قصة مدينة خليجية تعيش الخريف الآن ولا تعرف الصيف!

صلالة

وبينما ترتفع درجات الحرارة في العالم، ويموت البعض من شدة الحر في أوربا، فان مدينة صلالة، بسلطنة عمان تعيش فصل الخريف ولا تعرف الصيف!

فهي قطعة من جنان الله في أرضه، تختال عن نظيراتها بأجوائها الخريفية الجميلة، وتتدلل بدرجات حرارتها المعتدلة، وتتغني بحلتها الخضراء التي تكسو جبالها الممتدة إلى السهول التي تزيد جمالها فتنة، وتنتهي بشواطئ يتجاوز طولها مئات الكيلومترات، إنها “صلالة”، المدينة الخليجية المميزة.

“صلالة” تلك المدينة العمانية، عاصمة محافظة “ظفار” وأكبر مدنها، عدد قاطنيها يبلغ 180 ألف نسمة، وتبتعد عن العاصمة حوالي 1000 كيلومتر.

“صلالة” المدينة العمانية التي تتراوح درجة حرارتها في الصيف بين 15 و22 درجة مئوية، ما يجعلها تشكل عامل جذب مهم للسكان المحليين، وللسياح القادمين والفارين من حرارة الطقس المزعجة في جاراتها من دول الخليج.

رحلات برية

فكثيرون من سكان دول الجوار ينتظرون موسم الخريف المميز في “صلالة”، ليصحبون أسرهم في رحلات برية بسياراتهم الخاصة، مجتازين الحدود السهلة واليسيرة بين دول الخليج، ودائماً ما تتم تلك السفرات في جماعات عائلية، أو مجموعات من الأصدقاء، يجمعهم الرغبة في الاستمتاع بالطرق البرية، والمناظر غير المألوفة، في دول ذات أعراف وتقاليد، كما أن “صلالة” تعتبر قبلة كثير من السياح الأجانب من كل الجنسيات، الذين يهوون الاستمتاع بالأجواء الخريفية الخاصة لهذه المنطقة بالذات.

وتشجيعاً لهذا الموسم السياحي، وجذب الكثير لزيارة “صلالة” تقدم شركات الطيران عروضاً متميزة بتخفيضات كبيرة جداً على الرحلات من وإلى “صلالة”، كما توجد ظاهرة هي الأهم و الأكثر انتشاراً في موسم الخريف، وهي قيام أهل “صلالة” في غالبيتهم بترك منازلهم، والصعود إلى أعلى الجبال، حيث يقيمون في خيام طوال موسم الخريف الممتد تقريباً إلى ثلاثة أشهر، فيستفيد الكثير من سكان “صلالة” مادياً بتأجير منازلهم للسياح والقادمين في موسم خريف المدينة، وفي نفس الوقت يقيمون في أعالي الجبال بخيامهم وكامل مؤنهم، مستمتعين بالطبيعة الخلابة، مصاحبين لذكريات الأجداد والسلف، الذين كان معظمهم في الأصل مستوطنين للجبال، هائمين في سحر وجمال الطبيعة .

في غياب الشمس

“صلالة” وجبال ظفار المكسوة بالخضرة، تغيب شمسها طوال أيام الخريف، وتنهمر رخات المطر بسيطة متناغمة كرذاذ يتدفق من السماء، إلى جانب شلالات المياه التي تنهمر من أعالي الجبال في مشهد رائع وجذاب، مجتمعة في أودية تتدفق مياهها من الجبال المرتفعة إلى السهول التي تشبه جداول المياه العذبة في منظر ساحر خلاب، ومن المناظر الخلابة واللافتة في جبال ظفار تنوع التكوينات الجيولوجية للجبال والصخور، ووجود كثير من الأشجار والأعشاب النادرة، التي تستخدم في علاجات تقليدية، وتنوع البيئة يجذب أنواعاً نادرة من الطيور، تتخذ من الأشجار بيوتًا لها، ومن قدرة الخالق وعظيم صنعه، أن تلك الطيور تبني أعشاشها على نهايات أطراف فروع الأشجار، متخذة مدخل أعشاشها لأسفل حتى لا تستطع الزواحف أو القوارض الوصول اليها وافتراس بيضها أو صغارها.

