الفيروس النّووي كورونا في الشّمال السّوري المحرّر

 

بتصدره قائمة الأخبار الأكثر أهمية في العالم احتلّ فيروس كورونا المدن والقرى والبلدات فارضاً حظر التّجول وملقياً الرعب في النّفوس ومحقّقاً ما لم يستطعه الطّغاة من إثارة الرّعب والقمع وإفقار النّاس بقطع أرزاقهم وبإصابة بعضهم بالجنون.

مع هذا هناك من استهتروا به وخرجوا من بيوتهم متحدين ذلك الغول المرعب سعياً إلى حريتهم. ومنهم خرج خائفاً وواضعاً روحه على كفه.

في لبنان خرج رجل إلى الشّارع يصرخ مطالباً الحكومة أن تؤمن له لقمة عياله ليبقى في البيت وحين حاصرته الشّرطة رمى بضاعته وخلع ملابسه.

وفي الكويت رمى رجل مقيم نفسه من الطّابق الرّابع في منطقة الفروانية على الرّغم من محاصرة الشّرطة للبناء المحجور فيه.

قسم الفيروس البشر قسمين، قسم خائف على نفسه ومطالباً الآخرين بالحفاظ على حياتهم وحياته، وقسم رأى الهلاك في خروجه وبقائه في البيت، فإمّا أن يموت جوعاً هو وأطفاله في مدن لا يهتم حكّامها بمصير شعوبهم وإمّا أن يخرج ويبقى تحت رحمة الفيروس الذي قد يتسلل إلى جسده خفية فيصيبه وعياله بسهم الموت. وحين يكون الخيار في الطّريقة فقط طريقة الموت فالغالبية الفقيرة ستختار أن يكون موتها بيد الفيروس لا بيد الجوع، الذي لن يرحمه أبداً أمّا الفيروس فهناك احتمال ولو بسيط أن يتركه وشأنه.

الفيروس في الشّمال السّوري المحرّر

لا تختلف تركيبة البشر باختلاف المدن وأماكن الإقامة في تلقي أخبار الجائحة الرّهيبة لفيروس كورونا، ففي الشّمال السّوري المُدمر حيث لا توجد خدمات طبية ولا مستشفيات ولا أماكن رعاية طبية وفي ظلّ عدم وجود أطباء في كلّ المناطق فقد تلقّى النّاس خبر الجائحة بمزيد من الاستهتار وعدم الاهتمام واعتبروا الأمر مجرد طرفة في البداية ثمّ استسلموا لفكرة طريقة الموت الجديدة، فقد جربوا الموت بالبراميل والقصف الصّاروخي، تحت أنقاض البيوت، والحرق والقتل بالسلاح الأبيض والقتل تحت التعذيب والموت خنقاً وهم الآن بانتظار النووي الذي هدّد بوتين به سكّان إدلب بمحيها عن الوجود كما فعل الأمريكان بهيروشيما.. في الشّمال لا يفكّر النّاس بالموت وقد صار من أساسيات وجودهم ولا يفكّرون في الطّرق المتاحة للتخلص منه فهم إلى الآن لم يواجهوا خطر الكورونا؛ لأنّهم في الأصل لا يملكون الأدوات التي تكشف عن المرض ومعظمهم يعيش في الخيام وفي المساجد وفي المدارس وفي العراء، وهم مجبرون على البقاء في مجموعات ولا توجد أماكن ليحجروا فيها أنفسهم هذا إذا قلنا إنّهم يملكون أصلاً ما يعينهم على العيش في ظلّ الحجر.

هذا الوضع الكارثي يهدد الملايين بإبادة كاملة بفيروس نووي وهذا ما جعل بوتين يخفف من طلعات الطّيران فوق المدن في الشّمال وليس اتفاقية سوتشي ولا جينيف ولا الضغط الأمريكي.

النّاس في الشّمال السّوري محاصرون هذه المرّة بشكل طبيعي خارج بيوتهم المدمرة بانتظار الجائحة كما انتظروها منذ قرن في شتاء قارص سُمّي العام وقتها بعام الأربعين ثلجة حيث أثلجت السّماء أربعين يوماً وطمرت البيوت ولم تكتفِ بدفن النّاس أحياء فأرسلت لهم جائحة الملاريا.

بين عالمين

حين ننظر إلى إيطاليا التي فقدت حكومتها السّيطرة على المرض ونرى رئيسها وهو يوجه كلمة للشعب الإيطالي ويقول إنّ هذا الشّعب قد ضحى بحياته في الحروب من أجل إيطاليا وعلى إيطاليا أن تضحي اليوم بنفسها من أجل شعبها وإن انها اقتصادها.. ثمّ ننظر إلى حكومتي مصر وسوريا اللتين نفتا وجود المرض في البلاد ولم تعلنا عنه إلا عندما فقدتا السّيطرة عليه.

ثم نقارن بالدّولة العدوة كما تراها الحكومتان “تركيا” التي أعلنت عن المرض منذ وجود أول حالة في البلاد وأغلقت مطارها مع عدّة دول ثمّ أغلقت مدارسها، وصار سكّان اسطنبول يخرجون كلّ يوم إلى الشّرفات في التّاسعة ليلاً يصفّقون ويصفّرون دعماً للفريق الطّبي وأولهم أردوغان وزوجته..

حينها نعرف في أيّ مستنقع كنّا نعيش، هو مستنقع بالمعنى الحرفي للكلمة فالرئيس بوتين الذي لم تعلن حكومته مباشرة عن وجود المرض خرج هو الآخر في لباس واقٍ لزيارة أماكن الحجر، صحيح أنّ البدلة الواقية التي يلبسها أمريكية الصّنع ومختلفة عن بدلات مرافقيه المصنوعة في روسيا لكنّه خرج وفي هذا وحده دعم لشعبه المقموع بنظامه الحاكم بالقوة والإرهاب.

العجز أمام الفيروس

ليست الدّول الفقيرة ذات النّظام الصّحي المتخلف هي العاجزة أمام الفيروس فقط بل الدّول المتقدمة أوّل من أعلن فقدان السّيطرة على المرض.

أولها دولة الصّين التي صدّرت المرض بقوة كما تصدّر بضاعتها الرّخيصة المستنسخة عن البضائع الأمريكية والأوروبية.. الصّين التي تملك حضارة قديمة وحديثة تفوق حضارة الغرب الذي سيطر على الكرة الأرضية بقوة التّسليح والمال.

تلك الدّول مهددة الآن بفايروس لا يكاد يرى، سلاح خطير رفض الغرب أن يجد له علاجاً حين حذّر بيل غيتس منه منذ خمس سنوات؛ لأنّهم لا يريدون صرف ملايين الدّولارات على مرض قد يأتي وقد لا يأتي بينما يصرف الأمريكان مليارات لتطوير “طائرة” مقاتلة!

الهوس العالمي بالحروب والتّصدي لها بتطوير السّلاح وصرف المليارات عليه وقف حائلاً دون اتخاذ خطوة إيجابية بصرف بضعة ملايين لتطوير علاج من فيروس يكتشفون الآن أنّه أقوى من كلّ أسلحتهم.

العجيب في كورونا أنّه انتقى وبدقة المكان الذي يهاجمه “رئة الإنسان” الذي لوث رئة الكوكب وأهلكها بالدّخان.. أجبره على التقليل من نفخ غاز الكربون في رئة الأرض.

الإنسان يختنق.. الكوكب يتنفس! إنّه العدل الإلهي  

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه