سيف القذافي وحفتر.. الثورة الليبية ترجع للخلف!

سيف الاسلام القذافي عندما كان في السجن "صورة ارشيفية"

منذ ما يقرب من 15 عاماً كان سيف الإسلام، ابن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، متحدثا في مؤتمر عن الأمن الإقليمي، وحينما فتحت الجلسة للحوار كان كلما طُرح عليه سؤال يفوق قدراته المتواضعة يعتذر عن الإجابة، قائلا: إنه لا يتابع هذا الملف الآن؛ لأنه مشغول بتحضير ماجستير من لندن سكول أوف أيكونوميكس.

الغريب أنه في مارس 2011 أعلن مدير جامعة لندن “سكول أوف أيكونوميكس، الشهيرة “هاورد ديفيس”، استقالته بسبب العلاقات التي تربط الجامعة بأسرة الزعيم الليبي معمر القذافي، وقرر التخلي عن منصبه؛ بسبب الضرر الذي لحق بسُمعة الجامعة، معتبراً أن قرار قبول هبة بقيمة 300 ألف جنيه إسترليني من سيف الإسلام القذافي كان خاطئاً، وبعدها أعلنت الجامعة أنها ستُخصص هذه الهبة لتقديم منحٍ لطلبةٍ من شمال أفريقيا، وقررت قطع علاقتها بنجل القذافي، ووقف برنامج دراسات حول شمال إفريقيا، الذي أنشئ بتمويل من المؤسسة الخيرية التابعة له.

شهادة بالرشوة

هكذا حاول ابن القذافي، سيف الإسلام، رشوة الجامعة بأموال الشعب الليبي عن طريق مؤسسته الخيرية، التي يموّلها الليبيون للحصول على دكتوراه وهمية لا تليق بأمثاله؛ مما جعلها فضيحة كبرى، حيث قررت الجامعة فتح تحقيق لمعرفة ما إذا كان سيف الإسلام القذافي، زوّر أطروحته -دور المجتمع في دمقرطة مؤسسات الحكم الدولية- التي نال على أساسها شهادة الدكتوراه من الجامعة البريطانية العريقة، حيث شاب الموضوع شبهة تزوير ورشاوٍ.

وكأن لم تحدث ثورة

هذه المقدمة لا بد منها للتحدث عن نجل القذافي سيف الإسلام؛ لمعرفة طريقة تفكيره للحصول على شهادة مزورة يصعب على أمثاله نيلها بعد أن قدّم أوراقه للترشح للرئاسة في ليبيا، وكأنه لم تحدث ثورة في ليبيا راح ضحيتها المئات من الشعب الليبي، بعد أن كان مشارِكا لوالده في السنوات الأخيرة من حكمه في العديد من المهام، فقد كان يعدّه ليكون خليفته؛ أُسوة بما فعله الرئيس السوري، حافظ الأسد، من تمكين نجله بشار الأسد ليكون رئيسا لسوريا، وتقليدا لما كان يفعله جاره بالجنب الرئيس المصري حسنى مبارك، من محاولة تقديم نجله جمال ليكون رئيسا لمصر؛ إلا أن ثورة 25 من يناير أفشلت عليه المخطط.

ولكن يبدو في ليبيا وكأن لم تقم ثورة، فها هو سيف الإسلام القذافي، الذي شارك والده حتى اللحظة الأخيرة في قتال الشعب الليبي، يخرِج لسانه للثورة وللتاريخ، ويقدم أوراقه كرئيس محتمل للشعب الليبي.

عباءة القذافي

ومع أن سيف الإسلام كان لا يشغل أي منصب رسمي في النظام الليبي السابق، إلا أنه كان صاحب نفوذ واسع في البلاد، وقد برز على الساحة الدولية كموفد للنظام الليبي، ومهندس لإصلاحات عديدة، لم يكتب للكثير منها النجاح، خاصة حرصه على تطبيع العلاقات بين ليبيا والغرب.

وفي مدينة سبها جنوب غربي ليبيا، ظهر نجل القذافي لتقديم أوراق ترشحه لمكتب المفوضية العليا للانتخابات، مرتديا العباءة والعمامة اللتين طالما اشتُهر والده بارتدائهما، رغم أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الأسابيع الأولى من ثورة الشعب الليبي في 2011، التي أطاحت بنظام والده.

وأثار ترشحه الكثير من الأسئلة حول موقف الشعب الليبي، وموقف الدول الغربية، وأمريكا، وروسيا؟، حيث لم تظهر مواقف واضحة -حتى الآن- غير أن هناك تصريحا إيطالياً في أواخر عام 2018، على لسان وكيل رئاسة الوزراء بإيطاليا حينها، جان جورجيتي، بأن بلاده لا تعترض على إمكانية عودة سيف الإسلام القذافي للعمل السياسي، وقيادة ليبيا.

أما أمريكا، فعبّرت في سبتمبر الماضي عن امتعاضها على لسان وزير الخارجية بالإنابة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، الذي قال: “العالم لديه مشكلة” في ترشح سيف الإسلام، مذكّرا أنه أحد مجرمي الحرب، ومُدرج بموجب قوانين الأمم المتحدة والولايات المتحدة على قائمة العقوبات، ولا يزال خاضعا لمذكرة توقيف معلقة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد استبق خطوة القذافي الابن، بالدعوة إلى إتاحة الفرصة لجميع القوى السياسية للترشح، بما في ذلك “أنصار نظام القذافي”؛ كي تكون الانتخابات شاملة -على حد قوله-. ويعتبر أكبر المستفيدين من وصول القذافي الابن لحكم ليبيا؛ هما روسيا والصين

حفتر في المارثون

ومن القذافي الابن للمشير خليفة حفتر، الذي كان سببا أساسيا في عدم استقرار ليبيا لسنوات، حيث ترشح هو الآخر لسباق الرئاسة الليبية، وكأن قانون الانتخابات تم تفصيله على حفتر، فقد علّق في سبتمبر مهامه العسكرية رسميا، تمهيدا للترشح للانتخابات، عملا بما ينص عليه القانون الانتخابي الذي أقره البرلمان، والذي يتخذ من الشرق مقرا، ويسمح له القانون في حال لم يتم انتخابه بالعودة إلى مهامه السابقة.

وقد يؤدي دخول المشير حفتر السباق الرئاسي إلى تعقيد المشهد السياسي، وربما الأمني في البلاد التي تنقسم بشدة حول شخصه؛ وذلك بسبب كثرة خصومه الرسميين، وخاصة في غرب البلاد.

وهكذا؛ فإن نجل القذافي يعوّل على فئتين؛ الأولى أنصار نظام القذافي السابق، وهم يؤيدونه بالتبعية، وانتخابه يعني إعادة ليبيا إلى عام 2010، أما الفئة الثانية فهم المحبطون مما عاشوه من أوضاع خلال العشرة أعوام الماضية، فقد يصوِّتون له، رغم أنهم لا يميلون له؛ بسبب ما عانته البلاد من تفكك وحروب في الفترة الماضية، أما حفتر فقد يعول على دعم بعض الدول، وتحكّمه في الجيش الوطني الليبي، وعقد صفقات مع الداخل والخارج.

في جميع الأحوال، فان مجرد ترشح نجل القذافي وحفتر يؤكد أن هناك شيئا خطأ، وأن الثورات العربية ترجع للخلف، وأن الدماء والتضحيات ذهبت هباء، وأن الربيع العربي قد تمت سرقته منا؛ بسبب حسن وربما سوء النوايا!

المصدر : الجزيرة مباشر