“أقوى من حزبه”.. مَن يخلف أردوغان من داخل العدالة والتنمية في انتخابات 2028؟

لافتة انتخابية لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول (رويترز)

تتجه أعين العالم إلى تركيا، مساء اليوم السبت، حيث يجري حفل تنصيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لولايته الأخيرة، وفق الدستور.

وقد بدأ منذ إعلان فوزه في 28 مايو/ أيار بأزيد من 52% من الأصوات، التساؤل عن مصير حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2028، ومن سيخلف أردوغان بعد 14 سنة من الحكم.

من يخلف أردوغان؟

جرى انتخاب أردوغان رئيسًا للجمهورية للمرة الأولى في 10 أغسطس/ آب 2014، عبر انتخابات مباشرة من قبل الشعب، ونال 52% من أصوات الناخبين ليصبح الرئيس الـ12، والأول الذي يجري انتخابه من الشعب مباشرة.

وبعد انتخابه، واصل “العدالة والتنمية” مشواره برئاسة النائب عنه في البرلمان أحمد داود أوغلو، وقبل انتهاء السنة الأولى من ولايته خاض الحزب الانتخابات العامة وفاز بتشكيل حكومة بمفرده عقب الانتخابات المبكرة التي أجريت في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

لا يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة إسطنبول أحمد أويصال، أن أردوغان قد يكرر في السنوات الخمس المقبلة نفس تجربة أحمد داود أوغلو -واصفا إياها بأنها “مرة”- وذلك “بإعداد وإبراز وتقوية خلف له ينقلب عليه”، وقد انشق رئيس وزراء تركيا والرجل الأبرز في العدالة والتنمية -آنذاك- عن الحزب في 2019، ليؤسس حزب “المستقبل” ويتحالف مع المعارضة في 2023 فيما يعرف بـ”الطاولة السداسية”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام أنصاره في أنقرة بعد فوزه بولاية جديدة (رويترز)

ويعتقد المتخصص في علم الاجتماع السياسي في حديث لموقع الجزيرة مباشر، أن الكاريزما السياسية لا تظهر بسهولة وأن إعدادها يحتاج إلى وقت، معتبرا أنه “من غير الضروري أن يكون الرئيس المقبل بنفس قوة أردوغان، وإنما يكفي أن يكون صاحب تجربة متراكمة لخدمة الحزب والبلد”.

ولا يرى أويصال أن هناك شخصية بارزة داخل الحزب قد تكون خلفا لأردوغان بعد السنوات الخمس المقبلة، ويقول إن كل شخصية داخل الحزب متميزة في مجال دون غيره، وإن هذه الشخصية قد تظهر من وزراء الحكومة المقبلة.

وقال مدير معهد “فكر” للدراسات في إسطنبول، بكير أتاجان، إن “شخصيات كثيرة بارزة داخل العدالة والتنمية تتقلص مع اقتراب موعد الانتخابات”، مفيدًا بأن الحزب شدد على تجديد نفسه في الفترة الأخيرة وأنه في تحضير مستمر لانتخابات 2028.

وحدد أتاجان في حديث لموقع الجزيرة مباشر عددا من الأسماء التي قد تكون مرشحة للبروز في الفترة المقبلة، منها هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية وإبراهيم كالن، المتحدث الرسمي باسم الرئيس، ووزير الدفاع خلوصي أكار الذي كسب ثقة كبيرة، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.

وأشار أويصال، إلى أن شعبية أردوغان أقوى وأوسع من حزبه، وقد أَسس العدالة والتنمية التركي في أغسطس/ آب 2001، ووصل إلى السلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، عندما نال الأغلبية لتشكيل حكومة بمفرده.

أنصار لحزب العدالة والتنمية يحتفلون بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات (غيتي)

مستقبل العدالة والتنمية

في مارس/ آذار 2003، أسس أردوغان الحكومة الـ59 في تاريخ الجمهورية التركية، والثانية في مسيرة حزب “العدالة والتنمية” واستمر في منصب رئيس الوزراء حتى عام 2014.

ويقول أويصال لموقع الجزيرة مباشر، إن أردوغان يولي أهمية كبيرة للحزب الذي يُعتبر مؤسسة قوية ومستمرة، و”لم تتمكن المعارضة من مجابهته رغم اجتماع أطيافها المختلفة والمتنوعة”.

ومضى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة إسطنبول، إلى أن العدالة والتنمية واجه تحديا صعبا في الانتخابات الأخيرة، وأن كثيرًا من التوقعات ذهبت إلى أن عدد مقاعده في البرلمان سيتقلص، لكنه “تمكن من الحصول على الأغلبية وهو إنجاز استثنائي”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حضوره أداء نواب البرلمان الجديد القسم (الأناضول)

وفاز العدالة والتنمية منذ الجولة الأولى من انتخابات 2023 بالأغلبية في البرلمان بحصوله على 268 مقعدا من أصل 600،  فيما تلاه حزب الشعب الجمهوري المعارض بفارق كبير بحصوله على 169 مقعد.

وأظهرت النتائج تصويت عدد من المناطق للحزب في البرلمانيات رغم إعطاء أصواتها للمعارضة في الرئاسيات، ويقول مدير معهد إسطنبول للفكر الدكتور بكير أتاجان، إن المواطنين الأتراك يرون في العدالة والتنمية أنه قادر على حل الأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

وذهب أتاجان في حديث لموقع الجزيرة مباشر، إلى أن العدالة والتنمية قادر أيضا على حل أزمات المكون الكردي في تركيا، إذ منحه عددا من الحقوق الثقافية والاجتماعية.

وشكل الحزب، الحكومة بمفرده بعد أول انتخابات عامة يخوضها خلال مسيرته السياسية، وأتبع ذلك بفوزه في الانتخابات المحلية عام 2004 بنسبة 41.7%، وهكذا فاز برئاسة 1950 بلدية في عموم البلاد.

ويرى مدير معهد “فكر” أن الحزب تمكن طوال هذه السنوات من إيجاد كوادر راكمت ثقة بمواجهة تحديات الشعب التركي.

احتفالات في هولندا وسويسرا والسويد بتقدم الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية (الأناضول )

التحرر من القيود

وفي دراسة، يقول دكتور علم الاجتماع والاقتصاد والوزير السابق من العدالة والتنمية، وداد بيلغينن، إن جذور التحزب تمتد في تاريخ السياسة التركية إلى حقبة الدولة العثمانية، لكن سياسات التغيير التي يتبعها حزب العدالة والتنمية تتبلور في عدد من مجالات.

ويمضي إلى ذكرها بالقول: “أولها تحوّل الدولة الديمقراطي، وتخليص الدولة من هيمنة المثقفين البروقراطيين والعسكريين، وانفتاحها على الشعب، وتعزيز مفهوم الشرعية التي تستند إلى إرادة الشعب، وتغيير البنى المؤسساتية التي تتغذى على الانقلابات والتدخلات، وبرنامج التغيير للخروج من النظام البرلماني الذي أصبح تطبيقًا شكليًّا للتقليد العسكري بواسطة تغيير نظام الحكومة”.

ويفيد الوزير السابق، بأن التغيير الثاني “حصل في العلاقات بين تركيا والنظام العالمي، فعلاقات التبعية القائمة مع النظام الغربي تستند إلى فهم سياسي يمتد من السياسة الخارجية إلى الاقتصاد، ومنه إلى النخبة الحاكمة”، ويضيف “تحولت العلاقات المبنية مع مؤسسات النظام الغربي، مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الدولي من علاقات التبعية إلى علاقات متبادلة، ولوحظ هذا التغير بشكل أوضح بعد تاريخ 15 يوليو/ تموز 2016 الذي شهد محاولة انقلابية تمثل مركز التدخلات العسكرية التي عاشتها تركيا في تاريخها”.

ويرى المتخصص في علم الاجتماع السياسي أحمد أويصال، أن الحزب قد يحافظ على القوة نفسها بعد السنوات الخمس المقبلة، بعد أن أصبح هامش حريته أوسع بالقضاء على الوصايات العسكرية والغربية والاقتصادية، ويمكنه أن يحافظ على مكانته القيادية بتحقيق نجاحات داخلية وخارجية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال كلمته أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية في مقر البرلمان (وكالة الأناضول)
المصدر : الجزيرة مباشر