قبور أنبياء

إذا كانت جبال ظفار تكسوها الخضرة، وتتخللها الأودية فإن شواطئ ظفار تتميز أيضاً بمظاهر مختلفة، إذ تنمو على الشواطئ أشجار النارجيل (جوز الهند) في أشكال منتظمة، وعلى الجانب الآخر تنبعث نوافير المياه من الشواطئ الصخرية بكثافة وارتفاع يصل إلى عدة أمتار.

وما زالت “صلالة” بجبالها تحوي الكثير والكثير من المعالم، التي يعتقد أهالي المنطقة أنها قبور بعض الأنبياء كقبر النبي أيوب وقبر النبي عمران الذي يُقال إنه أكبر قبر في العالم بطول يبلغ حوالي 30 متراً، وعرض حوالي 75 سنتيمتراً.

وقد بُنيت هذه القبور بعناية شديدة، وهي محاطة بالأبنية والقباب، ومغطاة بالقماش الأخضر وسجاد عليه آيات قرآنية كريمة، تفوح منها الروائح والعطور.

مهرجان خريف “صلالة”

وعلي غرار هذه الظاهرة المناخية الفريدة من نوعها، يُقام مهرجان سنوي كبير يعرف باسم “مهرجان خريف صلالة،” بدءًا من الخامس عشر من شهر يوليو وحتى نهاية أغسطس المقبل، تقام خلاله العديد من العروض الفنية الحية من الفن العُماني والرقصات الشعبية والفنون التراثية، بالإضافة إلى الحفلات الغنائية، والمعارض الفنية، ومعرض الكتاب في الفترة من 25 يوليو إلى 2 أغسطس بمركز السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة، بجانب فعاليات للأطفال والأسر في الحدائق العامة، ومطاعم شعبية تقدم المأكولات العُمانية، ولا ننسى عروض للسيارات ومسابقات للرماية والمزاينة والمحالبة، وهي مسابقات تهتم بالموروث الشعبي والتراثي للهجن في سلطنة عمان .

الجنة الاستوائية

هناك الكثير مما يمكن وصفه بالجمال الأخاذ في مدينة صلالة حديثاً والبليد قديمًا بدءا من الجبال التي اكتست بالحلة الخضراء والتي تمتد إلى السهول الجميلة ملتقية بالشواطئ الممتدة، مئات الكيلومترات لتبدو للزوار كأيقونة طبيعية تخلب الألباب، وتسر الأعين، حتى أنها توصف بسويسرا العرب. وتلك السواحل الجميلة التي تتنوع بين الرمال الناعمة والشواطئ الصخرية، كشاطئ المغسيل الجميل الذي يطل على بحر العرب، ومياهه الدافئة التي تحكي تاريخاً حافلاً للبحارة العرب وسفنهم عربية الصنع، التي كانت تمخر عباب البحار لتصل إلى شواطئ الهند والصين شرقاً. وشاطئ مرباط، أبرز مواقع الغطس بالمنطقة، وخلجانها الصغيرة، التي تعرف محلياً (بالخياص) وهو غني بالثروة السمكية، التي يمتهن عدد من سكانه حرفة صيد الأسماك، ويمكن للزائر التعرف على الطقوس الخاصة، التي تعكس بعض العادات والتقاليد المتأصلة لدى سكان المنطقة، وخاصة عند صيد المحار الصفيلح، الذي يطلق عليه (أذن البحر) كونها تشبه إلى حد ما أذن الإنسان، والشّارخة (الاستاكوزا).

والعيون المتعددة التي تتدفق منها المياه العذبة، كعين حمران، تتميَّز هذه العين بالكهوف المُحيطة بها، وعين أرزات وتُعد أكثر العيون غزارةً في المياه، وعين صحلنوت، حيث تبعدُ هذه العين لمسافة غير بعيدة عن “صلالة”، وغيرها من العيون التي يتدفق منها الماء الزلال.

“صلالة” الجبال الشامخات، “صلالة” حباها الله بسحر وجمال خلاب.

المصدر : الجزيرة مباشر