ماكرون ولوبان: الحجاب نقطة تحول فارقة في نبرة النقاش!

ماكرون ولوبان
ماكرون ولوبان

تابع ما يقارب 15.6 مليون المناظرة التلفزيونية التي بثتها القنوات الفرنسية مساء الأربعاء 20 أبريل/ نيسان 2022، وجمعت الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومنافسته اليمينية مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية 2022، وهي المناظرة الثانية بينهما بعد انتخابات 2017، وهذا النوع من المناظرات تقليد فرنسي يعود إلى سنة 1974 ويهدف أساسًا إلى استمالة الناخبين المترددين. ورغم أن المناظرة دامت هذه المرة أكثر من ساعتين ونصف، فإنها اتسمت بالهدوء، على عكس ما جرت عليه سنة 2017، رغم قساوة الردود والاعتراضات بين المرشحَّين أحيانًا.

وتمحورت المناظرة حول جملة من العناوين تمّ اختيارها قصدًا لإبراز الفوارق في معالجتها بين المرشحَّين، من أهمها: المقدرة الشرائية، وأسعار الطاقة، والحرب في أوكرانيا، والاتحاد الأوربي، والمناخ، والأمن السيبراني والمواطني، والهجرة، والحجاب الإسلامي. وباعتبار أن المساحة لا تسمح بتناول كل هذه المحاور، فإن المقال سيقتصر على موضوع الحجاب والهجرة تماشيًا مع أولويات المتابع العربي للحدث.

نقطة تحوّل

في الحقيقة، أحدث موضوع الحجاب نقطة تحوّل فارقة في نبرة النقاش خلال المناظرة، ومثّل لحظة صِدام بلغ مستوى اتهام ماكرون للوبان بالتمهيد لإشعال “حرب أهلية” بفرنسا في حال فوزها بالرئاسة. وجاء هذا الاتهام على إثر تصريح المرشحة لوبان بنيّتها حظر الحجاب في الأماكن العامة، إذ قالت إنها تعتبره “زيًّا موحدًا فرضه الإسلامويون”، وأضافت أن الحظر أمر “يتعلق بتحرير المرأة، وكبح الإيديولوجيا الإسلامية”. لكنها ذكّرت بأنها “ليست ضد الإسلام، وهو دين له مكانه”.

وقد أثار تصريح لوبان استغرابا واسعا واتهاما لها بالاندفاع والغباء السياسي في لحظة لا تسمح بذلك، ولا سيما أنها نجحت في تهدئة خطابها العنصري بشأن هذا الموضوع في الفترة الأخيرة، حيث ذكرت بعد فوزها في الجولة الأولى أن الحجاب “مشكلة معقدة”، لكنها أكّدت في المقابل أنها “غير محدودة التفكير” وأن “البرلمان الذي من سيتولّى طرح مشروع الحظر المثير للجدل للنقاش”.

ولم يفوّت ماكرون فرصة أن يظهر أمام لوبان بمظهر “الرئيس الحكيم والمتعقّل والناصح”، عندما قال لها وهي في نشوة جبروتها “إنك تدفعين الملايين من مواطنينا إلى خارج الفضاء العام”، معتبرًا أن ذلك سيكون “قانون نبذ”، وأضاف أنه بعيدا عن تطرّف هذا الموقف من الناحية الإيديولوجية، فإن تتبّع المحجبات في الفضاء العام أمر غير ممكن من الناحية اللوجيستية، وسألها بشكل مباشر “من أين ستأتين بعدد عناصر الأمن المتفرغين لهذا الواجب؟”. لكن لوبان عادت ككل مرة لتكرار حجّتها المستهلكة: “يجب حماية خصوصية هويتنا الوطنية الفرنسية بكل الأثمان”.

وتماهيًا مع دور الرئيس العادل الرصين الذي تقمّصه بإتقان أثناء المناظرة، أعاد ماكرون التذكير بالإجراءات التي اتخذها إبان عهدته السابقة  للحد من التطرف الديني بإبعاد الدعاة الذين لا يراعون قيم الجمهورية  وإغلاقه للجمعيات التي ترعى القيم الانفصالية محذرا في الوقت نفسه من توعد منافسته بمنع الحجاب والقلنسوة اليهودية والصليب بما يتنافى مع مبادئ الثورة الفرنسية وقانون سنة 1905 المتعلق بإقرار اللائكية. كما دعاها إلى التمييز بين المفاهيم وحذر من الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي والإرهاب بما يهدد السلم الاجتماعي.

في الهجرة

أمّا في ما يتعلق بالهجرة، فقد وعد ماكرون بحزمة من الإجراءات لصدّ تدفق المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء، والاستمرار مقابل ذلك في انتقاء فئات المهاجرين من ذوي الكفاءات التي تدعم البحث العلمي والنمو الاقتصادي ملمحًا إلى عجز لوبان عن اقتراح بدائل مقنعة للناخبين في موضوع الهجرة. وأشار ماكرون في مقابل ذلك، مهيِّئًا الرأي العام لما بعد انتخابه، إلى وجوب استقبال الاتحاد الأروبي لخمسة ملايين مهاجر، كتعبير للتضامن مع الشعب الأوكراني ومساهمة من فرنسا لحل تلك الأزمة. لكن لوبان لم تخرج عن خطاب التهديد والوعيد بالترحيل وكأنها تملك مفاتيح غلق أبواب فرنسا أمام المهاجرين الذين لا ينسجمون مع “مزاج” المرحلة ولا ثقافة البلد.

بشكل عام، وبعد مشاهدة المناظرة بكل محاورها، يمكن القول إن الانطباع الحاصل لدى المشاهد المحايد، يؤكد تملّك ماكرون للغة الأرقام (ولاغرابة في ذلك وهو المترعرع في أحضان أعتى مصرفيّي العالم)، وقدرته على توجيه الاتهام  لمنافسته التي ظلت على تحافظ على مواقفها وبقيت في موقف الدفاع لدرء التهم الموجهة إليها، وهو ما عكس ضعف استراتيجيتها التي كان يمكن أن تتيح لها التطرّق إلى جملة من المثالب والعيوب في سياسة ماكرون مثل البطالة وإدارة أزمة كوفيد وما يتعلق بمكانة فرنسا في الناتو وفي البحر المتوسط والبلدان الأفريقية ومواجهة الإرهاب وغيرها، حتى تضطرّه إلى الدفاع والتبرير فتكتسب نقاطا في مواجهتها له. وفي مقابل ذلك، لم يدخر ماكرون جهدا في استصغار منافسته، والتعقيب على أرقامها بالتصحيح في مناسبات عديدة مثل ما قدمته بشأن المعلم، وهو المغرم بمهنة المعلم منذ الصغر.

مهما يكن من أمر، ونحن على بعد أيام معدودة من موعد الجولة الثانية، فلا تزال استطلاعات الرأي تمنح الأفضلية للرئيس المنتهية ولايته باتجاهات تصويت تراوحت بين 54% و56.5% مقابل ما بين 43.5% و46% لمنافسته اليمينية، وهي فجوة أضيق بكثير مما كانت عليه عام 2017 عندما فاز ماكرون بنسبة 66% من الأصوات. ورغم هذه التوقعات فإن انخفاض نسبة المشاهدات التي اعتُبرت الأقل في تاريخ المناظرات الرئاسية بفرنسا، قد يوحي باتساع الرغبة في مقاطعة التصويت يوم الأحد 24 أبريل/ نيسان. ولنا في سبق هيلاري كلينتون لمنافسها ترامب في المناظرة عبرة!!!

لهذا فإن للمشهد بقية، تستحق المتابعة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر