السودان في متاهة الحلول السياسية.. هل من ضوء؟

 

مع دخول الحرب في السودان شهرها الثاني، ومع عدم قدرة طرف على حسم المعركة عسكريًا لصالحه بشكل واضح ظهرت التحركات السياسية بحثًا عن حلول توافقية يقبلها المتصارعون، وتسابقت دول الجوار من مصر شمالًا إلى جنوب السودان (جنوبًا) ومن أثيوبيا شرقًا إلى تشاد غربًا، ومن الاتحاد الأفريقي إلى الأمم المتحدة، لكن تحركًا واحدًا وهو التحرك الأمريكي السعودي هو الذي أثمر اتفاق مبادئ جرى توقيعه في جدة يوم 11 مايو/أيار الماضي بشأن حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، ثم كان اتفاق الهدنة الثاني في جدة أيضًا السبت الماضي 20 من الشهر نفسه، الذي يحدد مدته بأسبوع قابل للتجديد، ويركز على تحقيق وقف إطلاق نار قصير الأمد، وذلك لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية.

استراحة محاربين

هذا الاتفاق يبدو محض استراحة محاربين أرهقتهم الحرب طيلة شهر، ويحتاجون إلى هدنة لالتقاط الأنفاس، وتوفير الإمدادات اللوجستية الضرورية، وإجراء التغييرات العسكرية اللازمة استعدادًا لجولة جديدة من القتال الذي يريد كل طرف حسمها لصالحه، ليفرض واقعًا على الأرض يترجمه مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات.

الهدنة التي بدأت فعليًا مساء الاثنين صمدت بشكل عام، مع بعض الاستثناءات (حتى كتابة هذه المقال) بعد جولة طاحنة صباح ذلك اليوم، وما يساعد على صمودها نسبيًا هو آلية المراقبة، والاعتماد على أقمار صناعية أمريكية تراقب تحركات الطرفين، وتحدد من يخترق الهدنة، وتقترح العقوبات المناسبة ضده، هذه الهدنة إذا قدر لها الاستمرار والتمديد فإنها ستمنح السودانيين الفرصة لإنجاز ضروريات حياتهم، أو حتى التحرك بعيدًا عن مواطن الخطر، كما ستمنح قيادة الدولة (المجلس السيادي) الفرصة لإجراء الترتيبات والتغييرات الضرورية على مستوى الإدارات الحكومية المختلفة بما يرسخ شرعيته، في مقابل استمرار الحصار السياسي (الداخلي والخارجي) إضافة إلى العسكري حول قوات الدعم السريع، التي ستجد بدورها في هذه الهدنة فرصة لإعادة ترتيب صفوفها، وتطوير استعداداتها لجولة عسكرية جديدة، أو حتى لجولة مفاوضات سياسية جديدة.

من المفترض أن تكون الخطوات التالية بعد تثبيت وقف إطلاق النار عادة هي الانتقال إلى الحوار السياسي، وتقاسم السلطة أو نقلها للمدنيين وفقًا للاتفاق الإطاري أو وفق اتفاق جديد، لكن ليس من المتوقع أن يتم ذلك قريبًا أو بشكل سلس، وليس من المتوقع أن يقبل الجيش السوداني استمرار وجود قوات الدعم السريع كقوة مستقلة، ويدعمه في ذلك نظريًا توصيات القمة العربية الأخيرة التي رفضت دعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

في المقابل لن يقبل آل دقلو دمج قواتهم في الجيش النظامي بسهولة أو بسرعة حتى لو تم منحهم مناصب عليا في الجيش، لأنهم يدركون أن هذه المناصب ليست دائمة، ومن هنا يأتي التخوف أن تكون الخطة البديلة لهم هي الانفصال بدارفور وإعلان دولتهم المستقلة فيها، وهنا سيدخل السودان حربًا جديدة ضد هذا الانفصال، الذي قد يحظى بمباركة أطراف إقليمية أو دولية لتثبيته عبر اتفاقات على شاكلة ما حدث مع دولة جنوب السودان.

تجاوز الخلافات

يمكن للقوى المدنية السودانية بمختلف ألوانها (ليبرالية ويسارية وإسلامية وقبلية) أن تحدث اختراقًا كبيرًا في المشهد إذا نجحت في تجاوز خلافاتها، والجلوس معًا دون إقصاء أو تهميش لأي طرف، وتمكنت من صياغة خريطة طريق لإنقاذ السودان، ساعتها ستتمكن من فرض هذه الخريطة على المتقاتلين جميعهم، وساعتها ستفرض عليهم تسليم السلطة فعلًا لحكومة مدنية منتخبة انتخابًا حرًا، وستجد من أصدقاء السودان من يدعم هذه الخطة، وقبل ذلك ستجد دعمًا شعبيًا واسعًا، وقد دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المدنيين إلى أخذ المبادرة لتحديد مسار السودان للمضي قدمًا لاستعادة الانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية، مشيرًا إلى أن حكومته ستدعم حكومة ديمقراطية تمثل التنوع الكامل للشعب السوداني بأطيافه كافة.

أدرك أن هذا أقرب للحلم منه إلى الحقيقة، لكن أحلام اليوم هي حقائق الغد.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر