اكنس يا سيادة اللوا

(1)

دق التليفون في محافظة الإسماعيلية: الرئاسة على الخط..

آلو يا سيادة اللوا.. الريس جاي لكم يوم التلات، والحرس الجمهوري هاييجي الأحد لتأمين المدينة وأماكن الجلسات.. استعدوا

انتهت المكالمة.. عقد محافظ الاسماعيلية اجتماعا عاجلا مع مساعديه، وأعلن حالة التأهب القصوى لاستقبال وفود مؤتمر الشباب الذي يتزامن مع احتفالات عيد تحرير سيناء!.

(2)

اتصال عادي، وترتيبات بروتوكولية لاستقبال وتأمين الرئيس و1200 شاب يشاركون في “الحوار الوطني بشأن مشكلة المياه في تلاجة فخامته”، لولا أن أحدهم سأل المحافظ اللواء ياسين طاهر: هنعمل إيه يا أفندم في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام الوثائقية.. ده مستمر حتى يوم الأربع؟!

(3)

مهرجان إيه.. وأفلام إيه.. ودولي إيه.. واسماعيلية إيه أساساً؟..

لم يفكر المحافظ في أي من هذا، وأعلن من جانبه تقديم ختام المهرجان ( تشارك فيه 45 دولة) إلى مساء الأحد، وبدأت عملية “كنس الإسماعيلية” من ضيوفها العرب والأجانب، دون أي اعتبار للمهرجان الدولي و”سمعة مصر”، فعندما يطلب الرئيس لا نفكر بل ننفذ ونسمع كلامه هوه بس…!

(4)

في أي دولة محترمة، تكفي هذه الفضيحة لإقالة رئيس مجلس الوزراء، وبالطبع إقالة المحافظ، لكن الحدث في “دولة الأشلاء” يبدو بسيطاً، فالارتباك مقدور عليه، حيث يمكن ترتيب إقامة بديلة للضيوف في القاهرة، حتى موعد سفرهم، ويمكنهم التنزه لدعم السياحة والتعرف أكثر على “مصائب السلطة” بعد أن تعرفوا على ملمح بسيط من قراراتها الارتجالية، التي تظهر مدى احترامها للثقافة والسينما، وللاحتفالية الدولية، لكن الأسئلة السخيفة التي يطرحها المتربصون من أمثالي تنقلنا إلى عمق الكارثة التي تعيشها السلطة في مصر، والتي تكشف أنها سلطة ممزقة بلا أجندة، لا تعرف التنسيق ولا التخطيط، وتتحرك بعشوائية انفرادية تتعارض فيها مع نفسها، وليس مع شعبها فقط.

(5)

الحديث عن الإقالة أو الاستقالة، ليس “تلكيكة” لنظام أعارضه، لكنه الدليل الوحيد على وجود بقية من كرامة، ومن احترام للمسؤولية التي يتقلدها هؤلاء الصاغرين، حيث يكشف التعارض بين موعد المهرجان وموعد المؤتمر، أن مجلس الوزراء ليست لديه خارطة واضحة للأحداث الرسمية في الدولة، فالمهرجان تنظمه وزارة الثقافة، وحضر وزيرها افتتاحه في الموعد المعلن منذ شهور طويلة، كما حضر ختامه القيصري المبتسر، وهذا يعني أن الوزير لم يسمع شيئا عن مؤتمر الشباب في اجتماعات مجلس الوزراء، وكذلك المحافظ اللواء لم تكن لديه معلومة بشأن موعد المؤتمر ولا مكان انعقاده، لأنه يعلم موعد المهرجان الذي تشارك المحافظة في تنظيمه ويحمل اسمها.! المسألة إذن ببساطة أن الرئاسة قررت من جانبها فقط، ترتيب مكان وموعد المؤتمر دون أي اعتبار لما يحدث في مصر من فعاليات دولية، تعبر عن صورتها ومستواها أمام ممثلي 45 دولة، ولما تم اكتشاف التعارض، لم تفكر الرئاسة في بدائل، ولم تجتهد في حل المشكلة، وتعاملت مع الضيوف الأجانب كما تتعامل دائما مع المصريين.. مفيش اعتبار لأي قواعد، ولا برامج، ولا أي شيء يتعارض مع الرئيس.. اكنس المدينة يا سيادة اللوا.

(6)

هذه العقلية التي تدوس على أي شيء (حتى لو كان سمعة مصر الدولية)، من أجل تنفيذ رغبات “فرد واحد”، هي التي تمثلنا في “صفقة القرن”، وهذا يعني أن الله ابتلانا برئاسة بلا كياسة تتصرف برؤية قاصرة، ونظرة محدودة، لا تراعي مصر ولا تاريخها، ولا واقعها الراهن، وأنها قادرة على “كنس” كل من وما يتعارض معها، وأن بقية المؤسسات لا تملك إلا أن تطيع و”تبصم”، فالمحافظ اللواء شارك في ذبح مهرجان يحمل اسم محافظته، والمصادر الرسمية  في إدارة المؤتمر تتفاخر بأن القرارات والمواعيد وأسماء المشاركين تم اختيارها “مركزيا” من مؤسسة الرئاسة ولا علاقة للمحافظة بأى منها، نحن إذن أمام رئاسة عمياء، ومجلس وزراء غافل، ومحافظ خانع، ووزير ثقافة مسكين، ومهرجان لا حول له ولا قوة، وفي النهاية “سمعة مصر” هي الضحية من أجل استقبال الرئيس وشبابه!.. وواحد طيب يحرق دمه ويسأل: آية حجازي خرجت إزاي؟.. وعلاقة ترامب بخروجها إيه؟!

(7)

المشكلة الكبرى ليست في مهرجان سينمائي، والمقال لا يقتصر على إدانة “الجلافة” وسوء الضيافة، لكنه “مشهد سينمائي رمزي” قد يساعدكم على معرفة الأسلوب الذي تدير به الرئاسة كل ملفاتها: قرارات “مركزية” مفاجئة وغير مدروسة، لا تراعي شعب مصر ولا برامجه ولا ظروفه، وعلى بقية مؤسسات الدولة الطاعة العمياء والامتثال بلا عقل للمساهمة في تحقيق الإصلاح الجريء…

فهل يحتاج هذا المثال إلى شرح مكشوف، وتطبيق مباشر، لنعرف حجم الكارثة المنتظرة؟!

أترك لكم فرصة التفكير في القرارات التي اتخذتها الرئاسة بنفس الطريقة تحت شعار: هي كده.. احنا بنعمل شغلنا كده، واللي يقدر على ربنا يقدرعلينا.

والله غالب

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه