نوادر آل شاكر (3/1).. بطلان صلاة الخديوي

يروي الإمام المحدّث أحمد محمد شاكر ابن صاحب الفتوى: “لقد رأيت بعينيّ محمد المهدي -الذي كان من أشهر خطباء مصر- خانعًا ذليلًا عاملًا في أحد المساجد يتلقى نعال المصلين، فتواريت عنه”

 

من القليل النادر أن تجد في بيت واحد ثلاثة من العمالقة، يتربع كل واحد منهم على عرش علم من العلوم المتخصصة، ويشغلون كبرى الوظائف الرسمية والعلمية، ولكثرة ما تردد ذكرهم وتنوع أثرهم، ظنهم بعض الناس شخصية واحدة، إنهم “آل شاكر” الذين حازوا المحامد والمفاخر.

الوالد هو فضيلة الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر الشريف، وابنه الأكبر الإمام المحدّث أحمد محمد شاكر قاضي القضاة وشيخ المحدّثين، والضلع الثالث هو العلامة الأديب محمود محمد شاكر شيخ العربية وحامي حمى الفصحى وتراثها.

وسأضع بين يدي القارئ تعريفًا مختصرًا بالأقمار الثلاثة، مع ذكر موقف لكل واحد منهم يرسخ في الأذهان سهولة التفرقة بين هؤلاء الأعلام.

أولًا: الشيخ الوالد هو الشيخ محمد شاكر أحمد عبد القادر، وُلد عام 1866م الموافق 1282هـ في مديرية جرجا التي عُرفت بعد ذلك بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، من أسرة “أبي علياء” وهي أسرة حسينية، درس وتخرّج في الأزهر الشريف، وعمل الشيخ محمد شاكر أمينًا للفتوى عام 1890، ومساعدًا للشيخ محمد العباس المهدي مفتي الديار المصرية آنذاك، ثم عمل نائب محكمة القليوبية عام 1894، وفي عام 1900 ترقى إلى منصب قاضي قضاة السودان، وفي عام 1904 عمل في معهد الإسكندرية الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الجامع الأزهر، ثم انتقل الشيخ محمد شاكر إلى القاهرة لمعاونة شيخ الأزهر الإمام عبد الرحمن الشربيني في مهامه، وعُيّن وكيلًا للجامع الأزهر عام 1909، وفي عام 1931 أصيب الشيخ شاكر بداء الفالج، فاعتزل العمل العام حتى توفي في 29 يونيو/حزيران عام 1939، الموافق 11 جمادى الأولى عام 1358هـ.

صلاتكم باطلة فقد كفر الخطيب

أشهر مواقف الشيخ محمد شاكر كانت في حضرة  الملك فؤاد الأول حيث كان يصلي الجمعة في عابدين، فاستحضروا له محمد المهدي خطيب مسجد عبدان؛ لأنه كان خطيبًا مفوّهًا، وكان الملك يحب الصلاة خلفه، وكانت هذه الجمعة بعد رجوع د. طه حسين من بعثته إلى فرنسا، وحصوله على درجة الدكتوراه، واستُقبل بحفاوة وكُرِّم رسميًّا، فأراد الخطيب محمد المهدي أن يمدح الملك فؤاد لعنايته بالدكتور طه فقال: ما عبس وما تولى لمّا جاءه الأعمى، وفي ذلك تعريض بالجناب النبوي، ومزايدة على التصرف المحمدي تجاه الصحابي الأعمى عبد الله بن أم مكتوم، وبعد الفراغ من الصلاة، قام الشيخ محمد شاكر -رحمه الله- وكان وكيل الجامع الأزهر، فقال: “أيها الناس إن صلاتكم باطلة فقد كفر الخطيب”، وحدث هرج ومرج في وجود الحاكم، ولم ينتظر الشيخ شاكر إذن ولي الأمر للصدع بالحق، وتصحيح الخطأ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما بقي دوي صوته يتردد: “أيها الناس صلاتكم باطلة، وخطيبكم كافر”.

التنازل عن القضية

ولم يكتف الشيخ محمد شاكر بذلك بل توجه إلى قصر الملك فؤاد ورفع إليه فتوى مكتوبة يدعوه فيها إلى إعادة الصلاة مُبيّنًا له الحكم الشرعي، وأصبحت الواقعة حديث المدينة وتناولها الخاصة والعامة، فغضب ناس من الملأ لا سيما أهل القانون، وحرضوا الخطيب -محمد المهدي- على رفع شكوى ضد الشيخ محمد شاكر أمام القضاء، وكان من فطنة الشيخ أنه لم يطلب شهودًا من الأزهريين أو العلماء المصريين، لئلا يقال انحازوا إليه، وإنما أرسل إلى مستشرقين أجانب ممن لهم خبرة بدلالات الألفاظ على المعاني، وأراد أن يستقدمهم للشهادة حول: هل استخدام الخطيب لهذه العبارة فيه تعريض بالمقام النبوي أم لا؟ وشعر الخطيب المفتري ومن خلفه بخسارة القضية قبل نظرها فتنازل عنها، ودارت الأيام دورتها وتحقق فيه وعد الله لنبيه ﷺ.

{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، حيث يروي الإمام المحدّث أحمد محمد شاكر ابن صاحب الفتوى: “لقد رأيت بعينيّ محمد المهدي -الذي كان من أشهر خطباء مصر- خانعًا ذليلًا عاملًا في أحد المساجد يتلقى نعال المصلين، فتواريت عنه، وهو يعرفني وأنا أعرفه”.

وبعد هذه الواقعة، توطدت علاقة د. طه حسين بآل شاكر، وسيظهر هذا في التعريف بالنجلين الكبيرين والعَلَمين البارزين: المحدّث أحمد محمد شاكر، والأديب محمود محمد شاكر.. رحم الله الجميع.

المصدر : الجزيرة مباشر