شظايا العدوان الإسرائيلي على غزة في قلب الصين!

الرئيس الصيني

تطايرت شظايا العدوان الإسرائيلي إلى قلب الصين، التي تسير على حبل مشدود في كارثة إنسانية، منذ اندلاع الحرب بين غزة وتل أبيب، لمدة أسبوع أظهرت خلالها حيادا لم ينصف حقا ولم يعجب المعتدي.

رفعت السلطات الصينية حالة الطوارئ الأمنية، عقب طعن رجل أعمال لدبلوماسي إسرائيلي أثناء دخوله أحد الأسواق التجارية وسط بيجين. وقع الحادث بداية الأسبوع الماضي، بينما العاصمة كانت تستعد لاستقبال وفود من 130 دولة، شاركت باحتفالات الصين بمرور 10 سنوات على مبادرة الحزام والطريق.

انتشرت أنباء عن مقتل الدبلوماسي، والقبض على رجل أجنبي -53 عاما-، الذي اُتهم بارتكاب الحادث، رغم تكتم السلطات على التحقيقات. انتقلت حالة الفزع بين اليهود بالمدن الكبرى، مثل شنغهاي وستشوان وهانغتشو وشينزن.

جاءت مخاوف إدارة جزيرة هونغ كونغ أشد وطئا، حيث استنفرت الشرطة عناصرها بأنحاء “جزيرة المال والأعمال”، خوفا من حدوث اشتباكات بين الأقليتين المسلمة واليهودية المقيمتين بالمدينة منذ عقود، دون مشاكل تذكر. بررت الشرطة حالة الاستنفار الأمني في بيان لها الثلاثاء الماضي، بتصاعد الحرب في غزة، وحالة الانقسام التي تبدو واضحة بين المواطنين حول موقفهم مما يحدث من صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتوقع دخول “الشرق الأوسط” في حرب واسعة خلال الأيام المقبلة. وضعت سلطات الجزيرة القيادات الدينية والمساجد ومعابد اليهود تحت الرقابة الصارمة، بينما طلبت السلطات من موظفي القنصليات الإسرائيلية البقاء في منازلهم، حتى نهاية الأسبوع.

 

طعن دبلوماسي

 

ظل الصينيون بعيدين عن أجواء الحرب لأيام، حتى أججت السفارة الإسرائيلية في بيجين وسائل التواصل الاجتماعي بعد مطالبة المواطنين أن يدفعوا الحكومة الصينية إلى التدخل لإنقاذ بناتهم ورجالهم المختطفين في غزة. كررت السفارة 160 منشورا حول خطف الفتاة “نوا أرغماني” التي أسرتها قوات ” حماس” يوم 7 أكتوبر، في وقت أعلنت وزارة الخارجية الصينية، عن مقتل 4 صينيين وجرح 6 وفقد اثنين من رعاياها منذ اندلاع الحرب.

حاولت البعثة الإسرائيلية دفع الحكومة الصينية إلى إصدار بيان يدين حماس ووصمها بالإرهاب، ويحملها مسؤولية حياة رعاياها في الأسر. اكتفت الحكومة بإدانة أعمال العنف ضد المدنيين، من كافة الأطراف، لإدراكها أن هؤلاء الرعايا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وأن الفتاة المخطوفة، لأسرة إسرائيلية مولودة بالأراضي المحتلة ومتطوعة بجيش الاحتلال.

استغلت السفارة الاسرائيلية حادث طعن الدبلوماسي الصهيوني في توسيع دعايتها السوداء ضد الفلسطينيين والمسلمين والعرب، ورفعت منشورا بعنوان” قف مع شعب إسرائيل” مركزة على قضية” اختطاف نوا أرغماني”.

تصاعد دعم الجمهور الصيني للموقف الإسرائيلي، حتى دخل الرئيس الأمريكي بغطرسة متوحشة، مفتخرا بأنه صهيوني، وداعيا القوات الأمريكية وحلفائه الغربيين للمشاركة في حرب شاملة لإبادة المقاومة الإسلامية في غزة، مع استعداده لتوسيع دائرة الحرب مع الدول الرافضة لسياساته الحمقاء بالمنطقة.

