سعد الدين وهبة.. التطهر سبيل النجاة

سعد الدين وهبة

حافلة كبيرة تضم عددا من الأنماط البشرية في لحظة غائمة لا يبدو فيها الطريق واضحا يشير راكب على السائق بطريق مغاير لطريق المجموعة من أجل مصلحته الخاصة مما يؤدي بهم إلى حقل ألغام في قلب الصحراء تقع فيها الحافلة ولا سبيل للنجاة..

هكذا يبدأ الكاتب المصري سعد الدين وهبة مسرحيته (سكة السلامة) التي قدمها المسرح القومي المصري عام 1965 قبل هزيمة يونيو بعامين ليبدو الكاتب كأنه يحذر من الهزيمة ويقدم أسبابا كثيرة للتيه الذي دخلت فيه الحافلة وركابها.

تظل الأمور عالقة بين التاريخ القريب والتشريح لتلك الشخصيات التي مثّلت معظم المجتمع الجديد بكل أطيافه وتزداد الأزمة بالصراع الإنساني بين الجميع حول النجاة حين يظهر شخص معه عربة ولكن لديه مكانا لشخص واحد فقط.

يبدأ الجميع في محاولة جذب السائق وإغرائه بكافة السبل للحصول على رضاه واصطحابه للنجاة، وتنتهي المحاولة بحرق السيارة، ويصبح السائق أيضا رهينة الصحراء والتيه.

لا مجال للنجاة في طريق السلامة وهم الآن بين ثلاث سكك: سكة السلامة، وسكة الندامة وسكة اللي يروح ما يرجع.. حينئذ يوقن الجميع بأن الموت سبيلهم ويبدأ كل منهم في الاعتراف بخطاياه في محاولة للتقرب من الله واللجوء إليه ليهديهم طريق السلامة وعندها يأتي فرج الله وكرمه عليهم ليحصلوا على سكة السلامة.

المحروسة

لقد استطاع سعد الدين وهبة أن يشير إلى الطريق الصحيح لاستكمال نجاح ثورة 23 يوليو التي كان أحد رجالها أو نجاح أي ثورة والحصول على طريق السلامة للمحروسة، والنجاة من التيه بالتطهر للجميع من خطاياهم حتى نستطيع الوصول إلى طريق الصواب.

كان سعد الدين وهبة قد قدم مسرحيته الأولى (المحروسة) في عام 1961 والتي تدور أحداثها في مصر قبل ثورة يوليو بثلاث سنوات، وهي المسرحية التي تدور أحداثها في قرية مصرية حول جريمة قتل، والأحداث بين صراع مأمور القسم والضابط الشاب الذي يسعى للعدل وليس لمجرد إغلاق القضية بوجود متهم حتى لو كان بريئا.

يصمم الضابط الشاب على أن العدل أساس الحكم (سعد الدين وهبة ضابط شرطة تخرج من كلية البوليس عام 1946 وعمل معاونا للمباحث)، ورغم أن أحداث المسرحية تدور قبل الثورة إلا أن كثيرا من النقاد اعتبروها تشير إلى ثغرات بدأت تحدث في ثوب الثورة، وأن سعد الدين وهبه كان ناقدا لتلك الأحداث، ولكنه نقد المحب ونقد أحد رجالات يوليو الحريص عليها.

وما بين المحروسة الأولى، والمحروسة 85 التي قدمها وهبة في منتصف الثمانينيات مشوار طويل قدم فيه أكثر من عشرين عملا منها: كوبري الناموس، كفر البطيخ، السبنسة، الوزير شال الثلاجة، بابا زعيم سياسي، المسامير، سكة السلامة، الأستاذ.

وقدم للسينما العديد من الأفلام في كتابة السيناريو والحوار منها أربعة أفلام من ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية في الاستفتاء الذي أُقيم في عام 1986 وهي: الحرام، زقاق المدق، الزوجة الثانية، أبي فوق الشجرة، ومن الأفلام الأخرى: آه يا بلد، أرض النفاق، أدهم الشرقاوي.

لقد قال سعد الدين وهبة عن إنتاجه ” أن ما يعنيه في كتاباته هي قضية حكم البلد.. من يحكم وكيف يحكم تلك هي قضيتي الرئيسية”.

