رئيس الإكوادور يأمر بحلّ البرلمان.. هل هو عنوان انتصار أم هزيمة؟

رئيس الإكوادور

عاشت الإكوادور في الأشهر الأخيرة صولات وجولات من المعارك السياسية بين الرئيس غييرمو لاسو وحكومته من جهة، والبرلمان وأغلبيته المعارضة من جهة أخرى، لكن الرئيس قرّر هذا الأسبوع إنهاء هذه المعركة، عبر إصدار مرسوم تنفيذي ينصّ على حلّ البرلمان، واستمراره هو في منصبه لمُدّة أقصاها ستّة أشهر، يُدير خلالها شؤون البلاد، عبر إصدار مراسيم تخضع لموافقة المحكمة الدستورية، إضافة الى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكّرة في مدةّ لا تتجاوز مئة يوم. ورغم أن هذه الخطوة يُمكن أن تُفهم في ظاهرها، على أنها انتصار للرئيس على المعارضة، إلّا أنها اُعتبرت من قِبل البعض عنوان هزيمة وانتحار سياسي للرجل.

بداية الخلاف

يعود الخلاف الحادّ بين الرئيس والبرلمان إلى أسباب عديدة، يمكن أن نصنّفها بالقريبة والبعيدة، من حيث توقيتها.

أمّا الأسباب القريبة فتتمثّل في قضية تفرّغ لها البرلمان للنظر في ملفّ يتّهم الرئيس لاسو وأسماء نافذة من مقرّبيه، بالإدارة المالية السيئة لمؤسسات حكومية في قطاع الطاقة، وتحقيق أرباح من خلالها للحساب الخاص، وكان الاتهام الأساسي الموجه للرئيس هو “غضّ البصر عن الإدارة المالية الخبيثة”. وقد لاقت القضية اهتماما واسعا لدى الرأي العام نظرا لتورّط أصدقاء وأفراد من عائلة الرئيس فيها، قام أغلبهم بمغادرة البلاد هرباً من المساءلة، وفيهم من تمّت تصفيته في ظروف مُريبة، داخل الإكوادور، رغم أنه كان مطلوبا من قبل القضاء، في نفس القضية وقضايا أخرى تشمل التدليس وغسيل أموال وتعامل مع عصابات المخدرات.

ورغم أن الرئيس استمات في التنصل من التهم الموجهة إليه طوال الأشهر الماضية، وردّ الهجوم على البرلمان، واصفًا ما يقوم به بالمؤامرة ضده، من أجل الإطاحة به، إلّا أن ضعف حججه جعل عددا كبيرا من أعضاء حكومته يغادرون مركبه، لا سيما مع تواتر قضايا فساد مالي أخرى لأسماء محسوبة على دائرته الضيقة.

بالإضافة إلى هذا، اكتسب مسار مساءلة الرئيس الذي قاده البرلمان زخما واسعا لدى الأوساط السياسية والرأي العام، بشكل جعل البرلمان يتقدّم بخطى واثقة نحو عزل الرئيس، بناء على المعطيات المذكورة. وتأكّد الرئيس لاسو، مع الوقت أن استقطاب النواب في البرلمان للحيلولة دون تصويت الأغلبية القصوى على عزله، بات عملية صعبة جدا لضعف تمثيله في البرلمان، وانتفاض قواعد الأحزاب التي كانت مُرجّحة للاستقطاب بمقابلٍ، غالبا ما كان مادّيا، وهو ما جعل الرئيس يُقدم على قرار حلّ البرلمان، كخطوة اعتبرها البعض “انتقاما” من الجميع، نظرًا لتأكّده من خسارة المعركة.

أمّا الأسباب البعيدة، فيمكن اعتبارها في الحقيقة، نتيجة منطقية للتباين الصّارخ الذي اتّسمت به النتائج الرئاسية والتشريعية لعام 2021، والتي أسفرت عن فوز الرئيس لاسو بالرئاسة وفوز المعارضة بالبرلمان، إذ إن الرئيس لاسو كان قد فاز بالمركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فبراير 2021 بـ19.74%، في الوقت الذي فاز فيه أندراس أراوس بالمركز الأول بنسبة 32.72%، ممثّل تيّار الرئيس الأسبق رافاييل كورّيا، الذي كان ولا يزال الخصم اللدود للرئيس لاسو ولجميع الأحزاب اليمينية، لكنه ولأسباب يطول شرحها ممنوع من العودة الى الإكوادور ومن الترشح لأي منصب سياسي. وقد كانت تلك النتائج مؤشر خطر لخصوم الرئيس الأسبق رافاييل كورّيا وحاسديه من الأحزاب الوسطية، الذين قرروا الاتحاد والتصويت من أجل حرمانه من الفوز، وأدّت نتائج الجولة الثانية الى فوز الرئيس لاسو  بـ52.36% من الأصوات، مقابل 47.64% لأراوس.

وفي المقابل، حصد تيار الرئيس الأسبق رافاييل كورّيا 49 مقعدا في البرلمان من إجمالي 137، أمّا حزب الرئيس لاسو فقد فاز بـ12 مقعدا فقط، تمكّن بعد ذلك من تشكيل كتلة تتضمن 25 مقعدا، وبقي رهين دعم بعض النواب من أحزاب أخرى، تمّ وصفهم بالعمل بمقابل لمصالح الرئيس لاسو. ورغم حاجته الى دعم “الحزب المسيحي”، الذي يعتبر الحزب اليميني الأعرق في البلاد، وصاحب الفضل عليه في الفوز بالرئاسة، إلّا أن الرئيس لاسو حكم على علاقته بحليفه الأقوى، بالطلاق منذ أول جلسة برلمانية في مايو 2021، عبر اقترافه خطأ سياسيا فادحا لم يغفره له زعيم الحزب المسيحي، وكتبت تلك الواقعة نهاية علاقة الحزبين. ومع مرور الوقت، سجّل الحزب المسيحي وتيّار الرئيس الأسبق كورّيا تقاربا، بلغ أوجه في المعركة الأخيرة، وامتلكا معًا مفاتيح قرار عزل الرئيس لاسو.

تجدر الإشارة الى أن الرئيس لاسو وحكومته منذ بداية عملهما في مايو 2021، عجزا عن التخفيف من الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعيشها البلاد منذ 2019، والأزمة الأمنية الخطيرة التي جعلت الإكوادور تحتل المرتبة الرابعة في قائمة أكثر البلدان خطورة في منطقة أمريكا اللاتينية، إضافة الى انهيار شعبية الرئيس لاسو وحصوله على 10% في أقصى الحالات، حسب مواقع استطلاعات رأي إقليمية.

إزاحة اسم الرئيس

في المقابل، تمكّن تيّار الرئيس الأسبق كورّيا من استعادة مستوى الثقة التي كان يحظى بها، في العقد الماضي، لدى الرأي العام، واتضح ذلك بالأرقام من خلال فوزه المُريح بأكبر عدد من رئاسات البلديات والمحافظات، في الانتخابات البلدية الأخيرة في فبراير الماضي، بما في ذلك رئاستا ومحافظتا العاصمتين الإدارية والمالية للبلاد، كيتو وغواياكيل.

وبناء على المعطيات المذكورة، فإن تيّار الرئيس الأسبق كورّيا، يعتبر قرار الرئيس لاسو بحلّ البرلمان، والدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، مجرّد خطوة انتقامية من الجميع، أقدم عليها الرئيس لاسو عندما عجز عن كسب ثقة الرأي العام فيه بسبب افتقاره لحجج دامغة تثبت براءته من التهم الموجهة إليه. لكنها أيضا مناسبة جديدة، للتأكيد على أحقيته بالفوز على تيّار اليمين وحلفائه بأكمله في سباق الرئاسة والبرلمان، وربما إزاحة اسم الرئيس لاسو من المشهد السياسي بشكل نهائي.

 

المصدر : الجزيرة مباشر