طوفان الأقصى .. والدعوة للنفير العام

كانت الحرب بين رسول اللهﷺ وبين قريش سجالا، حتى انتهت غزوة الخندق فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الأحزاب: الآن نَغْزُوهُمْ، ولَا يَغْزُونَنَا”. (رواه البخاري).

وكان قادة حماس يبشرون بأنهم وصلوا إلى هذه المرحلة، وكان أكبر المتفائلين يرى ذلك من باب إحياء الأمل، ورفع الروح المعنوية، حتى كان صباح السابع من أكتوبر الحالي فاستيقظ جيش الاحتلال على حوالي خمسة آلاف صاروخ في ساعة واحدة، وبدأ النزوح الجماعي لقطعان المستوطنين، ورأينا القوم يستخدمون مصطلح النازحين، وأظهرت بعض الصور وزراء في الحكومة وقد نزلوا إلى المخابئ في وقت واحد بحثا عن النجاة، لأن الهجوم المباغت لم يكن فقط بالصواريخ، بل استخدم القساميون سلاح المظلات، ورافقها تقدم بري إلى عمق المستوطنات المحتلة، وتمت السيطرة على من فيها، بما في ذلك أقسام الشرطة، مما أغرى شبابا عاديين، من العبور بسيارات صغيرة ودراجات بخارية في مشهد أعاد للأذهان يوم العبور العظيم قبل خمسين سنة، في السادس من أكتوبر عام 1973، وكأن هذه السنوات تلاشت ليكتمل مشهد العبور في اليوم التالي السابع من أكتوبر سنة 2023، ومن عجائب شهر النصر، أن يوم العبور الأول كان في يوم السبت، وطوفان الأقصى بدأ أيضا يوم السبت!

كفاءة الكتائب

هول المفاجأة كان مروعا، حيث أثبتت كفاءة كتائب المجاهدين، وأظهرت على الجانب الآخر الخلل الاستخباراتي الكبير، كما أن حصيلة الخسائر المبدئية في يوم واحد حسب المصادر العبرية، لم يخسرها جيش الاحتلال في أي من مواجهاته السابقة، لا سيما الخسائر النوعية حيث أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال: أن قائد لواء ناحال “يوناتان شتاينبرغ” ، قُتل اليوم في مواجهة مع أحد مسلحي ‎حماس بالقرب من كرم أبوسالم، واعتقل قائد المنطقة الجنوبية، وأكدت القناة السابعة العبرية أن عدد الأسرى حوالي 100 أسير، فيهم ضباط وجنود برتب مختلفة، أما عن القتلى والجرحى فقد أعلنت هيئة البث الرسمية عن ارتفاع عدد القتلى إلى 300 قتيل، وأكثر من 1600 مصاب، فيهم 250 حالتهم حرجة، وظهر بعض الأسرى في مقاطع مصورة في قبضة المجاهدين داخل غزة، ولم تعلن حماس حتى الآن عدد الجنود الذين أسرتهم، وأعلنت حكومة الاحتلال عن وسائل تواصل للإبلاغ عن المفقودين.

سارعت أمريكا للتأكيد على استمرار دعمها لإسرائيل، كما أظهرت الهند تعاطفها الكبير على لسان مودي رئيس الوزراء، والأمر نفسه فعله ماكرون فرنسا، وأكد رئيس أوكرانيا على مواقفه السابقة في دعم الاحتلال، وعرض تقديم المساعدة لحكومة نتنياهو، في الوقت الذي ما زال يتجرع فيه مرارة الغزو، ويقف على حافة الهاوية. وفي المقابل كانت ردود الفعل العربية والإسلامية تدعو لضبط النفس، وتسوي بين الجزار والضحية، باستثناء الكويت التي أعلنت عن استمرار وقفتها مع الشعب الفلسطيني الشقيق ومساندته لاسترداد حقوقه، وحمَّلت قطر جيش الاحتلال مسؤولية ما حدث، وأنه نتيجة لما يقوم به من انتهاكات واعتداء على المقدسات، كما أصدرت خارجية الإمارة الإسلامية بأفغانستان، بيان تضامن مع شعب فلسطين في مقاومة المحتل، ودعت إلى دعمه في تحرير أراضيه، وأن الإمارة الإسلامية تتابع باهتمام ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك.

مرحلة فاصلة

صرح قادة حماس بأنهم أطلقوا عملية طوفان الأقصى، لأنه ليس بوسعهم غض الطرف عما يحدث من انتهاكات متكررة، واقتحامات متتابعة للقدس الشريف، وأن كتائب المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه مسلسل القتل المتصل لشباب فلسطين، وأن غزة ومن فيها من المجاهدين والمرابطين هم خط الدفاع الأول عن القدس وعن كل أهل فلسطين.

واستطاعت المقاومة في أقل من ست ساعات، أن تجعل طوفان الأقصى مرحلة فاصلة سيؤرخ بها، ولن يكون ما بعد الطوفان مثل ما قبله، حيث فرضت المقاومة توازن الرعب، وأثبتت فشل أجهزة الاستخبارات، وكسرت هيبة وغطرسة أقوى جيوش المنطقة، وكانت قبل ذلك قد أذلتهم بأسير واحد، فأصبح اليوم لديهم حظيرة “شلاليط” ، وبذلك تكون المقاومة قد أدت دورها، وأثبتت جاهزيتها وتطور أدائها، وأن تحرير كامل فلسطين ليس بالعسير ولا المستحيل، ويبقى دور الأمة في دعم بارقة الأمل، ومساندة المرابطين في أكناف بيت المقدس بالمستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، وقد دعا القائد إسماعيل هنية دول الجوار لكسر الحصار، والالتحام مع الفلسطينيين في معركة التحرير، وإنني أدعو لأوسع من ذلك فأدعو كل من يستطيع السفر إلى فلسطين، من أصحاب الجنسيات والجوازات التي تسمح لهم بذلك، فكثروا سواد المرابطين، وكونوا كتفا إلى كتف مع المقدسيين، وأظهروا لجيش الاحتلال أن معركته مع ملياري مسلم، وليس مع شعب فلسطين وحده، فإننا على باب مئوية جديدة، سترفع فيها راية التجديد الموعود، ويتحقق في ظلها الفتح على يد جيل النصر المنشود.

المصدر : الجزيرة مباشر