التطبيع

مسرحية المحروسة 85 لسعد الدين وهبة كانت تتناول قضية التطبيع، إذ وقف وهبه حجر عثرة كبيرة أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبرته دولة الاحتلال عدوا لها خاصة فيما هو متعلق بالتطبيع الثقافي والسينمائي من خلال رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي لمدة اثني عشر عاما لم يسمح بأي نشاط سينمائي لدولة الكيان الصهيوني فيه، وكذلك من خلال منصبه وكيلا بوزارة الثقافة المصرية، وأيضا عندما ترأس اتحاد الفنانين العرب ونقيب السينمائيين.

وفى مسرحية المحروسة الجديدة أو 85 تنبأ وهبة بسيطرة دولة الكيان على مؤسسات مصرية وعربية، وحذر من هذه السيطرة مؤكدا أن أي خراب وهزيمة لمصر والأمة العربية مفتاحها التطبيع مع دولة الاحتلال، وشدد على أن مصر والدول العربية يجب أن تقف ضد أي محاولات اختراق من جانب الكيان الصهيوني.

حينما تجلس لتشاهد إحدى مسرحياته التي قدم أغلبها المسرح القومي ستكتشف الفارق الكبير بين ما كان عليه هذا المسرح، وما صرنا إليه، إذ نحن أمام نصوص ذات رصانة في الكتابة وذات بعد فكري ودلالة سياسية وأيضا لا تخلو من لمسة كوميدية بسيطة إلى جانب الإخراج والأداء البارع لرواد التمثيل المصري.

في مسرحية السبنسة يناقش وهبة قضية الظلم والاتهامات الملفقة لعدد من الشباب من خلال عسكري يعثر على قنبلة في طرف القرية (كانت القرية مسرحا لمعظم أعمال وهبة ربما لنشأته فيها، وأيضا لعمله بالقرية بوظيفة معاون مباحث قبل حصوله على ليسانس الفلسفة والعمل بالصحافة في عام 1958 بجريدة الجمهورية).

يقدم العسكري القنبلة لمسؤول نقطة الشرطة الذي يطلب منه أن يضعها مكانها حتى يبلغ المسؤولين، ولكن القنبلة تسرق ويضعون مكانها حديدة لتبدأ حالة من الكذب والخداع يشارك فيها الجميع من وكيل النيابة إلى الضابط المحقق إلى ضابط القلم السياسي انتهاء بالحكمدار..

فالجميع يعرفون أن القنبلة الحقيقية سُرقت وأن الموجودة حديدة، لكن ولكي تُستكمل القضية يقع الاتهام على شباب مظلومين وشهود زور وضحايا من كل الفئات.

تنتهي المسرحية بالتحذير من القنابل الحقيقية، والظلم والتلفيق في الاتهام، وسجن المظلومين زورا إذ إن غياب العدل وتفشي الظلم والقهر للفقراء هو القنبلة التي ستنفجر في وجه الجميع وحينئذ سيكون ركاب السبنسة المظلومون في الدرجة الأولى، أما الظلمة: الحكمدار ووكيل النيابة والضابط والصول فسيكونون في السبنسة ذاهبين إلى السجن.

سعد الدين وهبة -الذي لم يعرفه المنتج محمد حفظي رئيس مهرجان السينما الذي افتتح قبل يومين- أحد المفكرين الكبار الذي قدم ما يقرب من خمسين مؤلفا مسرحيا وفكريا، ورأس هذا المهرجان 12عاما، ووقف صامدا خلالها أمام كل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم معارك دولة الاحتلال واعتباره عدوا لها..

أما موقف محمد حفظي فيذكرني بمسرحية أخرى لوهبة اسمها (بابا زعيم سياسي)..

وفي هذه المسرحية يناقش وهبة زعيم الصدفة وتحكي عن مذكرات سياسي كبير ترك بها وصية وطلب ألا تفتح إلا بعد وفاته بخمس سنوات، وعندما يفتح الابن المذكرات يكتشف أن والده لم يكن سياسيا، وليس لها علاقة بها، فقد أُلقي القبض عليه صدفة أثناء مظاهرة في الشارع وسجن واشتبه اسمه مع آخر ليخرج من السجن ويصبح زعيما سياسيا بالصدفة.

وهكذا قد تجد الكثير من “مسؤولين بالصدفة” في بلد لم يعد معيار الكفاءة والتميز والاجتهاد هو معيار النجاح..

لنجد رئيس مهرجان لا يعرف مؤسسه ولا الذي جعل المهرجان عالميا وأعاد له بريقه ورونقه.. فكم تعاني بلادنا من زعماء الصدفة ومسؤولين بالصدفة!

المصدر : الجزيرة مباشر