جدل بشأن “نوبل للآداب”.. لماذا النرويج؟!

يون فوسه الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام (الفرنسية)

 

إذا كانت حرب غزة قد فضحت الوجه الأوروبي المنحاز سياسيًّا بشكل أعمى إلى إسرائيل، فهل أيضًا هي غير عادلة في ما يتعلق بالقضايا العالمية الأخرى؛ الثقافية والاجتماعية وغيرها؟!

ليس أفضل من دليل هنا مثل جائزة نوبل للآداب التي مُنحت قبل يومين من حرب غزة إلى أديب نرويجي يكتب بالنرويجية، وهي لغة مجهولة ليست لها أي علامات بارزة كالأدب الألماني أو الإنجليزي أو العربي مثلًا، فلماذا إذَن حصدت النرويج نوبل هذه المرة لتصبح الرابعة في تاريخها الأدبي؟! وهل فعلًا يستحق الأدب النرويجي الجائزة؟ أم إن الأمر يرجع إلى تسييسها مجاملة للدولة الاسكندنافية القريبة جدًّا إلى السويد؟

أديب غير معروف

ترُد اللجنة المانحة على تشكيك الكثيرين في اختيار الكاتب والمؤلف المسرحي النرويجي “يون فوسه” في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لمنحة الجائزة، وتقول “إن ذلك جاء تقديرًا لمسرحياته الإبداعية، ونثره الذي يعبّر عن المسكوت عنه”!

ثم ترى اللجنة كذلك أن أسلوبه يتسم بالبساطة، وأنه من أكثر الكُتاب المسرحيين الذين تُعرض أعمالهم في مسارح أوروبا. ووفق اللجنة المانحة، فإنه يطرح تنويعات مروعة في رواياته، مثل رواية “الغيتار مغلق” المنشورة عام 1985 التي صوَّر فيها تلك الأم التي أغلقت الباب عندما خرجت لوضع القمامة في المكان المخصَّص لذلك، ونسيت رضيعها والمفتاح داخل المنزل، وعندما فشلت في الدخول، استطاع “يون فوسه” تصوير تلك اللحظات الحرجة ببراعة فائقة، فهو يصور الأم غير القادرة علي طلب المساعدة، وترك الطفل وحيدًا، لتجد نفسها في النهاية أمام القانون بسبب الإهمال، وأبرز ما يميز ذلك السرد -وفق اللجنة- أنه “يضع أمام القارئ مواقف من الحياة اليومية مفعمة بقدر كبير من الدفء والفكاهة والحيرة والمسؤولية”!

لكن مع كل ذلك نعود إلى السؤال: هل فعلًا يستحق الأدب النرويجي هذه الجائزة أو كل الجوائز السابقة التي فاز بها عام 1903 أول مرة “بيورنستيارته بيورنسونو”، ثم “كنوت همسون” 1920، و”سيغريد أوندست” 1928، رغم بروز الكثير من كُتاب وأدباء العالم الناطقين بلغات أخرى؟!

إذا نظرنا -نحن أهل الشرق- إلى إبداعات الأدب العربي الذي يتحدث قطاع كبير من البشر بلغته، فسنجد أن الأمر ليس عادلًا ولا منصفًا أن يفوز فقط “نجيب محفوظ” بنوبل، في حين أن مبدعين آخرين مثل طه حسين وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد ويحيى حقي ويوسف إدريس، والشعراء محمد مهدي الجواهري ومحمود حسن إسماعيل وصلاح عبد الصبور ونزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل، كانوا يستحقون هذه الجائزة بكل تأكيد، فهل فعلًا جائزة نوبل مسيَّسة وغير عادلة؟

لا يمكن إذَن استبعاد عنصر المجاملة، خاصة أن السويد التي ينتمي إليها مؤسس الجائزة ألفريد نوبل، كانت ترتبط باتحاد مع النرويج. وعندما أعلن نوبل تأسيس جائزته، كان هذا الإعلان من النادي السويدي النرويجي في باريس، ثم إن النرويج فاعلة في اختيار نوبل للسلام، واللجنة التي تمنح الجائزة هي لجنة نرويجية.

طه حسين يعرف أسباب الاستبعاد

كان طه حسين الذي رُشح للجائزة أكثر من مرة بعيد النظر ومدركًا الأبعاد السياسية والجغرافية التي تحول بينه وبينها، وهو نفسه الذي قال ذات مرة في أحد اللقاءات “أعتقد أن جائزة نوبل أقرب إلى أن تكون سياسية منها إلى أن تكون جائزة أدبية، فهي تُمنح لمن تريد لجنة الجائزة أن ترضيه من الساسة”.

ليس بعد طرح طه حسين طرح آخر يمكن أن ينصف الجائزة عربيًّا، بل إن نقادًا عربًا كثيرين يرون أن عدم فوز طه حسين عام 1949 حسب وجهة نظرهم، يرجع إلى قيام دولة إسرائيل وشنها حربًا على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد (1948)، واحتياجها إلى طمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها.

من هذا المنطلق، لا يمكن اتهام الأدب العربي بأنه بعيد عن الغرب فكلاهما (طه حسين وتوفيق الحكيم) من أبرز الأدباء العرب المعروفين في الدوائر الثقافية الفرنسية، وكلاهما له كتب مترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية.

ما هو الأدب النرويجي؟

لكن كيف يمكن لنا تعريف الأدب النرويجي؟ إنه وفق الموسوعة الأدبية العالمية “الأدب الذي يتألف من الأدب الأيسلندي القديم في القرون الوسطى، ومعظم الأدب النرويجي القديم شعر قصصي، وتُعَد الفترة ما بين القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثالث عشر هي العصر الذهبي للأدب النرويجي القديم حيث كان الشعراء يلقون قصائدهم في المحافل العامة، ويتبعون أوزانًا وبحورًا دقيقة، وتعبيرات واستعمالات لغوية خاصة، ثم عُني الشعراء بالشكل حتى فقد الشعر حيويته، ونشأ نوع جديد من الشعر دخلته القافية أول مرة”.

كاتب أغنيات يفوز بنوبل للآداب

الجدل بشأن جائزة نوبل للآداب قديم، فقد فاز بها على مر السنين أشخاص خارج نطاق التقليد الروائي، بينهم كُتاب مسرحيون ومؤرخون وفلاسفة، بل إنها مُنحت إلى المطرب وكاتب الأغاني بوب ديلان عام 2016.

وفازت الكاتبة الفرنسية آني أرنو بالجائزة العام الماضي عن كتبها التي تعكس سيرتها الذاتية إلى حد بعيد، وتتناول الذاكرة الشخصية وعدم المساواة الاجتماعية، مما يجعلها أول امرأة في العالم تفوز بجائزة الأدب المرموقة.

المصدر : الجزيرة مباشر