المعارض المثالي في قاموس السيسي

السيسي

تبدو مصر وكأنها تعيش في مسرح للعبث تجاوزت فصوله إبداعات “صمويل بيكيت”، وصار يخرج علينا من آن إلى آخر إعلاميون بالقنوات التابعة للأجهزة الأمنية ليحدثونا عن “المعارضة الوطنية” ويشرحون لنا شكلها ونهجها وأولوياتها، وما الذي يتحتم عليها تناوله، وما هي قائمة المحرمات التي ينبغي ألا تقترب منها وما هي “الخطوط الحمراء” ومحاذير الأمن القومي؟ وكم من الجرائم الكبرى التي ترتكب في مصر منذ عام ١٩٥٢م تحت هذا المسمى ممن هم في سدة الحكم؟

وفي ظل هذا المشهد المأساوي الهزلي وبعد مقدمة الإعلاميين وإعداد بلاتوه التصوير، يكمل “رأس الدولة المصرية” عبثية الواقع بخروجه وحديثه مؤخراً عن “المعارض المثالي” من وجهة نظره، خرج لنا ليقول نصاً: “إنه يرحب بوجود المعارضة وقبولها في الحياة السياسية لكنها مشروطة، فمن حق الناس أن تعبر عن رأيها وتعترض..”، ويكون في النهاية: ” لدينا معارضة صحيحة، لكن المهم في النهاية تحسين أحوال الناس وحياتهم فيجب أن يكون المعارض دارساً فاهماً لما يقول وليس معارضة من أجل المعارضة”.

*تنويه: لقد نقلتُ ما تحدث هو به حرفياً.

وبقراءة بسيطة جداً لما في مخيلة الرئيس، ومن واقع سوابقه، فإني أستطيع أن أحدد -وبمنتهى الوضوح والمكاشفة- ماهية “المحرمات الثلاثين”

وبعيداً عن الحديث والتطرق لمواد الدستور المصري ذاته -والتي تكفل حرية الرأي والتعبير- وبالبعد عن الحماقات الكبرى -في دولة كمصر- عندما أذهب إلى خطيئة الاستدلال والاستشهاد بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمواثيق الدولية، وكل ما يتم في أي دولة في العالم من قبل المعارضين، وبقراءة بسيطة جداً لما في مخيلة الرئيس، ومن واقع سوابقه، فإني أستطيع أن أحدد – وبمنتهى الوضوح والمكاشفة- ماهية “المحرمات الثلاثين” التي ينبغي أن لا يقترب منها “المعارض” ولو بحرف لكي يحظى بلقب “المثالي” طبقاً لقاموس السيسي:

1-لا يتحدث عن اقتصاد الجيش الذي احتكر أكثر من ٨٠% من اقتصاد المجتمع.

2- لا يتطرق إلى “عسكرة المناصب” في الهيئات والوزارات والمؤسسات والشركات، والتي أصبحت تقترب من عسكرة الأكسجين في جو مصر.

3- لا يذكر كلمة عن القرارات الجمهورية بتخصيص الأراضي للجيش والتي تتم بصورة ووتيرة متسارعة وبنهم غير مسبوق.

4-  لا يسأل عمّا يحدث في سيناء من جرائم حرب ممنهجة لا تسقط بالتقادم.

5-  لا يتكلم عن التجنيد الإجباري والسخرة التي تتم بحق المجندين.

6-  لا يتململ من محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

7-  لا يتألم للواقع الكارثي للرضيع “براء” وأمثاله من الأطفال الرضع المحبوسين في مقرات وفروع الأمن الوطني مع أمهاتهم، ولمن لا يعرف من هو “براء” أسرد له التفاصيل الآتية طبقاً لما ذكرته (الجبهة المصرية لحقوق الانسان) في ٢٠ فبراير ٢٠٢١ عن ظهور “منار عادل أبو النجا” -معيدة في جامعة طنطا- (٢٧ سنة)، وطفلها الذي يبلغ من العمر حوالي الثلاث سنوات أمام نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم (٩٧٠) لسنة ٢٠٢٠م – أمن دولة، حيث وجهت لها النيابة اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها، وذلك بعد إخفائها قسريًا لعامين منذ إلقاء القبض عليها.

وقد ألقي القبض على منار في ٩ مارس ٢٠١٩م وطفلها الرضيع “براء” من منزلهم في الإسكندرية، وأخفيت في أحد مقرات الأمن الوطني لحين إظهارها أمام نيابة أمن الدولة بتاريخ محضر ضبط تاريخه ١٧ فبراير ٢٠٢١، ووجهت لها النيابة الاتهامات المذكورة، والرضيع حالة من حالات اخرى كثيرة مماثلة.

