قنبلة كيليشدار أوغلو.. تزلزل جبهة المعارضة لصالح أردوغان!

صورة إرشيفية لـ كيليشدار أوغلو

تتصاعد في الآونة الأخيرة دعوات المعارضة التركية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة قبل موعدها المقرر في 2023، ويذهب البعض منهم إلى ترجيح إجرائها منتصف 2022، رغم التصريحات المتكررة للرئيس رجب طيب أردوغان المؤكدة أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد، في يونيو/حزيران 2023، مؤكدا أن سيناريو الدعوة لانتخابات مبكرة الذي تروج له المعارضة ليس مطروحا على الإطلاق.

دعوات المعارضة وإلحاحها على ضرورة تقديم موعد الانتخابات يستند إلى رغبتها في استغلال عدد من الأزمات التي يمر بها الاقتصاد التركي نتيجة وباء فيروس كورونا، رغم أن تداعيات ذلك الوباء تسببت في كوارث اقتصادية لجميع دول العالم دون استثناء، إلا أن المعارضة التركية تتهم الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية بالفشل في مواجهة الأمر، مشككة في الوقت نفسه في قدرتها على إنعاش الاقتصاد مرة أخرى، وذهبت ميرال أكشينار زعيمة حزب الجيد إلى القول إن العدالة والتنمية يخشى الإقدام على تلك الخطوة لعلمه بأن خسارته قادمة لا محالة، مؤكدة أن الانتخابات المبكرة لم تعد مطلب المعارضة فقط بل هي مطلب جماهيري يجب الاستماع إليه وتنفيذه فورا دون تلكوء.

لا تكتف المعارضة التركية بتوظيف إشكاليات الملف الاقتصادي لمواجهة العدالة والتنمية، لكنها تقوم باستغلال أي حدث سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي لإحراج الحكومة، فمن سياسات الحكومة في التعامل مع الكوارث الطبيعية  كالفيضانات والحرائق التي شهدتها البلاد مؤخرا إلى التعاطي مع الملفات الإنسانية كملف اللاجئين والأجانب المقيمن في تركيا، جميعها ملفات مطروحة سياسيا وإعلاميا لإنتقاد الحكومة وتوجيه اللوم الدائم لها، في محاولة دؤوبة تهدف إلى إظهارها بمظهر المتخاذل الذي يتجاهل مواطنيه ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية، ويسعى لنيل رضا الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية عبر محاباة اللاجئين سواء كانوا سوريين أو أفغان.

انقسامات داخل أحزاب تحالف الأمة

الغريب في الأمر أن أحزاب المعارضة التي تطالب بسرعة إجراء انتخابات مبكرة طمعا في الفوز وإزاحة حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان عن السلطة، لديها من المشاكل والخلافات ما يمنح الأخير الفرصة الذهبية للفوز في أي انتخابات تجرى سواء كانت مبكرة، في نوفمير/تشرين الثاني 2022، كما تريد المعارضة أو في موعدها المحدد بشهر يونيو 2023.

فالانقسامات التي شهدتها جبهة الأمة الممثلة في حزبي الشعب الجمهوري والجيد، وحليفهما من الخارج حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الاكراد على الساحة السياسة التركية، من شأنها التأثير على ما يمكن حصده من أصوات الناخبين، فحزب الشعب الجمهوري واجه انقسام مجموعة من أبرز قيادات صفه الأول، وهي المجموعة التي خرجت مع محرم إنجي مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذي شكل حزبا سياسيا جديدا تحت اسم “حركة الوطن في ألف يوم” مستقطبا عددا لا بأس به من أبرز الأسماء والقيادات المؤثرة داخل الشعب الجمهوري.

وهو الموقف نفسه الذي واجهه حليفه حزب الجيد، إذ قام النائب السابق بالبرلمان عن الحزب، ونائب رئيس الحزب سابقا أوميت أوزداغ بتأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم “النصر” بعد أن قرر الاستقالة بسبب أن الحزب “أصبح بعيدا عن الهدف الذي أسس من أجله، وتحول إلى تابع لحزب الشعب الجمهوري شريكه في تحالف الأمة” مثلما ذكر في خطاب استقالته.

فيما يواجه حزب الشعوب الديمقراطي دعوة قضائية لإغلاقه، نتيجة إتهامات لعدد من قياداته بالتورط في أعمال إرهابية، ومساندة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.

