استقالة وزير النفط.. هل هي بداية صراع الأجنحة في حكومة فنزويلا؟؟

طارق العيسمي وزوجته

 

لطالما ارتبط اسم طارق العيسمي في المشهد السياسي الفنزويلي بالتبجيل والحظوة في ظل نظام رئيس فنزويلا الراحل تشافيز والرئيس الحالي نيكولاس مادورو. واُعتبرت مسيرته السياسية منذ 2003 تصاعدية في المناصب، إلى درجة أن البعض لقّبه بـ “القيصر”. غير أن الحملة التي شنتها شرطة مكافحة الفساد مؤخرا، على الشركة الحكومية للنفط (بترليوس)، وأدّت الى إيقاف مسؤولين نافذين في الشركة، جعل خبر استقالة العيسمي من منصبه كوزير للنفط، وامتناع الرئيس مادورو عن التعليق عليها، يطرح تساؤلات عديدة عن خفايا هذه المستجدات غير المسبوقة.

قبل عرض ملامح الأزمة التي تمرّ بها الشركة الحكومية للنفط (بترليوس)، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد الفنزويلي، والتحقيق مع شخصيات كانت محسوبة على صفوة الزعيم تشافيز، وعلى رأسهم العيسمي، حريّ بنا أن نُعرّف بشخصية العيسمي ولو بشكل مختصر.

فطارق العيسمي، حوراني الأصل، وحفيد شقيق الأمين العام لحزب البعث السوري شبلي العيسمي، نائب رئيس سوريا في ستينيات القرن الماضي، نجح في دخول السياسة من بابها الكبير، بفضل قربه -خلال نشاطه القيادي في الحزب الحاكم أيام الجامعة- من أستاذه أدان تشافيز، شقيق الرئيس الراحل هوغو تشافيز، الذي فتح له أبواب السلطة على مصراعيها. ولا يخفى على الفنزويليين أن العيسمي كان يتمتع بخطاب متناغم مع الروح الثورية للزعيم الراحل تشافيز، نتيجة نشأته في بيئة عائلية سياسية خصبة، حيث كان والده كارلوس زيدان ممثلا لحزب البعث في فنزويلا، في التسعينيات، إضافة إلى أن تخصصه في دراسة المحاماة زاد مؤهلاته السياسية حظّا في القفز على المناصب الوزارية الاستراتيجية، والاستقرار مطمئنا في أضيق مربع للسلطة.

استقالة أم إقالة؟

وقد تعزّزت مكانته في حكومة تشافيز ومن بعده مادورو، باعتباره أهمّ مهندسي تحالف حكومة فنزويلا مع نظامي سوريا وإيران وحزب الله، ومؤخرا التقارب مع النظام التركي. لكن هذا الدور جلب له انتقادات دولية في السنوات الأخيرة، لاسيما من الجانب الأمريكي الذي اتهمه بخرق العقوبات النفطية على فنزويلا، عبر تزويده للحلفاء في الشرق بالنفط الفنزويلي. إضافة إلى اتهامه بالتورط في تجارة المخدرات بهدف خلق تمويلات بديلة للاقتصاد الفنزويلي المنهار. وبلغت هذه الاتهامات درجة تسخير إدارة الهجرة الأمريكية مكافأة ب10 ملايين دولار لكل من يساعد في إلقاء القبض عليه على الحدود الأمريكية، لكن طارق العيسمي أنكر كل تلك التهم.

على صعيد آخر، تعالت أصوات المعارضة داخل وخارج فنزويلا، مستنكرة تضاعف نفوذ وثروة العيسمي من جهة ومُشكّكة في أرقام الانتاج النفطي لفنزويلا من جهة أخرى، بشكل يوحي باستغلاله كوزير للنفط، لجزء من هذه الثروة الهائلة لحسابه الخاص. وكان التساؤل قائما حول أسباب ضعف حجم إنتاج النفط المُعلن عنه في عهده، الذي لم يتجاوز 700 ألف برميل يوميا منذ 2020، في بلد نفطي بامتياز.

ورغم أن هذا الخطاب كان محسوبا على المعارضة، إلّا أن الإيقافات الأخيرة لأسماء نافذة في شركة بتروليوس، واستقالة العيسمي من منصبه كوزير، جعل الأمر أقرب إلى الحقيقة، بل إنه طرح السؤال بشأن قرار العيسمي، هل كان استقالة أم إقالة؟

على صعيد آخر، تجدر الإشارة الى أن إنشاء جهاز مكافحة الفساد، وتفرغه لتطهير مجال النفط والقضاء كان مبادرة من الرئيس مادورو بنفسه، وكانت جميع تصريحاته بشأن إيقافات المتورطين من المسؤولين الكبار، داعمة لتنفيذ قرارات القضاء بكل حزم، لكنها لم تشر إلى العيسمي كمتهم، وفي نفس الوقت لم تبرئه أمام “الشائعات”. علما أن اسم العيسمي، للأمانة، لم يرد كموضوع للتحقيق ولم يتم اتهامه علناً بارتكاب أي مخالفات في قضية الشركة.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن قضية فساد بتروليوس مرتبطة بقضية العُملات المشفرة، حيث تم اعتمادها في تحصيل المدفوعات من مبيعات النفط، إضافة إلى التعامل مع تجار غير معروفين. لكن البعض يرى أنها كانت صفقات لتجارة خاصة، داخل الشركة الكبرى. لاسيما وأن المدعي العام طارق صعب صرّح للإعلام بأنها “قضايا فساد إداري واختلاس خطير”، وأكّد “إننا نواجه أحداثًا بالغة الدقة تهدد مشاركة مسؤولي الدولة الفنزويليين” و”أن المزيد من الاعتقالات قد تحدث مع تقدم التحقيق.”

دعم العملية

في المقابل، يرى البعض أن استقالة طارق العيسمي من منصبه كوزير للنفط، ومحافظته على المنصب الثاني الذي يشغله كنائب رئيس الدولة لشؤون الاقتصاد، زيادة إلى دعمه لحملة التطهير التي تتم داخل شركة بتروليوس حسب تغريدته التي قال فيها “قررت تقديم استقالتي من منصب وزير النفط بهدف مرافقة ودعم هذه العملية” على حسابه في تويتر، يمكن أن يفهم على أنه تصرّف متفق عليه من جانبه هو والرئيس مادورو للحفاظ على صورة النظام.

لكن أيضا، قد تخفي الحملة التي أطلقها الرئيس مادورو في مكافحة الفساد في مجال النفط، أهدافا أخرى غير الشفافية والحرص على المال العام، لأن الفساد ليس بجديد على مسؤولي وأصحاب القرار في الحكومات الفنزويلية. ويبدو أن موقف طارق العيسمي المبالغ في دور الممانعة إزاء السياسة الأمريكية، لاسيما في ملف العقوبات النفطية، قد أصبح مُزعجا للرئيس مادورو الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لبلاده. وبالتالي فإن التخلص من العيسمي (مع احتمال تورطه حقا) بهذا الأسلوب يمكن أن يكون الحل الأمثل بالنسبة للرئيس مادور للتفاوض وربما التوصل لرفع العقوبات الأمريكية قبل الانتخابات الرئاسية 2024، وفي نفس الوقت إزاحة جناح العيسمي وشركائه من حلبة المنافسة على منصب الرئاسة الذي يستهوي كليهما.

المصدر : الجزيرة مباشر