 

العقاب الجماعي لغزة

 

جاء بيان “بايدن” ليضع الصين في موقف حرج، قبيل قمة” الحزام والطريق” بساعات، حيث يظهر الرئيس شي جينبينغ دعما لدول الجنوب، بينما تدشن الولايات المتحدة حربا عالمية، تهدد حلم الصين في ربط العالم بها عبر ” الحزام والطريق”. وجدت بيجين نفسها في قائمة الدول المضادة للغرب، على رأسها روسيا وإيران، وبينما تحاول إبعاد أية علاقة لها بحماس، دعت على لسان وزير خارجيتها وانغ يي بضرورة ” وقف العقاب الجماعي لسكان غزة”، وإنهاء مشكلة القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

لم تبارح الصين موقفها السياسي المعهود منذ سنوات، لكن إسرائيل تريد أن توصم بيجين “حماس” بالإرهاب، واعتبرت أن التذكير بحل الدولتين، في حالة الحرب المتوحشة التي تقودها ضد المدنيين الأبرياء، تحمل دعما مباشرا للطرف الفلسطيني.

أظهرت وسائل الإعلام قضية الحرب، وسط اهتمام أوسع بالوفود المشاركة في منتدى الحزام والطريق، رغم تضاؤل عدد رؤساء الدول والحكومات المشاركة في القمة العاشرة، من 37 عام 2019 إلى 23 دولة، وعدم حضور مسؤولين رفيعي المستوى من أوربا عدا رئيس وزراء المجر الداعم للموقف الروسي في حرب أوكرانيا. أيقن الصينيون أن وقوفهم على الحياد في جرائم صارخة أمرا يهدد مصالحهم المتنامية مع العرب، لذلك انتقدت الحكومة استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة. ونشر التلفزيون الحكومي بيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أثناء افتتاح منتدى الحزام والطريق الأربعاء الماضي، ليرفض على الهواء مباشرة أية تبريرات إسرائيلية لفرض الحصار ومنع الدواء والغذاء والوقود كعقاب جماعي على الشعب الفلسطيني.

 

 

عدو العدو صديقي

 

أشعل الجدل الذي أثارته وسائل الإعلام وصفحات السفارة الإسرائيلية على الإنترنت نقاشا ساخنا بين ملايين المتابعين. حاول يوفال واكس نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في بيجين توظيف حادث طعن الدبلوماسي على أنه يضع الإسرائيليين في الصين واليهود الذين يعيشون بها في خطر، مطالبا بإعلان الصينيين عن إدانة أقوى ضد “حماس” واعتبار كل من يقف في صفها يحمل مشاعر كراهية لليهود ومعاديا للسامية. حصل ” واكس” Yuval Waks وما نشرته السفارة عن الفتاة ” نوا” على تعاطف من 1600 شخص، بينما أيد 190 ألف متابع على معلق صيني، عندما قال: لماذا تطالبون الصين الاهتمام بوضع” نوا” وقد أصبحت وعائلتها إسرائيلية منذ سنوات، ألا ينبغي أن تتواصلوا مع حكومتها في تل أبيب للحصول على مساعدة لحل مشكلتها؟! أعجب 24 ألف متابع بالتعليق، واتهموا السفارة الإسرائيلية، بالابتزاز لاستغلالها نشر صور النساء والأطفال لكسب التعاطف على أمر لا يعنيهم أو غير حقيقي.

انتقدت حسابات أخرى إسرائيل لولائها الكامل لواشنطن، مبدين تعجبهم من طلب الصهاينة عونا من الصين، بينما هي تدعم الموقف الأمريكي بفرض الحصار التكنولوجي على دولتهم. أشاد تجمع آخر يضم مليون شخص من القوميين الصينيين على موقع” ويبو” بما فعله الزعيم النازي أدولف هتلر مع اليهود، في الحرب العالمية الثانية. يعتقد باحثون أن العدوان الإسرائيلي أوجد فرصة للتعبير السياسي داخل الصين، في مساحة ضيقة خاضعة للقبضة الأمنية المتشددة، لفريق يغازل إسرائيل والغرب، يقابل بفريق قديم داعما للحق الفلسطيني وقوة كتلة قومية كارهة لغطرسة الأمريكان، الذين يذكرونهم بجرائم الإبادة التي ارتكبها الاستعمار الغربي والياباني ضد الملايين منهم، بنفس الطريقة التي تبيد بها إسرائيل أبناء غزة.

المصدر : الجزيرة مباشر