علاقة القرضاوي بكبار الفنانين والفنانات

يوسف القرضاوي

موقف شيخنا المرحوم العلامة يوسف القرضاوي من الفن معروف، فهو من أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين تيسيرا في الموقف الفقهي، من حيث استيعابه لأهمية الفنون، وتيسيره في التناول الفقهي لها، وقد بدا ذلك منه منذ بداية تأليفه الكتب، وإصداره الفتاوى، فلا غرو أن أول عمل تأليفي له كان مسرحية شعرية، بعنوان “يوسف الصديق”، وقد كان في المرحلة الابتدائية الأزهرية آنذاك، كما أن كتابه “الحلال والحرام في الإسلام”، وهو أول كتاب علمي له، ثم ما أعقبه من كتب بينت مواقفه ورؤيته لمختلف أنواع الفنون.

ولذا ليس مستغربا أن يكون للقرضاوي علاقة بعدد من القائمين على الفن، سواء تمثيلا، أو كتابة، أو غيرهما، فقد قرأ معظم المهتمين بمسيرة القرضاوي الحوار الذي دار بينه والسيناريست والكاتب الأستاذ أسامة أنور عكاشة رحمه الله، وقد نشرناه في مقالنا السابق، وهو حوار جاء بعد أن امتدح عكاشة القرضاوي، وسأله عدة أسئلة، أجاب عنها الشيخ ونشرها عكاشة. وكذلك كان للقرضاوي علاقة بعدد من الفنانين والفنانات، سواء من لا يزالون يقومون بالتمثيل، أو من اعتزلوه.

علاقة طيبة مع نور الشريف

يرتبط القرضاوي بالفنان الراحل نور الشريف رحمه الله بصلة مودة عند طريق أصهار الطرفين. وقد كان أول لقاء للشريف بالقرضاوي في دبي، وهناك أخبره بأنه يريد أن يجسد شخصية صلاح الدين الأيوبي، فقال له القرضاوي: هناك شخصية أهم من صلاح الدين الأيوبي، وهي التي صنعته، وكانت سببا في تكون شخصيته، وهي شخصية لم تنل حظها من العناية سواء في الكتابة أو الدراما، فسأله الشريف: من هي؟ قال: نور الدين محمود الشهيد، وظلت الفكرة في ذهن الشريف.

وكان آخر لقاء بينهما بعد ثورة يناير بشهور في قطر، وكان معه صديق عمره وهو مصري مقيم في قطر منذ سنوات، ويعمل في تلفزيون قطر، وكان اللقاء في منزل القرضاوي بالدوحة، وذكره نور الشريف بحديثه معه في دبي عن نور الدين محمود الشهيد.

ثم بدأ الشريف سرد ذكرياته الفنية، وذكر أنه بدأ تعلم التمثيل في جمعية الشبان المسلمين، ودار حديث حول أحوال مصر وقتها سياسيا، والموقف من الإخوان، وكان حديث الشريف ينم عن ثقافة أدبية وسياسية ومعرفة ثقافية عالية، وكان يرى أن من حق الإخوان أن ينالوا فرصتهم في التجربة السياسية شأنهم في ذلك شأن غيرهم، ثم تحدث عن كتاب قرأه عن موقف الإخوان من الفن، فسأله القرضاوي عنه، فقال نور الشريف: كتاب بعنوان “حسن البنا وتجربة الفن”، فابتسم الشيخ، وقال له: مؤلفه يجلس أمامك، إنه تلميذي عصام تليمة، فسألني نور الشريف: هل أنت قريب الدكتور عبد المنعم تليمة؟ فأجبته: نعم، هو عمي.