8- لا يتحدث ولا يذكر حرفا عن السجون المصرية وسجن العقرب، وهو السجن الذي يتم فيه مأسسة “الموت البطيء” جراء أوضاع السجناء كارثية السوء.

9- لا يتعرض من قريب أو بعيد للتقارير التي تتحدث عن عدم جدوى “تفريعة قناة السويس” التي كلفت مليارات الجنيهات من أموال وودائع المصريين الذين صدقوا الحلم.

10- لا يذكر حرفا عن سؤال اللحظة في مصر: “متى سيتم تطعيم المصريين بدون مقابل؟” للإفلات من وباء “كورونا” مثل باقي شعوب الارض.

11-  لا يتساءل عن جدوى تدشين وإقامة الأنفاق والكباري، ولماذا تكون الأولوية لها والإصرار عليها في ظل وجود أولويات أخرى أهم بكثير.

12- لا يستهجن إنشاء أطول برج وأكبر مسجد وأكبر كنيسة في العاصمة الإدارية بدولة من هم تحت خط الفقر المدقع يشكلون النسبة الأكبر والأعم من سكانها.

13- لا يسأل بشأن: متى سيتم سن قوانين وتشريعات حقيقية لمجابهة الفساد المستشري في كل أركان ومؤسسات الدولة طبقاً لكل تقارير الشفافية الدولية؟

14- لا يتعجب من عسكرة الدراما والأفلام، وشراء الأجهزة الأمنية لقنوات الدراما والإنتاج التلفزيوني، وعمل مسلسلات من نوعية “الاختيار” وأفلام كفيلم “الممر” وفيلم “السرب”.

15- لا ينطق بحرف عن ترقيات أبناء الرئيس -العجيبة والغريبة- في المؤسسات والأجهزة التي يعملون بها.

16- يتعامى تماماً ولا يذكر كلمة عن القصور والاستراحات الرئاسية التي يتفنن رأس الدولة ببنائها في دولة تحتل النسب الأدنى عالمياً في الصحة والتعليم ومدخول الفرد.

17- لا يسأل عما يسمى “الحرب على الارهاب”، وما تحقق منها، وكم من الوقت يلزم للقضاء عليه بالرغم من مرور ٨ سنوات منذ وقت “التفويض” إلى الآن.

18-لا يطالب بالإفراج الفوري عن كل سجناء الرأي والضمير من السجون المصرية.

19-  لا يتحدث عن المصانع التي يتم إغلاقها بصورة شبه يومية وتشريد آلاف العمال.

20- لا يسأل عن مواد الاتفاق الذي وقع عليه السيسي في مارس ٢٠١٥ في الخرطوم والخاص بالمياه واتفاقية سد النهضة.

21- لا يقترب من طرح أسئلة عن اتفاقيات الغاز والتفريط الذي يتم، ولمصلحة من؟ وما الهدف من ورائه؟

22- لا يتحدث عن الثروات المحجرية التي احتكرها الجيش.

23-  يتناسى الحديث عن إقدام السيسي على التنازل عن جزيرتي “تيران”  و”صنافير”.

24-  لا يتساءل عن الجدوى والهدف من الأسلحة التي يتم شراؤها بدون أي لزوم أو فائدة.

25-  لا يبحث عن الأرقام الحقيقية للديون الداخلية والخارجية وأين يتم إنفاقها وكيف سيتم السداد؟

26- لا يطالب بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات ومستشفيات ومراكز للبحث العلمي.

27- لا ينادي بفتح المجال العام وحرية الصحافة والإعلام والعمل النقابي والحزبي.

28- لا يقترب من الجرم الأكبر والمناداة بالحرية والسلام والمساواة، ولا يتحدث عن الديمقراطية.

29- لا يمتعض من أداء غرفتي التشريع -شيوخ ونواب- حيث شرعنة ومأسسة كل ما سبق ذكره.

30- يخرج علينا من آن إلى آخر يتحدث بمفردات وقواعد ولغة “قلاع الكراهية ” التي شيدتها النظم العسكرية في المنطقة لمعاداة كل من يرغب في العيش والتكامل والعمل والبناء المشترك مع أنصار السلام في إسرائيل لإثبات أن العسكر وفقط هم “الحمائم في دولة يقطنها الحمقى”.

تلك هي شروط “المعارض الوطني المثالي” عند السيسي وإعلامه وجنرالاته ومنظومته، وهذا المعارض دائماً محل ترحيب وتشجيع وإشادة، بل ورغبة جامحة في تعميمه وتحويله إلى نموذج يحتذى به.

وإذا كانت هذه الشروط ملزمة للتصنيف “كمعارض وطني” فيشرفني أن أعلن بمنتهى الوضوح والمجاهرة أنني “خائن لهذا الوطن”.