سنوات مصر العجاف في حكم المُخترِق الأول!

 

استغرق عبد الفتاح السيسي منذ ظهوره على الساحة في مصر عقب ثورة يناير ست سنوات ليعترف أنه “مش بتاع سياسة”، قالها غاضبا خلال أحاديثه الكثيرة التي يحدثنا فيها وهو لا ينظر إلينا!

كانت جملة السيسي واضحة في مناسبة إعلان رئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان عن تشكيل فريق رئاسي استعدادا لخوض الانتخابات عام  2018، وهو الفريق الذي سجنه بعد هذا الحديث ولا يزال اثنان من أعضائه في السجن ..
وأميل إلى أن السيسي -في هذا الموقف- كان يتحدث بصفة خاصة إلى وزيري الدفاع والداخلية السابقين صدقي صبحي ومجدي عبد الغفار، وما كان يتداول حينها عن وجود دعم لعنان وهو ما ترجم بعدها في الاطاحة بالوزيرين ..
أعلنها السيسي صراحة بعد سنوات من الخداع والتحايل على الشعب..
 ولأن السيسي “مش بتاع سياسة” فلم يدرك الوقت ولا الظرف الذي يقدم فيه مبادرة للأزمة الليبية التي طرحها السبت، ولا أي طرف ينبغي أن يكون معه، ولا كيف يدير الموضوع سياسيا؟!

اختراق كل القرى السياسية

ربما نستطيع القول إن السيسي يجيد -كشخصية مخابراتية- لعبة الاختراق؛ ففي إطار رصدنا للسمات الشخصية له فلابد من الاعتراف بأنه المخترق الأول لجميع القوي السياسية؛ فالسيسي الذي ظهر بوضوح كوزير دفاع في العام الذي حكم فيه الإخوان مصر استطاع أن يقدم نفسه للجماعة بصورة الوزير الملتزم المصلي، والوصول بذلك إلى عقول شخصيات مؤثرة في الجماعة، ويحوز على ثقتهم والتي استمرت حتى ليلة الثالث من يوليو وقبل ساعات قليلة من بيان ٣ يوليو..

بكل ذكاء استطاع السيسي أن يتخلص من جماعة الإخوان، وبنفس الذكاء استطاع -بعد 3 يوليو- أن يخترق تيار اليسار -وخاصة الناصريين- حينما رفع صوره بجوار صور عبد الناصر، وداعب الناصريين بحلم الدولة الوطنية، والتنمية وخلافها، وعبر ذلك استطاع أن يشق صفوف التيار الثاني في مصر، وكانت أكبر تلك الاختراقات في صفوف حملة حمدين صباحي في ٢٠١٤ حينما استطاع أن يستحوذ على عناصر مؤثرة فيها ثم ما لبث أن غدر بهم جميعا كعادته.

لم يكن صعبا على المخترق وتابعيه أن ينجح في تفتيت المتبقي من قوى اليسار والقوي الليبرالية الأخرى الأقل قوة وعددا خاصة أن معظمها بلا قاعدة حقيقية، واغلب قوي اليمين أحزاب رجال أعمال.

موت الحياة السياسية 

تلك الشخصية التي تعتلي أعلى منصب سياسي في مصر حينما يعترف أنه “مش بتاع سياسة” فطبيعي جدا أن تشهد سنوات حكمه اندثار الحياة السياسية وغياب الاحزاب عن الشارع.

لم يكتف نظام السيسي بحبس كل الاحزاب داخل مقارها في سنوات حكمه الأولى عبر إقامة ندوة هنا، ولقاء هناك ونشر بيان في وقت ما؛ لكنه بعد تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير أغلق حتى هذه المقار حاصرها بقوات الداخلية، فلم تستطع هذه الاحزاب إقامة ما كانت تقوم به في بداية سنوات حكمه، ولعلنا جميعا نتذكر حصار حزب الكرامة أثناء اعتصام قياداته احتجاجا على هذا التنازل، وكان هذا من بين الاحزاب القليلة التي تحاول أن تتنفس مع التيار المدني. ولا ننسى في هذا الصدد الاعتداء على حفل الإفطار الذي أقامته القوى المدنية في النادي السويسري منذ عامين.

هكذا ماتت الاحزاب السياسية ومعها كل القوى المجتمعية من نقابات وجمعيات أهليه، وإذا حاولنا أن نتذكر أدوار تلك القوي قبل يناير وما حدث لها الآن نستطيع رصد حجم التراجع في أدورها بل موتها السريري في سنوات السيسي الست الماضية ..
كان قانون التظاهر واحدا من أهم عوامل قتل الحياة السياسية في مصر إذ منح الحجة لاعتقال آلاف المصريين ولا غرابة حينما ترصد أن الجميع الآن في سجون السيسي من التيارات الكبرى الإسلامية والمدنية..

 أما القوى الشبابية مثل حركة 6 ابريل والاشتراكيين الثوريين وائتلاف شباب الثورة وغيرهم فقد فتتهم السيسي وحبسهم وأصابهم جميعا بالرعب من اللحاق برفاقهم في السجون.

الأمن القومي: ٦ سنوات من التفريط

الجغرافيا المصرية واحدة من أهم الدراسات التي يجب على صانع القرار المصري أن يدرسها بعناية شديدة، وبناء على هذه الجغرافيا تتحدد خطوط الأمن المصري؛ تلك الخطوط التي تمتد من العراق شرقا الى الجزائر والمغرب غربا الى اليمن واثيوبيا جنوبا والبحر المتوسط شمالا..

استطاع السيسي ببراعة خلال سنوات حكمه أن يقدم للعدو الصهيوني هدايا ذهبية في التفريط في أمننا القومي؛ رغم أن احتلال العراق في عهد مبارك كان أولى النكبات الكبرى للأمن القومي المصري عامة، إلا أن وجود الكيان الصهيوني في أرضنا المحتلة في فلسطين هو الخطر الأكبر على الأمن القومي المصري.

كانت أولى خطوات التفريط في خطوط الأمن المصري شق تفريعة قناة السويس أو ما سمي بقناة السويس الثانية ومع عدم جود قوات مصرية كافية في سيناء، ومع قدرة الكيان الصهيوني الاستيلاء على سيناء -منزوعة السلاح- باتفاقية كامب ديفيد يصبح وجود مانع مائي ثان أمام عبور قوات من غرب القناة الى شرقها خطرا على الأمن القومي المصري وتهديدا له..

أما ثاني تفريط في الأمن القومي المصري؛ فكان اتفاقية إعلان المبادئ في مارس ٢٠١٥ مع إثيوبيا وهي الاتفاقية التي سمحت لها بالحق في بناء سد النهضة والذي يكتمل الآن، وتبدأ إثيوبيا في ملء السد خلال يوليو المقبل الذي يحرم مصر من ٢٢ مليار متر مكعب من المياه اي ما يقرب من ٤٠٪  من حصتنا من المياه؛ وبهذه  الاتفاقية يصبح لإثيوبيا اليد العليا في التحكم في مياه النيل، والغريب أن حلفاء السيسي: الإمارات والسعودية من بين أكثر ممولي بناء سد النهضة.

التنازل عن تيران وصنافير

 وفي خطوات متسارعة للتفريط في خطوط أمننا القومي كان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بتوقيعه على اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية واحد  من أخطر تنازلات السيسي، وهي الجزر التي حكمت المحكمة المصرية بقطعية ثبوتها، إنها جزء من الأراضي المصرية وأحد أهم خطوط أمنها القومي إذ إنه بهذا التنازل قد جعل خليج العقبة من خليج مصري داخلي الى خليج دولي، وفتح للكيان الصهيوني الطريق ليضع قدمه في البحر الأحمر وكذلك الطريق أمام مشروعات له لتوصيل البحر الأحمر بالمتوسط..

وفي البحر المتوسط كانت كارثة أخرى تلك التي قام بها السيسي حينما أعاد ترسيم الحدود البحرية المصرية بين مصر وقبرص واليونان، وفي الخلفية لتلك الاتفاقية يقف الكيان الصهيوني؛ وبمقتضي هذه الاتفاقية فقدت مصر ٤٠ كلم من مياهها الإقليمية، ولتضع إسرائيل أقداما لها في المتوسط، وتستولي على مناطق اقتصادية مصرية ومنها الغاز المصري في المياه الإقليمية المصرية.

إن أخطر ما فعله السيسي في سنواته الست هو رفعه شعار ترسيم الحدود المصرية، وهذه الاتفاقيات التي وقعها مع إثيوبيا والسعودية واليونان وقبرص؛ وكأن مصر ذات السبعة آلاف عام لم تعرف بعد حدودها، وجاء هذا السيسي ليرسم لنا حدودها المحددة منذ فجر التاريخ..

إنها سنوات مصر العجاف التي نأمل ألا تطول أكثر من ذلك!

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه