيين إلى سدة الحكم.

على أرض الواقع الاقتصادي، أصبح التنمّر الدولي واضحًا اتجاه الدولار الأمريكي بعد هيمنته أكثر من نصف قرن على الاقتصاد العالمي، اقتصادات كبرى حسمت أمرها سواء فيما يتعلق بالمبادلات التجارية الثنائية بمنأى عن الدولار، أو من خلال التجمعات الاقتصادية الكبرى مثل تجمع البريكس الذي تهرع إليه عواصم عديدة الآن نتيجة عدم الثقة في الاقتصاد الأمريكي بشكل عام وفي مستقبل الدولار بشكل خاص. على أرض الواقع بلغت ديون الحكومة الأمريكية لأول مرة في التاريخ أكثر من 31 تريليون دولار، وهو ما يهدد في أي وقت بكارثة إفلاس وركود وتراجع اقتصادي غير مسبوق.

على أرض الواقع أيضًا تعيش الولايات المتحدة الآن حالة استقطاب وانقسامات سياسية وطائفية وعرقية خطيرة، ظهرت بوادرها مع اقتحام أنصار الرئيس السابق ترامب مبنى الكونغرس في أعقاب انتخابات 2020، وتُوّجت الآن بمحاكمة ترامب نفسه وسط استياء شديد في أوساط الجمهوريين الذين يسيطرون فعليًّا على مجلس النواب.

الاتجاهان معا

بدا واضحًا أن الانهيار الأمريكي يسير في الاتجاهين، الأخلاقي والاقتصادي في آن واحد، من الآن فصاعدًا لم تعد الأسرة هي عماد المجتمع الأمريكي، من الآن فصاعدًا يحق لنا أن ننظر إلى الجغرافيا الأمريكية باعتبارها مصدر الفسق والفجور، من الآن فصاعدًا لم يعد للولايات المتحدة الحق في الحديث عن القيم والأخلاق، لم يعد لها الحق في فرض إملاءات من أي نوع على الآخرين فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو حتى حقوق الحيوان، أمريكا بعد إعلان بايدن ليست أبدًا أمريكا قبل هذا الإعلان الخطير.

على الصعيد الاقتصادي كذلك، أصبح الاقتصاد الصيني منفردًا منافسًا قويًّا للاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم، في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى التحلل من الدولار الأمريكي، بعقد اتفاقيات ثنائية للمبادلات التجارية بعملات الدول المعنية، بموازاة سباق مع الزمن لزيادة قدراتها العسكرية برًّا وبحرًا وجوًّا، بل ودخول أسواق جديدة آسيوية وإفريقية ولاتينية على كل المستويات، كانت مغلقة طوال الوقت على البضائع والسلع والأسلحة الأمريكية والغربية.

وقد بدا واضحًا أن الدول العربية قد أدركت أبعاد الأزمة الاقتصادية المالية الأمريكية مؤخرًا؛ إذ اتجه عدد من الدول العربية شرقًا نحو آسيا وفي المقدمة الصين، وجنوبًا نحو إفريقيا وفي المقدمة إثيوبيا، فضلًا عن تحالفات أخرى مع روسيا وعدد من دول أمريكا الجنوبية خصوصًا البرازيل، إلى جانب استثمارات كبيرة في أوروبا وفي المقدمة تركيا، وهو أمر يثير حفيظة الجانب الأمريكي بدرجة كبيرة، لكنه أتى في إطار توجه دولي جماعي أدى إلى صعوبة مواجهة الموقف من خلال التهديدات الأمريكية المتعارف عليها بالعقوبات تارة، والعبث بالأوضاع الداخلية للبلدان المتمردة تارة أخرى.

أما الموقف الأمريكي الأخير الذي أعلنه جو بايدن، فيما يتعلق بالشذوذ والحرية المثلية، فهو يتطلب بالتأكيد موقفًا عربيًّا موحدًا، من خلال جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرهما من التجمعات الأخرى، ينطلق من ثوابت الدين الإسلامي الحنيف، التي لا ترضى بغير الأسرة بديلًا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}، وما عدا ذلك فهو افتراء على الله تعالى وافتئات على شرائعه، ينذر بعقاب مثل عقاب قوم لوط، {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}.

الموقف العربي هنا يجب أن يكون واضحًا بوضوح موقف الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تزعم التحضّر، ذلك أن بايدن أكد أن جميع دول العالم يجب أن تقبل زواج المثليين من أجل إقامة علاقات جيدة مع بلاده، كما وقعت ألمانيا على قانون ينص على عدم منع سِفاح القربى، بما يسمح بزواج الأخ للأخت، والأم للابن، والأب للابنة، كما سمحت كندا بممارسة الجنس مع الحيوانات، وهكذا دواليك، بما يشير إلى اتجاه عالمي بغيض، سوف تُستدرج له دول العالم الثالث بشتى الطرق والإغراءات، بدءًا من تسهيل الحصول على المعونات والقروض، وانتهاءً بالتغاضي عن تجاوزات تتعلق بالحقوق السياسية وحرية الرأي وما شابه ذلك.

ربما كان موقف الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، هو الأكثر تحدّيًا لتلك التوجهات الغربية الكارثية، وذلك عندما صدّق على قانون يقضي بسجن المثليين مدى الحياة، ويوصل عقوبتهم إلى الإعدام في بعض الحالات، وذلك على الرغم من التحذيرات الغربية والأمريكية والأممية الشديدة اللهجة من صدور هذا القانون، الذي يجب أن يكون نواة لدول أخرى في مواجهة ذلك الزحف غير الأخلاقي القادم من الغرب، ومن الولايات المتحدة بشكل خاص.

إلى الأفول

بالتأكيد هناك شواهد عديدة تشير إلى أن الحضارة الأمريكية تتجه إلى الأفول، سنوات قليلة قد نتحدث بعدها عن الولايات المتحدة التي كانت، قد يكون الاقتصاد المنكوب، قد يكون الدولار المنهار، قد تكون الأخلاقيات المتردية، قد تكون الانقسامات وتفكك الولايات، وقد يكون كل ذلك، وهو ما حذر منه خبراء ومفكرون كُثر على امتداد العقود الأخيرة، إلا أننا يجب أن نضع في الاعتبار أن العالم في هذه الحالة سوف يكون في مواجهة أسد جريح، ربما لا يجد أمامه إلا النهش والانتقام والبلطجة.

المصدر : الجزيرة مباشر