هل أحرجت قطر الكبار بتنظيم كأس العالم؟

ما وراء وزيرة الداخلية الألمانية؟

وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر

 

استبقت وزيرة داخلية ألمانيا “نانسي فيزر” زيارتها إلى قطر يوم 31 أكتوبر الحالي بصحبة رئيس اتحاد الكرة الألماني “بيرند نويندورف”، وفي مقابلة تليفزيونية انتقدت بطريقة تخالف الأعراف الدبلوماسية دولة قطر وقالت: إن استضافة قطر للمونديال كانت بالنسبة للحكومة الألمانية “صعبة للغاية”، وشددت على أن هناك معايير ترتبط بحقوق الإنسان يجب الالتزام بها، ومن الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول!!!

انتقاد قاس، غير مدروس، بل غير مفهوم!! ولماذا الآن؟ لكن قطر ردت على الفور، باستدعاء السفير الألماني، “كلاوديوس فيشباخ” وسلمته الخارجية القطرية مذكرة احتجاج على تصريحات وزيرة الداخلية.

في مايو الماضي كانت الوزيرة قد أثارت جدلاً في ألمانيا عندما نصحت المواطنين بالاحتفاظ بمخزونات غذائية ودوائية تحسبا لحدوث أزمة من وقوع هجمات سيبرانية على بني تحتية ينتج عنها انقطاع الكهرباء.. وثار جدل كبير في ألمانيا: فهل الوزيرة عندها علم مسبق بأمر هذه الهجمات؟!! وما هو الهدف من إثارة مخاوف الألمان وإحداث بلبلة بينهم؟!!

حقيقة الأمر أن تصريحات المسؤولين يجب أن تكون مدروسة بعناية، لأنها قد تتسبب في تردي علاقات الدول ببعضها، ثم إن فصل السياسة عن الرياضة وعدم توظيفها لأغراض سياسية وهو الأمر الذي يخصنا هنا ـ هو الذي يدفعنا للتساؤل إذا كانت الرياضة لا توظف من أجل الضغوط السياسية، فلماذا جرت أحداث كأس العالم 2018 في روسيا بمباركة الدول الأوربية الغربية التي تهاجم قطر الآن؟ والتي عادت عداوتها إلى روسيا كما كانت من قبل بعد الحرب الأوكرانية!!

قطر تقاوم الضغوط

منذ أن منح الاتحاد الدولي لكرة القدم حق استضافة المونديال إلى قطر عام 2010، والدولة الغنية الصغيرة تتعرض إلى انتقادات لاذعة على خلفية طريقة تعاملها مع العمال المهاجرين رغم نفيها ذلك مرارا وتكرارا، لكنها تتعامل مع الأمر بقدر عال من الدبلوماسية.

بيرند نويندورف رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم سبق تصريحات الوزيرة بقوله: عندما تبدأ بطولة كأس العالم في قطر سيكون التركيز على الجانب الرياضي، لكن يجب أن نكون واضحين في موقفنا إذا دار الحديث عن الأوضاع المجتمعية والسياسية في قطر”. وأعرب عن تأييده لصرف تعويضات لعائلات العاملين الذين توفوا في مواقع الإنشاءات الخاصة ببطولة كأس العالم.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد نفسه دافع عن سجل حقوق الإنسان في بلاده معتبرا أن بلاده تتعرض لانتقادات غير مسبوقة منذ فوزها باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، مشيرا إلى أن بعضها وصل لحد الافتراءات، وتساءل عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة؟!!

كانت الدوحة قد شددت مرارا وتكرارا على أن “حماية صحة وسلامة وأمن وكرامة كل عامل يساهم في كأس العالم هي أمن وأولويات الدولة، وكانت اللجنة العليا للمشاريع القطرية قد طمأنت العالم الخارجي في بيان لها عن الإصلاحات التي أجرتها الدوحة في السنوات الخمس الماضية من ناحية سلامة مواقع البناء وظروف العمل.

