مصر بين مظاهرة جمال مبارك والمؤتمر الاقتصادي

جمال مبارك لحظة وصوله للمشاركة في تشييع جنازة المحامي فريد الديب

 

بعد ثلاثة أشهر، يبلغ عمر ثورة يناير 12 عاما، تلك الثورة التي قضت على حلم جمال مبارك بحكم مصر، وها هو يطل علينا بالأمس بمظاهرة شعبية في عزاء محامي أسرته فريد الديب، وهي مظاهرة كاشفة لما آلت إليه مصر بعد تلك السنوات من عمر الثورة.

الواقع كاشف للحقيقة، فما حدث أمام المقبرة ليس مشهدا تمثيليا كما يحب أن يصوره بعض من شاركوا في يناير، بأنها صرخة مواطنين ضد واقع اقتصادي واجتماعي وسياسي جعلهم يندمون على خلع مبارك ويحنّون إليه، صرخة تقول “لقد فشلتم، أنقذونا وإلا جمال موجود، ونحن سندعمه لأن في عهد مبارك كانت أحوالنا أفضل”.

“نوبة صحيان” يطلقها الشعب لكل الثوار في يناير، ليعيدوا تنظيم أنفسهم ولا يتمادوا في نعاسهم الطويل، لقد أصبح مبارك بعهده وفساده أفضل لنا مما أوصلتمونا إليه!

بينما ينتشي جمال كالطاووس، سواء في مقبرة مبارك أو مقبرة الديب الذي منحه وأسرته ورجاله البراءة في مهرجان “البراءة للجميع” بتعبير شباب يناير، يجلس النظام بمؤيديه ومعارضيه سياسيا داخل قاعات فخمة، في ما أطلِق عليه المؤتمر الاقتصادي بالعاصمة الإدارية الجديدة، لم يناقش الحاضرون لماذا انقلبت الأوضاع على يناير وصار الشعب الذي يعاني يوميا يحن إلى مبارك وعصره، بل ذهب المؤتمرون إلى تبرير هذا الواقع.

ولم تسقط مصر

حمّل الحاضرون في المؤتمر يناير ما وصلنا إليه، وهي الشماعة التي تتردد على ألسنتهم دائما، لم يفكروا في جديد بعيدا عن المعونات من الأشقاء العرب وقروض صندوق النقد الدولي، بل وصل الأمر إلى فقدان الأمل بقيام مصر، التي لم يسقطها 70 عاما من الاحتلال البريطاني، نهب فيه من الثروات والأرواح الكثير وغير المحدود.

مصر التي خاضت أربع حروب على جبهتها الشرقية ولم تقع ولم تسقط، مصر التي ساعدت الجزائر واليمن والكونجو ومدت يدها لكل من احتاج النهضة والتعليم والثقافة ولم تسقط، سنوات من المعارك والبناء والاستنزاف هي بحساب الزمن قليلة ومع ذلك لم يجرؤ أحد أن يقول إنها لن تقوم لها قائمة، ثم يجيء الآن من يقول للمصريين لا أمل في قيام الدولة.

يقام مؤتمر اقتصادي، وجمال مبارك يطلب من محبيه احترام حرمة الموت، فلا داعي للهتاف له ولوالده، بينما يفاجئنا المؤتمرون بأن ما يقوله الاقتصاديون والخبراء في المؤتمر يعرفه طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية!! فلماذا لا يكون المؤتمر بحضور هذا الطالب أو يقابله أحد المسؤولين (وبلاها مؤتمرات)، إذا كان الوضع كذلك، فلماذا هم مؤتمرون؟ وما جدوى مؤتمر يكلف الملايين من الدولارات في الوقت الذي يرفع فيه الأشقاء أياديهم عن المساعدة وتتعثر مفاوضات صندوق النقد الدولي، فلماذا يتم إنفاق هذه الملايين؟

كل هذا يحدث في “العاصمة الإدارية”، ولا يزال المشاركون في “الحوار الوطني” يشكّلون لجانا ولجانا فرعية، منذ رمضان الماضي واللجان لا تكتمل والاجتماعات مستمرة لاستكمالها، وتم اختيار بعض هذه اللجان في المؤتمر الاقتصادي، فلا ضير من الاستفادة من الخبرات ما دامت هنا أو هناك.

التمسك بالحوار

المعارضة المصرية رغم مشهد جمال مبارك المأساوي (هذه وجهة نظري)، لا تزال تتمسك بالحوار مع النظام، تخرج أصوات من داخلها منددة بالاستمرار في الحوار، إلا أن الحركة المدنية مستمرة في الحوار حتى آخر مصنع وشركة وبئر غاز يباع وميناء يُستأجر، ومنازل تُهدم وكباري تقام.

تتمسك الحركة المدنية بالحوار على أمل خروج سجين سياسي أو معتقل أو محبوس احتياطي، نعم خروج مظلوم يستحق الفرحة والسعي.

دخلت الحركة المدنية الحوار على أمل أن الدولة تحتاج إلى التضافر لإنقاذها اقتصاديا، وفتح المجال العام، وها هو المؤتمر الاقتصادي يعلن لنا أنه لا أمل إلا بمزيد من الفقر، ولا أمل في قيام الدولة.

أما المجال العام، فالنظام ترتعد مفاصله من دعوة إلى التظاهر يطلقها بعض الأفراد، فلا كيان سياسيا حتى الآن أعلن دعمه للتظاهر في قمة المناخ، فلماذا تواصل الحركة الحوار والعديد من قيادييها المؤسسين يعارضون الاستمرار، مثل أمين إسكندر وغيره؟

ما بين حوارات النظام مع حركته المدنية ومؤتمراته ولجانه المنبثقة عن لجانه، ومظاهرة الحب لجمال والحنين إلى عصر مبارك والندم عليه، مشوار طويل هو مشوار الأخطاء المتتالية لقيادات ثورة يناير، وعزوف شبابها وفقدانهم قيادات جديدة تتجاوز أخطاء من قادوا يناير في موجتي الغضب من يناير/كانون الأول 2011 حتى يونيو/حزيران 2013، وما تلاهما حتى هذه اللحظة المرتبكة من عمر الوطن.

المصدر : الجزيرة مباشر