رمزية طوفان نوح في عملية الأقصى

(الجزيرة)

لم يكن حال إسرائيل في السنوات الأخيرة أقل سوءًا من حال قوم نوح، في الظلم والطغيان والجبروت، حتى وصل بهم الأمر إلى أن {مَكرُوا مَكۡرًا كُبَّارٗا}، حين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقَّ، فلم يتورعوا عن انتهاك المحرمات، وقتل النساء والأطفال وتهجير السكان من بيوتهم قسرًا، يدفعهم ذلك الشعور الخادع بالقوة والسيادة بعد أن جمعوا أمرهم وشركاءهم في الغرب، حتى جاءهم طوفان الأقصى.

استلهام قصة نوح

تستلهم عملية القسام الأخيرة التي تسببت في غرق وهم الجيش الإسرائيلي الخارق والقبة الحديدية، رمزيتها من قصة قوم نوح حين أخذهم الطوفان وهم ظالمون، وجعلهم آية وعبرة لغيرهم، في وقت ظل فيه الإعلام الإسرائيلي يسخر من الأساليب التي طورتها المقاومة الفلسطينية لمواجهة الاعتداءات المتكررة على الأقصى، حتى جاء أمر الله وفار التنور صباح السبت.

عملية القسام كانت شاملة وتم التخطيط لها بذكاء، برًّا وبحرًا وجوًّا، وأحدثت دمارًا هائلًا في العدو، وربما كان أهم ما فيها ذلك الاختراق المباغت للعمق الصهيوني، حتى أصاب سكان مستوطنات غلاف غزة الرعب، فهربوا من الموت زرافات ووحدانا، يرجون النجاة، فلم تعصمهم من أمر الله قوتهم العسكرية ولا قُبّتهم الحديدية الخائرة.

وقد شاركت في العملية 5 زوارق محملة بمقاتلي الكوماندوز البحري القسامي في اللحظات الأولى من المعركة، فتمكنوا من تنفيذ عملية إبحارٍ ناجحة على شواطئ جنوب عسقلان والسيطرة على عدة مناطق، بالتزامن أيضًا مع تحطيم أسوار العزل العنصري برًّا، والقيام بعمليات إنزال جوية، باستخدام الطائرات الشراعية ومسيّرات الزواري، بصورة منسقة أصابت الجيش الإسرائيلي في مقتل، وأجبرت حكومة نتنياهو على دخول الملاجئ، ودخول رئيس الوزراء الإسرائيلي المستشفى، بعد أن أدركوا أن طوفان الأقصى جاءهم من حيث لم يحتسبوا، برًّا بجنودٍ لا قبل لهم بها، كما لو أن الأرض تفجرت بماء منهمر، وبحرًا بالمراكب التي تجري في موج كالجبال، وجوًّا بالطائرات الشراعية التي انهمرت من السماء، والتقت كل تلك الأعمال الحربية على أمر قد قُدِرَ؛ مما تسبب في مقتل مئات الإسرائيليين، وأسر العشرات، وإجبار آلاف المستوطنين على الهروب، حتى فاض مطار بن غوريون الدولي بالمذعورين في مشهد أشبه بيوم القيامة، سمّها إن شئت عملية مباركة، أو زوال إسرائيل، وفقًا لبيان الأزهر الشريف، الذي أكد بصورة شجاعة “أن كل احتلال إلى زوال آجلا أم عاجلا، طال الأمد أو قصر”.

كرب الموساد والشاباك

طوفان الأقصى هو عبارة عن غضب شعبي متراكم حركته موجة الظلم الطويل، وكرب الموساد والشاباك العظيم على شعب أعزل، وقد أظهر ذلك الغضب كيف أن روح المقاومة لم تُزهق، وأن لدى حماس مفاجآت في الطريق، كما أن قواتها لم تعد تلك القوات التي تقاتل بالحجارة والأسلحة البيضاء، لديها اليوم قوة مدربة من النخبة، وقيادة حربية تدير عملياتها باقتدار، لدرجة أنها لا تكتفي بالهجوم فقط، وإنما تقوم بتزويد المقاتلين بالأسلحة النوعية الكافية ورشق المطارات بالصواريخ، وقد أظهرت تلك العملية قدرات عسكرية احترافية، لا تتوفر إلا للجيوش النظامية، وكشفت أيضًا عن فشل المنظومة الأمنية لإسرائيل، التي كانت تعتمد عليها في استهداف القادة الفلسطينيين وإشعال الحروب والفتن في الدول الإسلامية، وتحييد الحكام العرب، وبناء جدران العزل العنصري، ولأنهم قوم سوء فقد أفسدوا في الأرض مرتين وعلوا علُوًّا كَبِيرًا، حتى جاءهم الطوفان.

طوفان الأقصى لم يغرق المستوطنات الإسرائيلية فقط، وإنما أغرق مشروعات التطبيع واتفاقيات أبراهام، وسياسة الأرض المحروقة، وأغرق مخططات التهجير ومحاولات تهويد القدس، تلك المحاولات المتواصلة لنزع الهوية الإسلامية والمسيحية من أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأغرق ملايين الدولارات الت أُنفقت على السياج الفاصل عن غزة فوق الأرض وتحتها، وبالتالي فهو ليس بالطوفان الهيّن، كما أن الأرض المحتلة لم تبلع ماءها بعد، ولم تقلع سماء حماس عن تهديد الدولة الظالمة، وقد ذكّرنا المتحدث باسم سرايا القدس بالذين ظاهروا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صَيَاصِيهِمْ وقذفَ في قُلوبِهم الرُّعب فرِيقًا يقتلون ويأسرون فريقا، وهى بلا شك وقفة رائعة طويلة على خط النار لحماية المقدسات.

الحرب سجال وهذا يوم حماس

ما يحدث لإسرائيل حاليًّا هو نتيجة حتمية لطغيانها في الأرض، ولسجل طويل من الانتهاكات البشعة، وقد فات عليهم أن الحرب سجال يوم لهم ويوم عليهم، إذ يتشكل اليوم واقع جديد قضى على المنظومة الأمنية الصهيونية التي كانت تقوم على الردع والاستيطان والاستعلامات، وخداع الناس قبل كل شيء، وتنهض على الخرافات الدينية، وإهانة المصلين في الأقصى، فإذا بها تفاجأ بعملية طوفانية جريئة، جرت هذه المرة داخل الأرض المحتلة، بسرية تامة وسرعة في التنفيذ، وتعقيدات عسكرية، نقلت الصراع إلى نقطة الذروة، وليس من السهل بعد فك طلاسم تلك العملية، وربما كان مفتاحها أنها توفيق من الله وبداية لهزيمة إسرائيل التي خدعونا بأنها لا تُهزم أبدًا.

المصدر : الجزيرة مباشر