كيسنجر وبلينكن ودماء غزة وفلسطين

كيسنجر (رويترز)

 

مات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق عن عمر 100 سنة بعد أن رأي “بعينيه” صمود غزة لأكثر من 50 يومًا أمام المجازر الصهيونية والقتل الممنهج واغتيال مظاهر الحياة في غزة، استمع كيسنجر قبل موته لما قاله بلينكن وزير الخارجية الأمريكي بأنه ذهب “لإسرائيل” ببداية الحرب كيهودي.

كان كيسنجر يهوديًا من أعلى رأسه لأخمص قدميه، لكنه كان مناورًا خبيثًا، “وتوهم” أنه سيعيد تشكيل الشرق الأوسط على يديه وكأنه قطعة من الصلصال، وخطط وهندس ومارس كل ألاعيبه السياسية غير المشروعة، وفي النهاية رأى “انهيار” كل ما سعى له قبل موته، فشاهد الأساطيل الأمريكية “تهرع” لنجدة الصهاينة وهم يواجهون “حماس” الحركة المحاصرة منذ 18 عامًا والمعزولة عن العالم والموصومة بالإرهاب من بعض الدول، وإذا بها تبادر إسرائيل وتباغتها بالصواريخ وبأسر الجنود والمدنيين أيضًا لأول مرة في السابع من أكتوبر، وتجدد أحزان الصهاينة بذكرى أكتوبر الذي أعلن كيسنجر أنه بذل الجهد “لمنع” انتصار العرب في  1973، وأرسل جسرًا جويًا لمنع انهيار “إسرائيل”.

الصومال وأفغانستان

مات والمتحدث باسم البيت الأبيض يعلن أنه يساند الصهاينة “بخبراته” في حرب المدن، ولم يذكر هل يقصد بخبراته ما حدث للقوات الأمريكية في كل من فيتنام والصومال وأفغانستان، رحل كسينجر للأبد وأمريكا تفتخر بأنها تقوم بدعم إسرائيل استخباريًا، ولم تذكر تفاخرهم بأنهم كانوا يعلمون باستخباراتهم نوع الملابس الداخلية التي كان يرتديها صدام حسين ولا الأسلحة النووية التي كان يختزنها، وثبت كذبهم في الحالتين كما رأينا فشل استخباراتهم في غزة.

أراد بلينكن أن يثبت أنه يهودي أكثر من نتنياهو الذي أكد أنه سيسحق “حماس”، فطالب بتسليم القادة الذين قاموا بالهجوم في السابع من أكتوبر في تصريح لم يخطر ببال أحد أنه يمكن أن يصدر عن أي شخص يتمتع بأي قدر من العقل، خاصة بعد الصمود الأسطوري في غزة شعبًا ومقاومة، ولم ينس العالم بعد صور جنود الاحتلال والمقاومة تسحبهم من الدبابات، ولا المقاومين الذين يضعون المتفجرات بأيديهم في الدبابات في صور لم تحدث في العالم من قبل.

فبأي منطق يمكن أن يخطر ببال أحد أن تخضع “حماس” لهذا العبث؟ ويبدو أن استغراقه في “يهوديته” حرمه من التفكير بتعقل قبل أن ينطق بأمنياته.

لم يستمع بلينكن ولم تخبره مخابراته بتزايد شعبية “حماس” في الضفة الغربية والقدس والهتاف الجماهيري الجديد، “يا أبو ضيف اسمع شوف.. بنشجع حماس على المكشوف”، في إشارة واضحة لتحدي كل من الاحتلال والسلطة الفلسطينية التي قمعت المظاهرات المؤيدة لغزة في الضفة الغربية.

قال تشرشل: “كلما أطلت النظر إلى الوراء أحسنت النظر إلى الأمام”، وقال بلينكن: “قليل كانوا طلابًا أفضل في التاريخ، وأقل من قاموا بصنع التاريخ كما فعل كيسنجر”.

