إنهم يقتلون الصحفيين.. أليس كذلك؟

نقابة الصحفيين المصريين تقف في المواجهة وتكرّم الزميل وائل الدحدوح

منذ معركة “طوفان الأقصى” يحاول الكيان المحتل إخفاء الحقيقة بكل ما أُوتي من قوة، سواء بقوة السلاح أو القصف أو الاعتقال؛ حتى لا يرى العالم حقيقة ما يفعله من مجازر وجرائم حرب، ومحاولة إبادة جماعية لقطاع غزة بكامله.

وبما أن الصحفيين الفلسطينيين هم عنوان الحقيقة، فقد كان لهم النصيب الأكبر من الشهداء حتى تجاوز عدد شهداء الصحفيين -حتى كتابة هذا المقال- نحو 103، إضافة إلى استشهاد عائلاتهم، وإصابة بعضهم، وتشريد آخرين في محاولة مجرمة من الاحتلال لمنع الصحفيين من نقل المجازر التي يرتكبها؛ إذ قُصفت مكاتب الصحف والإذاعات والفضائيات.

الدحدوح يعود كالعنقاء

ولم تكن حالة استهداف مراسل الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح، ومعه زميله المصور سامر أبو دقة الذي تركوه ينزف حتى استشهاده، استثناءً من المجازر؛ إذ لم يسمحوا للإسعاف بنقله، حتى استشهد بعد أن فضح الكيان بكاميرته التي يحملها، ويبث عبرها مع زميله الدحدوح مذابح الكيان لحظة بلحظة.

ولأن الدحدوح عندما استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيده، قال لهم الجملة الشهيرة “معلهش” متوعدًا وصامدًا، فقد أصيب مع زميله سامر أبو دقة، واستطاع أن يتحامل على نفسه لمئات الأمتار حتى تم إنقاذه، وفي ساعات كان الدحدوح يبث تقاريره لقناة الجزيرة على الهواء، ويعود كالعنقاء؛ ليثبت لهم أنه لن يتراجع عن موقفه ولو لحظة، وأنه يؤدي مهمة مقدّسة في حب هذا الوطن لن يستطيع أي شيء مهما كان إثناءه عنه.

“نحبها، وننتمي إليها، وسيعود مَن تبقى منا ليعمّرها من جديد رغم كل ما يجري”، هذه كلمات مراسل الجزيرة وائل الدحدوح في اليوم الثمانين للحرب الذي يعود لهم كل مرة رغم مصابه الشخصي، كل هذا يؤكد صمود الصحفيين الفلسطينيين وجهادهم في المعركة بالكلمة، والقلم، والكاميرا التي كان يعشقها الشهيد سامر أبو دقة، كما قالت لي ابنة عمه الدكتورة مريم أبو دقة المناضلة المعروفة في لقاء لي معها في نقابة الصحفيين المصريين.

موقف نقابة الصحفيين المصريين

وعلى ذكر نقابة الصحفيين المصريين، فقد كانت منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” سابقة بخطوات كل النقابات المهنية في مصر والعالم العربي بوقوفها مع القضية الفلسطينية، ومع حرية الصحفيين الفلسطينيين، ووقوفها معهم لم يكن بالبيانات فقط، بل من خلال فاعليات للوقوف مع الصحفيين ضد القتل والاعتداء عليهم.

ورغم تقصير اتحاد الصحفيين العرب (من وجهة نظري؛ إذ لم يقم بالدور المطلوب منه) فإن نقابة الصحفيين المصريين بالمشاركة مع نظيرتها الفلسطينية والاتحاد الدولي للصحفيين يحاولون -بقدر الإمكان- فضح جرائم الاحتلال في حق الصحفيين الفلسطينيين، وتقديم شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، وطالبوا بتحقيقات دولية للوقوف على المجازر التي ارتكبها الكيان المحتل بحقهم.

إن الصحافة الفلسطينية تتصدى لمعركة الحقيقة والانتصار للعدالة، لذلك تواجه استهداف أفرادها وعائلاتهم، وهذا لم يحدث في تاريخ الحروب جميعًا، فعدد مَن استشهد من الصحفيين الفلسطينيين منذ معركة “طوفان الأقصى” أكثر ممن قُتلوا من الصحفيين في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى عدد المعتقلين من الصحفيين والعاملين بالإعلام. وحسنٌ ما فعلته نقابة الصحفيين المصريين بعمل يوم تضامني مع صحفيي فلسطين؛ للمطالبة بوقف الحرب، ونقل الحقيقة.

1200 صحفي فلسطيني مهدَّدون

وجاء اختيار مجلس أمناء جائزة نقابة الصحفيين المصريين للزميل المناضل الصامد وائل الدحدوح لجائزة حرية الصحافة تكريمًا له على دوره في نقل الحقيقة، رغم استشهاد بعض أفراد أسرته، وإصابته هو شخصيًّا.

نعم، جاء الاختيار في محله تمامًا، وهو ليس تكريمًا لوائل الدحدوح فقط، ولكنه أيضًا تكريم لقناة الجزيرة التي تنقل الحدث، وتتفاعل معه لحظة بلحظة؛ مما جعلها القناة الأولى لدى المشاهدين العرب -وربما العالم- في متابعة ما يحدث في قطاع غزة من مجازر وحرب إبادة، بل إنها من خلال ما تنقله من صور وتقارير وتحليلات، أحيت القضية الفلسطينية لدى الأطفال والعامة من الناس الذين شغلتهم ظروف الحياة عن اهتمامهم بالقضية.

وكما ذكر لي نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، أنه يوجد حاليًّا أكثر من 1200 صحفي في قطاع غزة دون مأوى، ويعيشون في ساحات المدارس والمستشفيات، أو في خيام، ومع هذه الظروف يعملون تحت القصف، وأكثرهم نزح أكثر من 10 مرات من حي إلى حي داخل مدينة غزة، ومن حي إلى حي في شمالي قطاع غزة، ثم إلى المنطقة الوسطى؛ لكي يبحثوا عن مكان آمن دون مساعدة دولية، وهم في كل لحظة معرَّضون وأسرهم للموت.

بل إن هناك اعتداءات ورسائل تهديد بالقتل أو الاعتقال تصل إلى الصحفيين على هواتفهم، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو تطبيق واتساب، وكذلك التحريض على قتلهم، وهذا يحدث يوميًّا؛ مما يؤكد أن الاحتلال يحاول قتل الحقيقة، وعدم نشرها للعالم، وأن هناك تجاهلًا متعمَّدًا من المجتمع الدولي.

زيف الإعلام الغربي

وفي المقابل، اكتشفنا خدعة الحياد في الإعلام الغربي، فقد كشفت معركة “طوفان الأقصى” عن زيف الإعلام الغربي والأمريكي، وأنهم يكيلون بمكيالين رغم المذابح والإبادة الجماعية والتهجير القسري للنساء والأطفال والشيوخ، ومنع الماء والغذاء، فقد شاهدناهم بوجه آخر لا ينشر الحقائق، ويتبنى وجهة نظر الاحتلال، وأحيانًا يبرر له.

وقد شاهدت في إحدى الفضائيات صحفيًّا صهيونيًّا يطالب بقتل 100 ألف فلسطينى على الأقل دون أن يعقّب عليه أحد، أو يستهجن قوله، لنكتشف أن الديمقراطية والحريات وحقوق الصحفيين في نشر الحقيقة مجرد كلام يتشدق به الغرب، ويبيعه لنا.

إن الكلمة والصورة الفلسطينية رغم قلة الإمكانات وظروف القصف والحرب، هزمت الاحتلال، وكشفت زيف الإعلام الغربي.

المصدر : الجزيرة مباشر