مغازلة بوتين للمسلمين.. هل يبتلعون الطعم؟

بوتين

 

تكررت المغازلات من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمسلمين، وتزايدت وتيرة هذه المغازلات بعد حملته العسكرية ضد أوكرانيا، وكان أحدثها توجيهاته برفع الحظر المفروض على ترجمة صحيح البخاري إلى اللغة الروسية وتوزيعه في البلاد، واهتبل الفرصة ذراعه الإسلامي الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف الذي صرح على الفور بأنه سيقوم بترجمة البخاري وتوزيعه مجانا، كما سينظر مكتب المدعي العام في قرار المحكمة الروسية التي حظرت الكتاب في 2014 باعتباره ضمن قائمة المواد المتطرفة!!!

وبمناسبة ذكر رمضان قاديروف فإن بوتين عبر عن تقديره الشديد للمقاتلين المسلمين الروس (الشيشانيون) الذي يقودهم قاديروف في الحرب ضد أوكرانيا، كما عبر بوتين أكثر من مرة أن “الإسلام عنصر بارز من الكود الثقافي الروسي وجزء لا يتجزأ من التاريخ الروسي” وقبل ذلك أدان بوتين الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورفض السماح بنشرها في روسيا، واعتبرها لا تدخل ضمن نطاق حرية الإبداع، وأنها تسئ لمقدسات المسلمين، وكرر تهانيه للمسلمين بمناسبة شهر رمضان أو الأعياد الإسلامية أكثر من مرة، كما أن الرئيس الروسي يتخذ موقفا متشددا من الشذوذ الجنسي، ويرفض السماح به في روسيا، منطلقا من بواعث دينية تتشارك فيها المسيحية مع الإسلام.

دغدغة مشاعر المسلمين

يحاول الرئيس الروسي أن يستميل المسلمين إلى جانبه في مواجهته مع الغرب الأوربي والأمريكي، منطلقا من المساحات المشتركة الكبيرة مع المسلمين، قياسا بمساحات مشتركة أقل بين المسلمين والغرب، ويركز بشكل خاص على دغدغة مشاعر المسلمين بفكرة مواجهة الحضارة الغربية المهينة للأديان السماوية، وعلى رأسها المسيحية والإسلام رغم أن الغرب نفسه ينتمي للديانة المسيحية، وتبدو هذه المقاربة من بوتين جاذبة للبعض فعلا في ظل الإحباطات المتتالية من مواقف الغرب تجاه القضايا الإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية، والحرب على العراق وأفغانستان، وما يُسمى حرب الإرهاب عموما التي تحولت حربا ضد الإسلام والمسلمين.

تبدو المقارنة مربكة بين مواقف بوتين وقادة أوربا وأمريكا من الإسلام والمسلمين، فكلاهما لا تفوته في الغالب الأمور الشكلية مثل التهنئة في المناسبات الدينية، لكن المهم هو المواقف من القضايا الحقيقية، وهنا سنجد اختلاطا في تلك المواقف لدى الطرفين ففي الوقت الذي يتوسع الغرب في محاربته للإسلام تحت شعار محاربة الإرهاب، وفي الوقت الذي خاضت فيه أمريكا وحلفاؤها الغربيون حربين كبيرتين ضد العراق وأفغانستان راح ضحيتهما عشرات الآلاف من المسلمين، فإن روسيا فعلت الشيء ذاته سواء تحت قيادة بوتين أو من سبقوه، فبويتن نفسه هو الذي قاد حربا ضروسا ضد المسلمين في أنجوشيا والشيشان، حتى أنه ترك جثث قتلى المسلمين متعفنة في الشوارع لأيام حسبما ذكر آخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف الذي توفي قبل أيام في مذكراته، وبوتين هو الذي يشارك الآن في قتل السوريين بطائراته بشكل مباشر او عبر دعمه للنظام السوري القاتل.

الإسلام الديانة الثانية

يمثل المسلمون في روسيا 11-15% حسب بعض التقديرات، وهم بذلك يمثلون الديانة الثانية في البلاد، ويتركزون في بعض الجمهوريات أو المقاطعات الصغيرة التابعة للاتحاد الروسي، وقد تحرك جزء منهم وخاصة في الشيشان مطلع ومنتصف التسعينات لنيل الاستقلال التام، أسوة بباقي الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي ومنها روسيا نفسها، لكن بوتين تصدى لها بكل عنف، وبكل القوة الغاشمة، واستطاع بعد ذلك استمالة والد الرئيس الشيشاني الحالي رمضان قاديروف ليصبح تابعا له، وقد انتقلت التبعية للابن لاحقا ولا تزال حتى الآن، وأبلى الابن بقواته بلاء حسنا في حرب أوكرانيا، وأوكلت إليهم المهمات الصعبة والقذرة في الحرب.

رغم تلك النسبة العددية الكبيرة للمسلمين في روسيا إلا أنهم غير ممثلين بصورة مناسبة في الحكم الاتحادي اكتفاء بإداراتهم المحلية، فليس هناك وزير مسلم مهم في الحكومة الاتحادية، وليس هناك قائد مسلم كبير من قادة الجيش الروسي، وليس هناك تمثيل مناسب في البرلمان الاتحادي، ولكن بوتين يجيد الحركات التلفزيونية لدغدغة مشاعر المسلمين بهدف كسبهم إلى جانبه في حربه القيصرية التي يريد من خلالها استعادة أمجاد الإمبراطورية القيصرية، حتى لو كان الطرف الآخر ينتمي لنفس ديانته بل نفس مذهبه، إنه يريد فرض نفسه زعيما بلا منازع للمسيحية الشرقية عموما، وهذا سيعني لاحقا التحرك لإلحاق كل الكنائس الأرثوذكسية التاريخية بالكنيسة الروسية.

المسلمون أوراق ضغط

وإذا كان بوتين يتحرك لمغازلة العالم الإسلامي واستقطاب شعوبه، فإن الغرب لم يتأخر عن هذه اللعبة بدوره، وقد لعبها من قبل مرارا، ومن ذلك دعم المجاهدين الأفغان في مواجهة الاتحاد السوفيتي الذي كان يوصف بالخطر الأحمر في حينه، والذي قاد الغرب ضده حربا باردة استمرت عقودا وانتهت بتفكيكه، كما أن الغرب يستغل ورقة المسلمين الإيغور ضد التنين الصيني، الفارق الأبرز بين بوتين والغرب يتركز في الموقف من الديمقراطية، فبينما يرفع الغرب هذا الشعار ظاهرا، ويساعد أحيانا في دعم بعض التحولات الديمقراطية كما حدث مع الربيع العربي مثلا، فإن الرئيس الروسي داعم رئيسي للنظم الاستبدادية العربية، وكان مناهضا لثورات الربيع العربي، ولأحلام شعوب المنطقة في التحرر والكرامة، والدليل الماثل حاليا في سوريا وثورة شعبها التي لا تزال تواجه طائرات ومدافع بوتين وتابعه بشار الأسد.

إذا أراد بوتين فعلا التودد إلى الشعوب الإسلامية، وكسب صداقتها، فإن الخطوة الأولى أمامه هي سحب قواته من سوريا، والاعتذار عن جرائمه بحق الشعب السوري، وكذا بحق الشعب الشيشاني من قبل، ووقف حربه الغاشمة ضد أوكرانيا التي تعطي إشارات سلبية عن نواياه القيصرية التي ستطال حتما أطرافا من العالم الإسلامي في مرحلة لاحقة إذا كتب له النصر في هذه الجولة، والمأمول أن لا يبتلع المسلمون هذا الطعم البوتيني القاتل.

المصدر : الجزيرة مباشر