قنبلة كيليشدار أوغلو

وبعيدا عن الخلافات الداخلية والانشقاقات والقضايا التي يواجهها كل حزب منهم على الصعيد الداخلي، يبدو في الأفق نذير خلاف حاد بين شريكي ائتلاف الأمة الأساسيين وهما الشعب الجمهوري والجيد، بعد أن ألمح كمال كيليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري برغبته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ومواجهة أردوغان، مؤكدا قدرته على توجيه هزيمة قاسية له.

وهو الأمر الذي كان بمثابة قنبلة ألقاها كيليشدار أوغلو على حين غرة في وجه حليفه حزب الجيد أمام الجمعية العامة للبرلمان التركي، حيث لم يقم باستشارته في أمر بهذه الخطورة والأهمية، قبل التلميح به.

فوفقا لخطة حزب الجيد كان من المنتظر أن يتم طرح اسم محدد والتوافق عليه بينهما أولا، ثم السعي للحصول على دعم باقي الأحزاب الأخرى كحزب المستقبل بزعامة أحمد داوود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، وحزب السعادة بزعامة تمل كارملا أوغلو، بهدف تشكيل جبهة موحدة تضم جميع الأحزاب الفاعلة على الساحة التركية بمختلف توجهاتها الإيديولوجية في مواجهة أردوغان مرشح حلف تحالف الشعب.

وكأن كيليشدار أوغلو أراد بتلك الخطوة الاستباقية وضع حزب الجيد وزعيمته ميرال أكشينار أمام الأمر الواقع بعد أن علم أنهم يرغبون في ترشيح أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول لهذه المهمة، ومواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو المعنى الذي حمله تصريح أكشينار الذي قالت فيه إن التحالف سيطبق النموذج الذي كسب من خلاله بلديتي إسطنبول وأنقرة.

ويأتي تمسك حزب الجيد بترشيح إمام أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية استنادا إلى ما حققه في الانتخابات البلدية، وقدرته على انتزاع مدينة إسطنبول من حزب العدالة والتنمية بعد أن ظلت تابعة له على مدى 25 عاما، ناهيك بكونه أكثر شبابا، وقدرة على الحركة، ولديه كاريزما تجتذب إليه المؤيدين، كما يراه بعضهم خطيبا مفوها، الأمر الذي يمكنه من مقارعة أردوغان.

أسباب ترحيب تحالف الشعب

وإذا كانت نية الترشح للانتخابات الرئاسية لدى كيليشدار أوغلو قد أثارت حالة من الاستهجان داخل حزب الجيد وباقي أحزاب المعارضة، فإن تحالف الشعب الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، قد رحب بتلك الخطوة، بل ويسعى للدفع بإتجاه تثبيتها، إذ يدرك الحزبان أن تلك الخطوة تصب في صالح تحالفهما، كونها تعني تفتيت الجبهة الموحدة التي سعت المعارضة إلى تشكيلها خلال الفترة الماضية من جهة، وضمان حسم الانتخابات الرئاسية لصالح أردوغان دون مشقة أو جهد إضافي من الجهة الأخرى.

وفي أول تصريح له على نية كيليشدار أوغلو خوض الانتخابات الرئاسية قال دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية: “كان خطابا مبشرا للغاية، كيليشدار أوغلو سيكون مرشح تحالف الذل” في إشارة لتحالف الأمة.

فيما يرى حزب العدالة والتنمية أن زعيم حزب الشعب الجمهوري شخصية سياسية ضعيفة، لديها الكثير من المشاكل، خصوصا القدرة على الحسم والحزم والتواصل، مما يجعل من السهل مهاجمته وإقناع الناخبين بعدم أهليته لتولي منصب الرئاسة، كما أن للرجل سجل حافل بالتصريحات المتناقضة والمواقف السياسية المبهمة، التي تجعل منه مادة خصبة للانتقاد، خصوصا مواقفه من الدين والحجاب والإرهاب، والتعاطي مع القضية الكردية، وعلاقات تركيا الخارجية وبالأخص مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان إمكانية اجتذابه أصوات أي من شرائح القوميين والمحافظين الأتراك الذين يمثلون الشريحة التصويتية الأكبر في أي انتخابات تجرى داخل تركيا.

ومن هذا المنطلق ينظر حزب العدالة والتنمية إلى ترشح كمال كيليشدار أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة على أنه دون شك هدية ربانية قدمت له ولرئيسه على طبق من ذهب، في وقت هما في أمس الحاجة إليها، كونها تعني في نهاية المطاف حسم معركة الانتخابات الرئاسية حتى قبل أن تبدأ.

المصدر : الجزيرة مباشر