مع عادل إمام

أما الفنان عادل إمام، فقد كان لقاؤه بالقرضاوي عندما تصادف وجودهما معا على متن طائرة متجهة من القاهرة إلى الدوحة، على مقاعد الدرجة الأولى، حيث فوجئ عادل إمام بالقرضاوي جالسا على مقعده، وقد دخل إمام الطائرة بعده، فسلم عليه وعرفه، وقال له: أنا عادل إمام الفنان المصري، فقال له القرضاوي: نعم أعرفك يا أستاذ عادل، وسأله عن سر زيارته للدوحة، فأخبره بأن له عرضا مسرحيا بعنوان: الواد سيد الشغال.

بعدها بسنوات طويلة، كان آخر لقاء بينهما في الدوحة أيضا، وقد كانت هناك جلسة للنقاش حول مسلسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعند خروج القرضاوي من الفندق، فوجئت بعادل إمام -وكان بينه والقرضاوي مسافة طويلة- يأتيه جريا بسرعة شديدة، ليقف أمام القرضاوي، بطريقة إمام في التمثيل وابتسامته، وصافح الشيخ، فسلم كل منهما على الآخر، وسأله القرضاوي: كيف حال أسرتك يا أستاذ عادل؟ التقيتك منذ سنوات لتعرض الواد سيد الشغال، فماذا تعرض الآن؟ فقلت وقال من حولي للشيخ: يا مولانا لم يعد سيد الشغال، بل أصبح يلقب الآن بالزعيم، ولم يكن في الحوار أي مساحة لشيء سوى السؤال عن أسرة عادل إمام، وتبليغها سلامه. لكن كان واضحا من سلام إمام وإسراعه وحرصه على ذلك، ما يكنّه للشيخ آنذاك من تقدير واحترام.

إعجاب محمود ياسين بالقرضاوي

لا أذكر لقاء جمع بين القرضاوي والفنان الراحل محمود ياسين رحمه الله، ولكن كان اللقاء بزوجته الفنانة المعتزلة شهيرة، وقد كانت تأتي في اللقاءات التي تعقدها السيدة ياسمين الحصري، وفي مرة من المرات أخبرتنا شهيرة بأن محمود ياسين قال لها: أنا لا يقنعني أي شيخ من مشايخك، ولا من الشيوخ الحاليين، واحد فقط هو الذي يملأ رأسي وعقلي، ويقنعني بعلمه وحديثه، إنه القرضاوي.

سؤال من شهيرة للقرضاوي

كما كانت تحضر الفنانة شهيرة دروس القرضاوي التي كانت تعقد في القاهرة، عند قضائه الإجازة الصيفية، وكانت تعدها كما ذكرت ياسمين الحصري، وأذكر أنه في إحدى المرات، قامت شهيرة بسؤال القرضاوي: لماذا لا تجيزون قراءة القرآن للمرأة على الملأ، كما يجوز للرجل؟ فأجابها بجواز ذلك ما دامت ملتزمة بالضوابط الشرعية، ولم يترتب على ذلك محرّم، وقد كان السؤال أمام الحاضرين لمحاضرة الشيخ.

سهير البابلي وسهير رمزي

ومنهن كذلك الفنانة الراحلة سهير البابلي، وقد شهدت زيارة لها للقرضاوي في قطر سنة 2003م على ما أذكر، وقد زارته في مكتبه في مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر، وكان مما دار في الحديث سؤالها للقرضاوي: هل اتصلت به الفنانة سهير رمزي أم لا؟ فأخبرها بأنها اتصلت بالفعل، وكانت تستفتيه في أمر يتعلق بمشروع زواج، يتعلق بمشروعية عمل هذا الخاطب، حتى تقبل أو لا تقبل، وكان ذلك بعد اعتزالها في هذه الفترة، وقبل عودتها للتمثيل مرة أخرى.

نجاح سلام ونصيحة القرضاوي بعدم اعتزال الفن

ومن الفنانات المختصات بالغناء والطرب الفنانة نجاح سلام، وقد اعتزلت وارتدت الحجاب، ففي لقاء لها بالقرضاوي استفتته في قضية اعتزالها، فأفتاها بألا تعتزل الفن تماما، بل عليها أن تحسن اختيار وانتقاء ما تغنيه، وأن الأفضل لها ولكل الممثلات المعتزلات عدم الاعتزال، بل عليهن العمل والاستمرار بضوابط الشرع، وإن أخبره معظم المعتزلات وقتها بأن شروط العمل صعبة، وقد تتعارض مع طبيعتهن في هذه المرحلة.

حسن يوسف وشمس البارودي

لعل أكثر الفنانين لقاء بالقرضاوي قبل ثورة يناير، هو الفنان حسن يوسف، فقد التقيا كثيرا، وكان الحرص على اللقاء دائما من حسن، واتضحت الأمور بعد ذلك بأن الأمر كان للمنفعة من القرضاوي، فقد كان وقتها يتردد على الدوحة ودبي ليعمل في قناة كانت تؤسسها دبي آنذاك، وهي قناة طيبة، التي بدأ التحضير لها ثم توقف ذلك فجأة، وكان حسن يوسف يتردد على القرضاوي آملا أن يجسد شخصيته في مسلسل، ويجمع معلومات عن العمل، وعن حياة الشيخ.

وكان يعرض كواليس عمل مسلسل: إمام الدعاة، وهو عن العلامة الشيخ الشعراوي رحمه الله، ويحضر معه صور الكواليس المعدة لتجسيد الشخصية، ثم بعد عرض المسلسل، كان يشكو للشيخ من خلاف حدث بين حسن وأبناء الشيخ الشعراوي حول المسلسل.

وكان يشكو من معاملة أمن الدولة له، وأنه حين يتكلم بأي كلمة في المسجد عن مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية لموقف إسرائيل من الفلسطينيين، يأتيه أحد رجال الأمن ويمنعه، وذلك في عهد مبارك. وعندما جاءت ثورة يناير رأيناه يمجد ويطبل لمبارك وزمنه.

وعندما جاء الانقلاب العسكري في مصر، إذ بحسن يوسف يتكلم عن القرضاوي بكلام سيئ يدل على تفاهة الرجل، وخفة عقله، إذ قال: إن إسرائيل قد وضعت شريحة في رأس القرضاوي، ولذا فهو يهاجم النظام المصري بعد الثالث من يوليو.

شمس تخلع النقاب بفتوى من القرضاوي

أما شمس البارودي، فقد كانت تزور الشيخ بصحبة زوجها حسن يوسف عندما يلتقي القرضاوي في مصر، أو في سفر خارج مصر وتكون الدعوة للزوجين، وكانت شمس قد استفتت الشيخ القرضاوي في خلعها النقاب، حيث إنها دعيت إلى حفل تخرج أحد أبنائها من الجامعة، وعلى ما أذكر الجامعة الأمريكية، وكانت منتقبة فترة طويلة، فأفتاها القرضاوي بجواز ذلك، خاصة أنها ترتدي النقاب وهي ترى أنه ليس واجبا، ولا ترى الوجه عورة، بل من باب الاستحباب.

وجدي العربي

ومن الفنانين الذين ارتبطوا بصلة بالقرضاوي حتى وفاته، وبخاصة بعد الانقلاب، الفنان وجدي العربي، وهو من بيت فن كما يعلم الجميع، وقد جسد العربي مسرحية عن القرضاوي، كتبها صديقنا الأديب والعالم الشيخ عبد السلام البسيوني، وأخرجها الأستاذ سالم الجحوشي، ومثلت على مسرح وزارة الثقافة القطرية، وحضرها وزير الثقافة، والشيخ، وظل وجدي العربي على وفائه وصلته بالشيخ.

هذه بعض الذكريات التي التقطتها ذاكرتي من خلال صحبتي لشيخنا القرضاوي، لعلاقته بأهل الفن من الفنانين والفنانات، وربما كانت هناك علاقة بآخرين، لكني لم أشهدها، أو ربما غابت عن ذاكرتي، أو لم يخبرني بها شيخنا القرضاوي رحمه الله.

المصدر : الجزيرة مباشر