ماذا يعني فوز اليمين مجددا برئاسة الباراغواي.. وكون إسرائيل أول المهنئين؟!

رئيس باراغواي السابق هوراسيو كارتيس يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع في مكتب الأخير. (رويترز 2018)

عاشت الباراغواي الأسبوع الماضي، انتخاباتها الرئاسية والتشريعية، التي شارك فيها 63% فقط من الناخبين، رغم إلزاميتها، وأدّت إلى فوز مرشح اليمين لمنصب الرئاسة، الاقتصادي سانتياغو بينيا، عن حزب كولورادو بنسبة 42.7% متفوقا على مرشح ائتلاف أحزاب يسار الوسط، المحامي إفرايين أليغري الذي حصل على 27.5% من الأصوات. كما حصد حزب كولورادو الأغلبية في مجلس الشيوخ بـ 48 مقعدا من إجمالي 85. وقد تصدّرت تهاني الخارجية الإسرائيلية، ردود الفعل الدولية، لأسباب سوف نشرحها تباعا.

انطلاقا من التاريخ القريب، يرتبط اسم الباراغواي في الشؤون الإسرائيلية بكونه ثاني بلد، بعد غواتيمالا، قام بنقل سفارته من تل أبيب الى القدس في يونيو/ حزيران 2018، اقتداء بالخطوة التي اتخذها الرئيس السابق الأمريكي دونالد ترمب ليدعم فيها حكومة نتنياهو وقتذاك، في تنفيذ وعد “القدس عاصمة إسرائيل”.

لكن مع فوز ماريو عبدو رئيسا جديدا للباراغواي، بعد شهرين من فتح السفارة، قرّر هذا الأخير التراجع، على غرار حكومات كثيرة، عن قرار سلفه أوراثيو كارتس، وأعاد سفارة بلده إلى مقرّها في تل أبيب في سبتمبر/ أيلول من نفس السنة. وقد أثارت الخطوة غضبا عارما لدى الجانب الإسرائيلي، قرّر على إثرها غلق سفارته في الباراغواي، لكن أمل استعادة الدعم بقي قائما، باعتبار أن ماريو وكارتس ينتميان لنفس الحزب، “حزب كولورادو”، وبالتالي فإن تراجع الرئيس ماريو كان بسبب الضغوط الدولية، لا بسبب موقف الحزب الوفيّ للحكومات الإسرائيلية على اختلافها.

أمّا إذا عدنا الى التاريخ القديم، في علاقات البلدين، الذي لن يبلغ القرن من الزمن بالتأكيد، نظرا لقصر عمر “دولة إسرائيل”، فإنها تعود لحقبة النكبة 1948، عندما قامت الحكومة الإسرائيلية بتطبيق مخطط “الترحيل القسري” على الفلسطينيين والذي دعا له رئيس وزرائها في ذلك الوقت، دافيد بن غريون. وكانت الباراغواي على غرار البرازيل والأرجنتين والتشيلي في أمريكا الجنوبية، واحدة من وجهات موجات الفلسطينيين المُهجّرين قسريّا من أرضهم. وفي الحقيقة تمّ تنفيذ المخطط بتقديم دعم مادي من حكومة إسرائيل في تلك الفترة لرؤساء هذه الدول، وبتركيع سياسي من الولايات المتحدة التي كانت ضامنة لاستقرار ديكتاتوريي هذه الدول في مناصبهم لعقود. ومع مرور السنوات، وتداول الحكومات في هذه البلدان، تغيرت السياسة الإسرائيلية نحو هذه البلدان، وأصبح عنوان التعاون هو دعمها للحكومات في المنطقة بالأسلحة ونظم المراقبة والتجسس على المعارضة، إضافة الى مشاريع التنمية الاجتماعية والمساعدات الطبية لاسيما في البلدان الفقيرة مثل الباراغواي وغواتيمالا مثلا، ونجحت مع الوقت في كسب حب الطبقات المنتفعة بالمشاريع المذكورة، وقد مثّل قرار نقل سفارات باراغواي وغواتيمالا وهندوراس بالتحديد، تعبيرا واضحا على وفاء هذه البلدان وشعوبها لـ”نُصرة” إسرائيل في حربها على “الهمج” العرب، كما تراه هذه الشعوب الفقيرة.

وصول تشافيز

هناك مُعطى آخر لا يمكن إغفاله في فهم حرص إسرائيل على المحافظة على بلدان أمريكا اللاتينية في خانة الحلفاء، وعدم التفريط فيها حتى مع وصول تيار “اشتراكية القرن الحادي والعشرين” بقيادة الزعيم الراحل تشافيز، إلى السلطة في أغلبها، مع بداية القرن الحالي، والداعم طبعا للجانب الفلسطيني في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي..

حيث إنه، ورجوعا إلى خطة تقسيم فلسطين في 1947، التي تمّت الموافقة عليها في جلسة التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة في ما يعرف بالقرار 181، كان لدول أمريكا اللاتينية الفضل على إسرائيل في تلك الجلسة، حيث مثلت أصواتها 13 من بين 33 صوتا موافقا. وقد كانت حكومة الباراغواي واحدة من الدول الموافقة على تقسيم فلسطين، أيام حُكم الديكتاتور العسكري إيخنيو ميرينغو، الذي استنجد خلال تلك السنة بحزب كولورادو لوضع حد للحرب الأهلية التي شهدتها البلاد. وكانت أولى ثمرات التحالف بينهما، أن انقضّ حزب كولورادو على السلطة في البلاد منذ 1948 إلى اليوم، باستثناء خمس سنوات امتدت من 2008 الى 2013.

أمل اسرائيل

وتأمل إسرائيل هذه المرة في استعادة الودّ بين البلدين، على غرار ما كانت عليه العلاقة خلال فترة الرئيس الأسبق أوراثيو كارتيس، صاحب قرار نقل السفارة إلى القدس، نظرا لأن الرئيس المنتخب حديثا، سنتياغو بينيا يُعتبر تلميذ كارتيس المُطيع، ومحطّ ثقته، لاسيما أنه شغل منصب وزير المالية في عهده. وعلى صعيد آخر، تتسم العلاقة بين الرئيس الجديد بينيا والإدارة الأمريكية بالانسجام والثقة منذ سنوات، حيث شغل منصب ممثل صندوق النقد الدولي في الباراغواي، قبل أن يتم تعيينه رئيسا للبنك المركزي..

وهي كلها عوامل تؤكد أن إسرائيل مستبشرة بفوز حزب كولورادو، لاسيما أن الرئيس الأسبق أوراثيو كارتيس الآن يشغل الأمانة العامة للحزب الفائز بالرئاسة وبأغلبية مجلس الشيوخ، في ظل غضب المعارضة التي تشكك في نزاهة الانتخابات الأخيرة وتتهم الحزب الحاكم ولجنة الانتخابات باعتماد نظام تكنولوجي خبيث يحسم الأصوات لصالح حزب كولورادو، مهما كان عدد الأصوات لباقي المرشحين.

ورغم أن الباراغواي يُعدّ من أفقر بلدان أمريكا الجنوبية ولا يمثّل أي وزن سياسي يُذكر في العالم، إلّا أنه يبقى عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصوته في ما يتعلق بالقرارات التي تصب في مصلحة إسرائيل، يعني الكثير، لذلك يهمّ الخارجية الإسرائيلية أن تكون أول المهنئين للرئيس المنتخب حديثا سانتياغو بينيا وحزبه في الانتخابات الأخيرة.

المصدر : الجزيرة مباشر