ومن المؤكد أن بلينكن وكيسنجر فشلا في قراءة التاريخ ومن ثم لم يصنعاه.

فلم يقرأ أحدهما التاريخ “الحقيقي” لفلسطين والتحدي المتوارث للصهاينة بكل ما هو “متاح” والاستعداد للأقوى والأفضل والسعي لصنعه، وتنامي القوة الفلسطينية وتراجع الردع الصهيوني، وسمعنا الإعلان عن طرد جنديين صهيونيين من الخدمة لانسحابهما من الحرب أمام “حماس”.

السمعة السيئة

ولد كيسنجر أو الثعلب العجوز في ألمانيا عام 1923، وكان والده مدرسًا هاجر لأمريكا هربًا من النازيين، وتطوع في الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية.

قال مسؤول في الخارجية الأمريكية: رسائل دبلوماسينا بالشرق الأوسط تحذر بأن سمعتنا تتضرر بشدة بسبب نهجنا، وإن هناك شعورًا بأن “إسرائيل” يجب ألا تفلت من العقاب”، ونتذكر قول كيسنجر: “تسعون في المائة من السياسيين يعطون للعشرة الباقية السمعة السيئة”، وأكد الحاخام “عميحاي فريدمان” من جيش الصهاينة أن “هذه الأرض كلها لنا بما في ذلك غزة ولبنان والأرض الموعودة كلها”.

قال كسينجر: “على أعداء أمريكا أن يخشوها، وعلى أصدقائها أن يخشوها أكثر”، وصدق في ذلك فلم ننس تخلي أمريكا عن شاه إيران بعد قيام الثورة ضده وكان من رجالها المخلصين ورفضوا علاجه، ثم رفضوا دفنه في أمريكا أيضًا.

سعى كيسنجر للبحث عن حل لخروج أمريكا من مستنقع فيتنام يحفظ ماء وجهها، وقال: “نريد فترة زمنية لائقة”، وهو ما يفعله بلينكن الآن مع الصهاينة.

أيد كيسنجر وهو شاب اللجوء إلى حرب نووية محدودة، كما رحب نتنياهو وهو شاب بقصف المستشفيات، رفض كيسنجر في مقابلة عام 2022 التراجع عن أي قرار اتخذه وهو ما يفعله بكل غطرسة بلينكن وقادة الصهاينة.

كيسنجر أو الثعلب العجوز كما أطلق عليه الكثيرون هذا اللقب حاز على جائزة نوبل للسلام!! رغم وصفه بأنه مجرم حرب ومسؤوليته عن ذبح الديمقراطية في العديد من البلدان، ودوره في قتل الكثيرين في مناطق الصراع في العالم، وكان نموذجًا واقعيًا لقوله بأن المصالح أهم من القيم والأخلاق.

“اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك” هذا ما قاله جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي وفعله كيسنجر بامتياز، وإلا كيف نفسر قوله: “عند كتابة التاريخ قد يتذكر البعض أنني أنقذت بعض الأرواح وربما يمكن لبعض الأمهات أن يشعرن براحة أكثر، وسأترك ذلك للتاريخ ولكنني لن أترك للتاريخ مناقشة شرفي العام”، ومن المؤكد أن لعنات الأمهات تلاحقه هو وكل بلينكن في التاريخ.

أعلنت كتائب القسام أنها عثرت على أكثر من 350 صاروخًا وقنبلة “إسرائيلية” لم تنفجر بين الأنقاض أثناء الهدنة، وتم تجميعها وستقوم بإصلاحها وتطويرها “لتعيدها إلى تل أبيب في جولة الحرب القادمة بإذن الله”.

مات كيسنجر ولم يتحقق حلمه بإسرائيل الكبرى، وسيموت بلينكن متحسرًا وهو يرى انتصارات فلسطين تتراكم حتى تدهس كل أحلام الصهاينة وتستعيد كل فلسطين.

 

المصدر : الجزيرة مباشر