أسباب استعدادت تركيا لعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا

أردوغان

في الوقت الذي يستعد فيه آلاف اللاجئين السوريين في إدلب والمناطق المحيطة بها لاستقبال فصل شتاء جديد في ظل ظروف صعبة، وأوضاع تزداد ترديا عاماً بعد عام، تتزايد عمليات القصف التي تستهدف مناطقهم من جانب النظام السوري والقوات الروسية الداعمة له، الأمر الذي شجع على ما يبدو قوات وحدات حماية الشعب الكردية وحليفها حزب العمال الكردستاني على استهداف القوات التركية الموجودة في درع الفرات، مما أدى مؤخرا إلى استشهاد اثنين من أفراد الشرطة التركية ، كما تم إطلاق قذائف الهاون على منطقة قرقاميش بغازي عنتاب، وتفجير سيارة مفخخة في عفرين.

تلك التطورات الخطيرة والمتلاحقة دعت الرئيس أردوغان إلى التصريح بأن صبر بلاده قد نفد، وأنهم سيتخذون الخطوات اللازمة في سوريا في أقرب وقت ممكن بغض النظر عن رد فعل النظام السوري، إذ أصبح من الصعب ترك الأمور تسير هكذا دون تدخل منهم.

تصريحات أردوغان أعقبها قيام الرئاسة التركية بتقديم مذكرة للبرلمان للمطالبة بتمديد الصلاحيات الممنوحة للرئيس لاتخاذ ما يراه مناسبا من عمليات عسكرية في سوريا والعراق، وذلك لمدة عامين آخرين.

تلك الخطوة أكدت استعداد تركيا فعليا للقيام بعملية عسكرية في شرق الفرات، تستهدف قوات وحدات حماية الشعب المدعومة من الإدارة الأمريكية، وحلفائها الاتحاد الديمقراطي، وعناصر حزب العمال الكردستاني، الذين يشكلون عماد ما يسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية” والذين يسيطرون على مناطق محدودة في ريف حلب الشمالي، المجاور لمنطقة عفرين التي تسيطر عليها القوات التركية.

وما دعم ذلك التوجه تلك التصريحات التي صدرت عن وزيري الخارجية والدفاع اللذين أكدا أن بلادهما ستقوم باللازم لوقف الهجمات الإرهابية في شمال سوريا، حماية لحقوقها ومصالحها، وحفاظا على أمنها القومي.

فيما رصدت وسائل إعلام محلية سورية مؤخرا قيام عدة طائرات تركية مسيرة بإلقاء منشورات فوق بلدة تل رفعت معقل قوات وحدات حماية الشعب الكردية، الواقعة شمال غرب سوريا، تحذر فيه السكان وتطالبهم باتخاذ الحيطة والحذر لقيام قواتها بعملية تطهير وشيكة للبلدة من المسلحين الأكراد، الذين يتهمهم أردوغان باعتقال وتعذيب وقتل المعارضين لهم هناك.

تعزيزات عسكرية سورية لمواجهة الهجوم التركي المرتقب

التحركات العسكرية والدبلوماسية التركية خلال الأيام القليلة الماضية دفعت الجيش السوري إلى زيادة تعزيزات قدراته، وحشد المزيد من قواته بالتعاون مع وحدات حماية الشعب بغية صد الهجوم التركي المرتقب.

إلا أنه من خلال تلك التحركات السياسية والاستعدادت العسكرية وما صاحبهما من تصريحات دبلوماسية يمكن ملاحظة نقطتين هامتين، أولهما إدراك الجميع أن تركيا رغم دعمها لقوات المعارضة التي تقوم حاليا بالاشتباك مع قوات الجيش السوري في إدلب بالأسلحة الثقيلة، إلا أنها لن تخطو خطوة واحدة بإتجاه العمل العسكري الشامل المشترك إلا إذا استنفدت كل الطرق الدبلوماسية مع كل من موسكو وواشنطن، ولم تضمن قيامهما معا بإجبار العناصر الكردية على الانسحاب لمسافة 30 كيلومترا عن خط المواجهة الحالي الفاصل بين مناطق النفوذ العسكري التركي ومناطق تواجد المسلحين الأكراد، حتى يمكنها ضمان ابتعادهم عن المناطق الحدودية التركية بما يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل استهدافهم  للقرى والمدن الواقعة في تلك المنطقة.

وثانيهما أن تلك التحركات التركية تأتي ليس فقط ردا على الهجمات التي قامت بها العناصر المسلحة الكردية، وإنما أيضا في إطار الرد العملي على الضغوط التي تمارسها موسكو على أنقرة من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد، والتباحث حول القضايا الخلافية بينهما وجها لوجه دون وسطاء.