المستشار أولاف شولتز نفسه صرح إبان زيارته إلى قطر في سبتمبر الماضي” بأن حقوق الإنسان تشهد تقدما في قطر”، من دون أن يعلق على إمكانية حضوره مونديال 2022. وقال شولتز لصحفيين في الدوحة إثر جولة في دول الخليج “نلاحظ أن تقدما أحرز حول قضايا تمت مناقشتها منذ وقت طويل، مثل ظروف العمال، رغم أن الأمر لا يزال بعيدا من التطابق مع أفكارنا!!”

أعلى مستوى دخل في العالم

كيف يمكن تفسير تلك التصريحات المتناقضة؟

إن المتابع للسياسة الدولية، يعرف أن قطر هي دولة صغيرة، لكنها استطاعت بمهنية عالية أن تحضر في الساحات السياسية والثقافية والاقتصادية الكبرى في السنوات الأخيرة، ولعبت أدواراً مهمة في منطقة الشرق الأوسط، وتستضيف بين وقت وآخر مباحثات لأطراف متصارعة كما حدث بين الولايات المتحدة وطالبان، أما سياستها الخارجية فهي بعيدة عن التورط في تحالفات تثير العداء والفتن، وهي قريبة من تركيا وإيران دون أن تتأثر بعداء بعض دول المنطقة لهما، حتى أنها وقعت مع تركيا اتفاقية يتم بموجبها نشر نحو 3000 شرطي تركي لضبط الأمن أثناء المونديال على أن تكون المسائل الأمنية والحماية تحت إشراف إدارة تركية بالكامل بالتنسيق مع الجهات القطرية، فهل آثار ذلك حسد الكبار ومنهم ألمانيا؟

تجارة الجنس والعمل القسري في أوربا

ليست هناك دولة مثالية لاتثار فيها مشاكل تتعلق بحقوق الإنسان أو العنصرية والتمييز والازدراء في العالم؟ في أوربا نفسها معقل الحريات الكثير من المشاكل التي ترتبط بملف المهاجرين والعمل القسري وتجارة الجنس. وفي ألمانيا علي سبيل المثال وفي نفس اليوم الذي انتقدت فيه وزيرة الداخلية قطر كانت سلطات التحقيق الألمانية قد فتحت تحقيقا يتعلق بحريق نشب في مركز إيواء لاجئين أوكرانيين في ولاية مكلنبورج بدوافع سياسية، وفيما أعربت وزيرة الداخلية عن صدمتها فإن رئيسة حكومة الولاية قالت إنهم لن يسكتوا إزاء هذا العنف تجاه اللاجئين.

ألمانيا أيضا مثلها مثل كثير من الدول الأوربية تعاني من تجارة الجنس، والدعارة القسرية، والعمل القسري في قطاعات البناء والمطاعم والنقل والزراعة والعمل في البيوت وهي من المجالات التي تنتشر فيه العبودية.

نجاح قطر هو نجاح للعرب

لا شك أن قطر هي واحدة من أغنى دول العالم من ناحية دخل الفرد، ويمثل العمال الأجانب فيها أعداداً كبيرة، والدولة الغنية تصنف من بين أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، فهل من المعقول أن تتغاضي عن حقوق العاملين في المنشآت الرياضية وتسيء لهم وهي تعرف أن عدسات وكاميرات العالم ترصد كل كبيرة وصغيرة في تلك الدولة؟!!

بالتأكيد أن نجاح هذه الدولة  في انتزاع حق أكبر تظاهرة رياضية في العالم علي أراضيها هو مكسب وانتصار كبير ليس فقط للرياضة بل للسياسة والتجارة والاقتصاد في هذا البلد، وهو رسالة قوية للعالم لا سيما العالم العربي الذي نالت منه دول غربية عديدة في السنوات القليلة الماضية، مشككة في انتمائه العقائدي والفكري والسياسي والثقافي.. لتقول إن العرب قادرين بثروتهم وثقافتهم وعقولهم علي احتواء وتنظيم أكبر فعاليات في العالم بمهارة واقتدار رغم الانتقادات والتشكيك!!

المصدر : الجزيرة مباشر