رجال صنعوا مجد الأزهر

الجامع الأزهر في القاهرة

إنه الشيخ الخضر حسين الذى تولى منصب شيخ الأزهر – وهو التونسي الأصل – الذى رفض طلباً من جمال عبد الناصر لإصدار فتوى باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة ارهابية

عندما تولى مشيخة الأزهر كتب استقالة غير مؤرخة من صورتين، احتفظ بإحديهما في مكتبه، وأعطى الأخرى للشيخ بسيوني مدير مكتبه، وقال له: “إذا رأيتني ضعيفا في موقف من المواقف فابعث الصورة التي معك إلى المسؤولين نيابةً عني، وهذه مسؤوليتك أمام الله” .

 إنه الشيخ “الخضر حسين” الذى تولى منصب شيخ الأزهر – وهو التونسي الأصل –  الذى رفض طلباً من جمال عبد الناصر لإصدار فتوى باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وخوارج ، وصعد على المنبر وقال : “لقد عشت خادماً لديني وليس مستخدماً لهم ويكفى العبد الفقير كسرة خبز وشربة ماء وما أكثر القضاء في ملكوت الله، وإني أشهد الله أن الإخوان المسلمين دعوة ربانية، عرفتها ميادين البذل والعطاء والجهاد والتضحية، لم يخونوا ولم يغدروا” . وذلك قبل أن يتقدم باستقالته .

ضد فرنسا

وقد عقد الشيخ الخضر حسين جلسة لهيئة كبار العلماء، بعد اعتداء فرنسا على ملك المغرب وإبعاده عن بلاده، وأصدر بيانًا شديد اللهجة ضد عدوان فرنسا على السلطان الشرعي، واعتبر البيان أن العملاء الخونة خارجون عن الإسلام لموالاتهم الكافر المغتصب.

وأرسل البيان إلى جريدة “الأهرام” التي عُرفت بولائها لكل حكومة، فعرضت الجريدة على المسؤولين هذا البيان، فطلبوا إرجاء نشره، وفي الصباح لم يجد الشيخ البيان منشورًا فأرفق مع استقالته صورة من البيان وأرسلها إلى رئيس الجمهورية، فنشر البيان كاملاً في اليوم التالي، تجنبًا لمصادمات قد تحدث مع الأزهر شيوخًا وطلابًا عندما يعلمون بأمر الاستقالة

 ولم يلبث فترة حتى استقال وكان السبب في استقالته اعتراضه واحتجاجه على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان يقول إن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع ، ولما جاء وفد من الرئاسة يساومه، كرر لهم مقولته الشهيرة :”أبلغوا الرئيس يكفيني من دنياكم كسرة خبز وكوب لبن، وقد ضمنها الله لي، وهذه استقالتي تحت تصرفكم”.

الشيخ الذى تحدى الملك

أما الإمام محمد مصطفى المراغي أحد العظماء الذين تولوا منصب شيخ الأزهر فقد كتبت جريدة “تايمز” البريطانية عنه أثناء ثورة 1919م، وكان يتولى منصبا قضائيا في السودان: أبعدوا هذا الرجل، فإنه أخطر على بلادنا وحياتنا من ويلات الحرب.

ولما تولى مشيخة الأزهر وضع قانونا للتعليم الأزهري جعله على مرحلتين: الابتدائية والثانوية، وأراد أحد مستشاري الملك أن يعلن سيطرة الملك والانجليز على الشيخ فقال: فلنجعل هذه السنوات الأربع ثلاثا، والخمس ستا، فرفض ، وقدم استقالته وبمجرد استقالته اشتعلت الدنيا فأتوا بالشيخ الأحمدي الظواهري ثلاث سنوات طبق فيها القانون على تعديله، واضطر الملك أن يأتي بالمراغي ثانية.

أبى أن تنحني عمامته

كان المراغي طويل البنية، والعرف السياسي وقتها في مصر أنه بعد صلاة العيد يهنئ الملك وولى عهده في القصر الملكي، وولى العهد في وقتها كان البرنس “محمد على ” صاحب قصر محمد على بجوار القصر العيني بالمنيل، وكان له باب كبير وآخر صغير بداخله والشيخ طويل فصلى العيد وذهب للقصر وطلب من “الجناينى” أن يفتح له الباب وكان لا يعرفه، فقال له: إنه مفتوح، فقال له المراغي: قل لسيدك إن محمد مصطفى المراغي قد حضر وأبى أن تنحني عمامته، وركب سيارته مستقلا أول قطار متوجها إلى بلدته، وظل الملك وولى عهده في قلق لمدة يومين إلى أن أخبرهما مدير سوهاج بوجود الشيخ في منزله، فلم يجدا حلا لها سوى أن يذهب الملك وولى عهده ورئيس الوزراء في القطار الملكي ويذهبون إلى المراغة ويزورون الشيخ في بيته ويكرمون بلدته، وتمت الاشارة إلى ذلك في المقررات الدراسية وفي كتب المطالعة للصف الثالث الابتدائي والثالث الثانوي تحت عنوان “زيارة كريمة من ملك كريم لبيت كريم” لكى يعرف الناس أن بيت الشيخ كبيت الملك .