إذ دأبت روسيا على الحديث عن خطورة التعاون الأمريكي مع العناصر الكردية على الأمن القومي التركي، وكيف أن ذلك التعاون يزيد الأمور تعقيدا، وأن الحل الوحيد أمام تركيا لوقف تلك الأنشطة المدمرة هو التعاون بين أنقرة ودمشق مباشرة بدون وسيط، إلى جانب مسألة الالتزام بما تم التوافق عليه بشأن إدلب من وقف التصعيد عبرتوقف العمليات العسكرية، وعودة الهدوء إلى مناطق النزاع بما يسمح بعودة المهجرين، وإفساح المجال رحبا أمام بدء عملية سياسية تعيد الأمور إلى نصابها في سوريا، مع أن موسكو نفسها لم تلتزم بتلك البنود وصعدت من عملياتها العسكرية وطلعاتها الجوية مستهدفة أماكن المدنيين.

أنقرة ترفض الضغوط الروسية والأكراد يستنجدون بموسكو

ورغم علم أنقرة التام بتلك الحقائق، إلا أنها تحتاج إلى وقت حتى يمكنها اتخاذ الخطوات السياسية المناسبة للتعاطي مع تداعياته داخليا وخارجيا في الوقت الذي تراه مناسبا، وهو ما لم تدركه روسيا التي أخطأت حينما قامت بتسويق الأمر في صورة ضغوط  لم تتقبلها القيادة السياسية التركية، التي رأت الأمر وكأنه ابتزازلا يمكن القبول به، ومن هنا جاءت تصريحات أردوغان خلال عودته من رحلته الأفريقية، مشددا على أنهم لن يقدموا تنازلات في سوريا، وأنهم سيواصلون عمل كل ما يلزم خاصة في إدلب للحفاظ على أمنهم القومي.

تدرك العناصر الكردية المسلحة خطورة إقدام تركيا على عملية عسكرية جديدة في شرق سوريا، يمكن أن تؤدي إلى خسائر لا قبل لهم بها، وهو ما خبروه خلال عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرت، حيث قامت القوات التركية بسحقهم وهدم جميع معسكراتهم، والاستحواذ على مخازن الذخائر الخاصة بهم، وهو ما أدى إلى هروب الكثيرين منهم من تلك المناطق،  لذلك سارعت قياداتهم إلى اللجوء لروسيا طالبة العون والمساعدة لمنع أي عملية عسكرية تركية محتملة شرقي الفرات تستهدف وحدات حماية الشعب، خاصة وأن روسيا مسؤولة عن المناطق التي توجد فيها قواتها، بما فيها الشريط الحدودي مع تركيا، سواء في شرق الفرات أو تل رفعت أو عفرين أو الشهباء، وذلك وفق الاتفاق بينهم وبين أنقرة في 2019.

موسكو من جانبها أكدت معارضتها أي عمليات عسكرية في سوريا، وأبدت استعدادها للقيام بدور الوسيط  بين جميع الأطراف لتفادي إراقة الدماء، وحل المشاكل في إطار الحوار السياسي، خصوصا وأنها إلى جانب تركيا وإيران يتحملون -وفق اتفاق أستانة- مسؤولية ضمان سريان وقف إطلاق النار داخل جميع الأراضي السورية، وبين كل المكونات العرقية.

العرض الروسي للقيام بدور الوسيط بين تركيا والفصائل الكردية يسير وفق مخطط موسكو الهادف إلى تثبيت نظام بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، وسحب جميع القوات الأجنبية التركية والأمريكية من الأراضي السورية، وأن يتقبل المجتمع الدولي وجود نظامه، خاصة وأن الرجل أصبح فعليا يسيطر على 90% من الأراضي السورية.

فهل تضطر تركيا إلى الرضوخ للضغوط الروسية وتوافق على التباحث المباشر مع نظام الأسد دون الحاجة إلى القيام بعملية عسكرية حتى وإن كانت محدودة، خاصة وأن ذلك سيكفل لها تحقيق أهدافها من دون تحميل اقتصادها لتكاليف مالية باهظة هي في غنى عنها، ومنع إراقة دماء المزيد من أبنائها، أم أنها ستفضل خوض غمار تلك المعركة في إطار تهيئة الساحتين الداخلية والخارجية لما يمكن أن تتخذه من خطوات دبلوماسية لاحقة؟! هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة.

المصدر : الجزيرة مباشر