شهر رمضان.. ما بين العبادات وعادات تتوارثها الشعوب

فانوس رمضان

الخوف يختفي شيئًا فشيئًا، والأصوات تهدأ، تشعر أن شيئًا خفيًا يحدث من حولك.. بمجرد أن يقترب ذلك الشهر الكريم.. شهر رمضان.. الملك المتوج والسر الخفي بين العبد وربه، فكل المشكلات تخف ويقل الفقر أمام طوفان التكافل والتراحم، حتى الأزمات الكبيرة والهموم تهدأ، كرامة للشهر الفضيل، لذلك يتمنى المسلمون دومًا لو أن شهور السنة كلها رمضان، لذا فهو يستحق منا تلك الاحتفالات الجميلة في بلدان العالم الإسلامية كلها، ومنها مصر التي تستقبله استقبالًا خاصًا بمصابيح ملونة نسميها نحن المصريين (فانوس رمضان).

فانوس رمضان.. تاريخ مصري قديم

يرتبط شهر رمضان بعادات تختلف عن الأشهر الأخرى، وهي جزء من عادات قديمة أصبحت مرتبطة بالشهر الكريم، ومن بين هذه العادات “فانوس رمضان” الذي تحرص الأسر جميعها على اقتنائه، والشوارع التي يتشارك أبناء الحي سويًا في شرائه لتزين أحياؤهم به.

ويعدّ المصريون هم من ابتدعوا فكرة الاحتفال بقدوم شهر رمضان عن طريق الفانوس، حيث كان الفانوس يستخدم في الإنارة ليلًا قبل أن يكون تقليدًا من تقاليد رمضان، وهناك الكثير من الحكايات عن أصل الفانوس التي ترجع معظمها إلى عهد الدولة الفاطمية، حيث استقبل المصريون الخليفة المعز لدين الله الفاطمي بالمصابيح، وكان ذلك في غرة شهر رمضان، وفي رواية أخرى أن الشوارع كانت تضاء بالمصابيح في رمضان حتى يتمكن المصلون من الذهاب إلى صلاة التراويح، والعديد من القصص والروايات المشوقة حول نشأة فانوس رمضان، الأيقونة المصرية للشهر الفضيل.

الطعام

يعد الطعام جزءًا أساسيًا من تقاليد شهر رمضان، حيث يجتمع أفراد الأسرة سويًا لتناول الفطور والسحور، اللذين يشكلان مجموعة متنوعة من الأطباق، وسواء كان الإفطار يسيرًا أو عامرًا بما لذّ وطاب، فإن مشاركة الطعام مع الآخرين هو جانب مهم من جوانب الشهر الفضيل، وبالتالي فإن تحضير طعام الفطور والسحور يحتاج إلى استعدادات خاصة، لما له من أهمية للصائمين.

على الرغم من اختلاف تقاليد الطهي من بلد إلى آخر إلا أن المبادئ العامة تظل كما هي: احتساء المشروبات المعدة خصيصًا لهذا الشهر، وتناول الأطعمة المغذية والحلوى الرمضانية.

وتشتهر كل بلد بطبق تقليدي مميز يكون على رأس مائدتها خاصة في العزائم، فنجد المقلوبة في فلسطين، والمنسف في الأردن، والعُرسية في سلطنة عُمان، وشوربة الحريرة في المغرب، والمكبوس في قطر، والهريس في الإمارات، والمكرونة الباشميل والبط في مصر.

اصحَ يا نايم

“المسحراتي”، أيضًا هو ذلك الشخص الذي يأتي قبل السحور ضاربًا على الطبل ينادي الناس للاستيقاظ لتناول السحور مرددًا عبارات شهيرة أشهرها هذه العبارات الشهيرة للشاعر المصري فؤاد حداد:

“اصحَ يا نايم.. اصحَ وحّد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم.. والفجر قايم.. اصحَ يا نايم وحّد الرزاق.. رمضان كريم”.

مدفع الإفطار.. اضرب

مدفع الإفطار أيضًا الذي تعددت القصص حول بداية انطلاقه، ووفقًا لموقع البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة فإن مصر هي أول من أطلقته عندما أراد السلطان المملوكي الظاهر أبو سعيد سيف الدين خُشقدم، أن يختبر مدفعًا جديدًا.

حيث جاءه هدية، وقد كان هذا وقت المغرب، فاعتقد المصريون أن السلطان قد استحدث فكرة جديدة لتنبيهم بموعد الإفطار، ولما توقف المدفع بعد ذلك عن الانطلاق ذهب جموع الأهالي إلى مقر السلطان، وطلبوا منه استمرار إطلاق المدفع أثناء الإفطار، لينبه سكان القاهرة، وقد وافق السلطان على طلبهم، واستمر هذا التقليد حتى يومنا هذا.

هناك رواية أخرى ترجح أن ظهور المدفع كان في عهد الخديوي إسماعيل، فبينما كان بعض الجنود ينظفون أحد المدافع خرجت قذيفة منه أثناء المغرب، وظن الناس أن هذا تقليدًا جديدًا لتنبيهم بموعد الإفطار، وقد طلبت السلطانة فاطمة ابنه الخديوي إسماعيل أن يتم إطلاق المدفع طوال شهر رمضان عن الفطور والإمساك.

ثم انتشرت فكرة المدفع بعدها في بعض الدول.

قرنقعوه قرقاعوه

وتشتهر دول الخليج بتقليد تراثي يتم الاحتفال به في المنتصف من شهر رمضان، وهذا التقليد يعرف بمسميات عديدة، ففي قطر يسمونه بـ”القرنقعوه”، وفي البحرين “قرقاعون”، وأما في الكويت والمملكة العربية السعودية فيسمى بـ”القرقيعان”، بينما في سلطنة عمان فيسمى بـ”القرنقشوه”.

هناك العديد من الأقاويل حول معنى كلمة قريقعان، أغلبها يشير إلى أنها مشتقة من القرقعة “الأشياء التي تحدث فرقعة”، وهناك من يقول إن أصل الكلمة يعود إلى “قرة العين” وما يسر الإنسان، وهناك أيضًا من يشير إلى أنه يعود إلى الاحتفال بمولد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، “الحسن بن علي بن أبي طالب” الذي كانت ولادته في المنتصف من شهر رمضان.

ويأتي القرقيعان احتفالًا بالأطفال ومكافأة لهم على صيامهم النصف الأول من شهر رمضان، وتشجيعهم على صيام النصف الثاني.

وعلى الرغم من اختلاف المسميات إلا أن الفرحة بهذه المناسبة وطريقة الاحتفال واحدة.

يتم الاحتفال بالقرنقعوه بعد صلاة المغرب في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان، حيث يتجمع الأطفال مرتدين ملابس تقليدية، وحاملين معهم أكياس من القماش مطرزة ومصنوعة خصيصًا لهذه المناسبة، ليجمعوا الحلوى التي سيحصلون عليها فيها، ثم يتجولون في الشوارع، ويطرقون أبواب المنازل التي تكون مزينة بالزينة الجميلة، وسلال الحلوى المحضرة لهذا اليوم لتوزع على الأطفال كالحلوى والمكسرات، مرددين الأغاني والأهازيج الشعبية الخاصة بتلك المناسبة، وأشهرها هذه الأهازيج الشعبية تلك التي تترد في قطر

“عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم،

يا مكة يا لمعمورة.. عطونا من مال الله يسلملكم عبد الله”.

كما كان الاحتفال الشعبي بين الأطفال في مصر بالسير بعد صلاة التراويح، والتجوال بالفوانيس، في الشوارع المزدانة بزينة رمضان، ثم يطرقون الأبواب قائلين للسكان:

(أعطونا العادة.. ربي خليكم)، ولقد اختفت تلك العادة الجميلة التي كانت تنتشر في مصر حتى فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وسنلاحظ التشابه القوي بين عادات الدول والبلدان العربية والإسلامية، على اتساع مساحاتها واختلاف طبائعها، إلا أنها تتشابه جميعها في حب الشهر الفضيل وتقديره، وكل عام والأمة الإسلامية بخير وسعادة.

المصدر : الجزيرة مباشر