فتوى خصوصي

ومن المواقف التي تعرض لها ولقي ربه على أثرها، ما حدث له سنة 1945م فقد طَلَّق الملك فاروق زوجته الأولى الملكة فريدة، وأراد أن يُحرِّم عليها الزواج من بعده، فأرسل إلى الشيخ يطلب منه فتوى تؤيد رغبته فرفض، فأرسل إليه الرسل يُلحون عليه – وكان الشيخ يُعالَج بمستشفى المواساة بالإسكندرية- فرفض الاستجابة، وضاق الملك ذرعًا بإصراره على الرفض، فذهب الملك فاروق إليه في المستشفى مُحتدًّا، فقال له الشيخ عبارته الخالدة: أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التَّحريم فلا أملكه، وطال الجدال وصاح المراغي بأعلى صوته قائلا: إنَّ المراغي لا يستطيع أن يُحرِّم ما أحل الله.

47 عالما تولوا المشيخة

ولو واصلنا الحديث عن مواقف شيوخ الأزهر وعلمائه فإننا نحتاج لمجلدات ولن تكفينا هذه السطور، فمن ينسى مواقف 47 عالما تولوا المشيخة أولهم كما أكدت المراجع التاريخية الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي، وآخرهم أحمد الطيب الذي ما زال في منصبه إلى الآن؟ لا ننسى ” الشيخ حسونة النواوي الذى وقف ضد قرارات الخديوي ولقب بـ”الشيخ الشجاع” فقد تولى مشيخة الأزهر مرتين؛ الأولى في الفترة من 1896م إلى 1900م والثانية 1909م واستقال في العام ذاته في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.

ففي العام 1899م عرض على مجلس شورى النواب اقتراحا بندب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركوا قضاة المحاكم الشرعية العليا في إصدار الأحكام، ووقف الشيخ حسونة النواوي ضد هذا الاقتراح وأصر على موقفه وقال للخديوي: “إن المحكمة الشرعية العليا قائمة مقام المفتي في أكثر أحكامها، ومهما يكن من التغيير في الاقتراح فإنه لا يخرجه عن مخالفته للشرع لأن شرط تولية المفتي مفقود في قضاة الاستئناف” فأصدر قرارا بعزله عن منصبه.

عندما قال الشيخ مصر لا تصلح للخلافة

وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي الذى تولى المشيخة في الفترة من 1917إلى 1927 ما رغب فيه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررا ذلك بأن مصر لا تصلح داراً للخلافة لوقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي .

أما الشيخ عبد المجيد سليم البشري فقد انتقد الملك فاروق بسبب رحلة شهر العسل التي قام بها مع زوجته ناريمان صادق في وقت كانت الحكومة قد ضغطت ميزانية الأزهر لانتشار الفقر بين المصريين.

وقال الشيخ وقتها مقولته الشهيرة “تقتير هنا وإسراف هناك” فأقاله الملك فاروق من منصبه ثم عاد إليه عام 1952.

قانون جيهان السادات

أما الشيخ عبدالحليم محمود الذى تولى المشيخة في الفترة من 1973 إلى 1978 فقد عارض بشدة ما سمي بقانون “جيهان السادات” للأحوال الشخصية وأكد عدم مطابقة بعض مواده للشريعة الإسلامية، ومع ذلك أصرت الدولة على إصداره فرفض بشدة ولوح باستقالته فتم التراجع قليًلا ثم أعادوا المحاولة مرة أخرى قبل وفاته إلا أنه قال: “بعد قليل لن تجدوني ولن تحتاجوا إلى للموافقة على صدور القانون” وبعدها توفى الشيخ.

أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذى تولى المشيخة في الفترة من 1982 إلى 1996 في عهد المخلوع حسنى مبارك فقد كان شديًدا في الحق ونصرة الإسلام وهو صاحب الفتاوى التي تحدت مبارك. ومن مواقفه المشهودة أنه تمسك بموقفه من أن فوائد البنوك ربا محرم شرعا.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه