سيد مكاوي في ذكراه

شهر رمضان – القاهرة – منتصف الثمانينيات

تجتمع الأسرة البسيطة حول مائدة السحور، تنادي الأم على أبنائها، بينما يعد الأب طبق الفول في المطبخ.

تنهمك الأم في إيقاظ الأطفال، بينما يصدح صوت من التلفاز الموضوع فوق منضدة عتيقة في غرفة معيشة بسيطة، يظهر رجل نحيل يرتدي جلبابًا أبيض، وفوقه عباءة سوداء مطرزة، وبيده طبلة فخارية صغيرة الحجم، وعصى قصيرة يدق بها فوق الطبلة.

تدل نظارته السوداء وحركته على كونه رجلا ضريرا، وتمسك بيده طفلة صغيرة جميلة ذات ملابس شعبية ملونة، تقوده عبر أزقة القاهرة الشعبية.

ترفع الأم الصوت قائلة: يلا يا أولاد علشان تتسحروا …..المسحراتي وصل!!

كلمات خالدة .. ولحن إيقاعي شجي

يصدح التلفاز بكلمات الشاعر المصري الراحل فؤاد حداد الخالدة، ولحن إيقاعي شجي:

اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم

وقول نويت بكره إن حييت

الشهر صايم والفجر قايم

اصحى يا نايم وحد الرزاق

رمضان كريم

مسحراتي على طريقة

منقراتي ورا الحقيقة

ستين دقيقة في كل ساعة

ماهيش براعة لو فن دام

في كل كلمة من الكلام

اصحى يا نايم

وحد الرزاق

رمضان كريم

إنها ذكرى طفولية كبرنا عليها، نمت بداخلنا، صنعها ذلك الرجل صاحب النظارة السوداء، الذي يُوقظ شوارع القاهرة بطبلته وصوته.

هكذا ترسخت بداخلنا صورة سيد مكاوي، ليصبح ملك فقرة السحور بصوته القادم من الراديو والشاشات، كمدفع الإفطار الذي كنا ننتظره قبل الأذان.

أكثر صورة ثابتة في أذهاننا عن سيد مكاوي هي صورته كمسحراتي يوقظ النائمين لتناول السحور، لكنه بخلاف ذلك فهو أحد أهم الملحنين العرب في القرن العشرين، وعلى الرغم من شهرته الكبيرة وتلحينه لعدد أكبر من الأغاني؛ إلا أن شهرته كمسحراتي فاقت كل نجاحاته.

 

من هو سيد مكاوي؟

 

سيد مكاوي مغنٍ وملحن مصري، ولد في أسرة بسيطة بالقاهرة في 8 مايو عام 1928 بحي السيدة زينب، فقد بصره وهو صغير؛ فأرسلته أسرته إلى الكُتَّاب ليحفظ القرآن الكريم، ويتعلم الإنشاد الديني، وفي شبابه اتجه نحو الإنشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين، ومنهم آنذاك الشيخ إسماعيل سكر، والشيخ مصطفى عبد الرحيم؛ فكانت والدته تساعده على ذلك بشراء الاسطوانات القديمة المستعملة للمنشدين من باعة الروبابيكيا، وكان سيد مكاوي يستمع إليهم ويحاول تقليدهم.

بعد ذلك تعرف على أخوين هما إسماعيل رأفت، ومحمود رأفت وكانا من أسرة ثرية. أحدهما كان يعزف على آلة القانون، والآخر كان يعزف على الكمان؛ وكونا سويًّا “تخت شرقي” لإحياء الحفلات للأصدقاء.

كان مكاوي محبًا للتراث الشرقي الذي كان عاملًا أساسيًّا في تكوين شخصيته الفنية .

تقدم إلى الإذاعة المصرية في بداية الخمسينيات ليعمل بها كمطرب لغناء التراث الموسيقي الشرقي والموشحات، وقد تم اعتماده كمطرب بالإذاعة المصرية آنذاك. كان الشيخ سيد مكاوي يتمتع برؤية فنية إذ أقنع رئيس الإذاعة بعمل تترات ومُقدمات غنائية للمسلسلات؛ وقد تعاونت معه الإذاعة كملحن بالإضافة إلى تعاونه معه كمطرب.

ومن أشهر تلك الألحان لحن أغنية “مبروك عليك يا معجباني يا غالي” للمطربة “شريفة فاضل” كذلك تعاون مع الإذاعة على تقديم تترات ومقدمات لبرامج إذاعية شهيرة مثل برنامج “غنوة وحدوتة” الذي كانت تقدمه “أبلة فضيلة”، كذلك أيضًا المسلسل الإذاعي الشهير “شنطة حمزة” الذي كتب حلقاته الفنان الراحل: عبد المنعم مدبولي.

قدم أيضًا الأغاني الشعبية، وكانت بدايته شرارة النجاح مع الفنان محمد قنديل في أغنية “حدوتة” التي كتبها الشاعر صلاح جاهين.

شهرته:

اشتهر سيد مكاوي بصوته القوي والآسر، وقدرته على ارتجال الأغاني، فكان يغني منفردًا باستخدام عوده في العديد من الحفلات الموسيقية، ورغم أن هذا لم يجلب له الشهرة، فإن ما جلب له الشهرة هو الشخصية الفريدة التي أداها في رمضان، وهي شخصية “المسحراتي” التي ابتكرها هو وصديقه فؤاد حداد عام 1951

وكانت كلمات أغنية المسحراتي التي ألفها فؤاد حداد مؤلفة على إيقاع الطبلة التقليدية لتثير مشاعر الاعتزاز بالثقافة العربية، وفور أن أذيعت الحلقات حتى حققت نجاحًا كبيرًا، وذاع صيته في مصر والعالم العربي، وأصبحت موسيقاه انعكاسًا للتراث العربي الأصيل.

ألحانه:

لحن سيد مكاوي الأغاني لعدد كبير من الفنانين، من أبرزهم أغنية “يا مسهرني” لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، والتي كانت كلماتها من تأليف الشاعر “أحمد رامي”.

وقد طلبت السيدة أم كلثوم منه آنذاك أن يقدم لها لحنًا تغنيه، وكان قد خصص هذا اللحن لأغنيته الخاصة، لكنه عرضه عليها، فأعجب اللحن السيدة أم كلثوم، وغنت “يا مسهرني”عام 1972م.

كذلك قام بتلحين أغنية “أنا هنا يا ابن الحلال” لصوت لبنان الفنانة “صباح”، والتي كتب كلماتها الشاعر “صلاح جاهين”.

كان لدي مكاوي اهتمام شديد بقضايا الوطن، كما أنه شارك في الكثير من المناسبات القومية الهامة؛ مثل العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 بأغنية “هنحارب”، وحين تم قصف مصنع أبو زعبل قدم أغنية جماعية باسم “إحنا العمال اللي اتقتلوا”.

وفاته:

توفي سيد مكاوي في ٢١ أبريل عام ١٩٩٧ عن عمر يناهز ٧٠ عاما

لكن صوته سيظل صادحًا، ولحنه سيظل خالدًا، وكلمات فؤاد حداد ستظل في قلوبنا، وعلامة مميزة من علامات شهر رمضان المبارك.

والمشي طاب لي والدق على طبلي

ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال

الرجل تدب مطرح ما تحب

وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال

وكل شبر وحتة من بلدي.. حتة من كبدي.. حتة من موال

المصدر : الجزيرة مباشر