“آلات لضخ المال”.. كيف يضر الآباء أطفالهم بجعلهم صانعي محتوى على التواصل الاجتماعي؟

(غيتي - أرشيفية)

ريتان وكنان وماجد من السعودية ورانيا وجيهان من المغرب وعبد الرحمن من مصر، كلهم أطفال حوّلهم آباؤهم إلى محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر قنوات أو حسابات يتوارى فيها الأب والأم خلف “الكاميرا”، ويُسلّط العدسة على الطفل.

يُدفع الصغار من الأب أو الأم إلى ترديد بعض الكلمات التي قد تُضحك المتابعين، أو إلى القيام بحركات قد تُعرّضهم للتنمر، وأخرى يفعلها أي طفل لكنها تجمع الإعجابات والمتابعات.

تُقنن مواقع التواصل الاجتماعي بضغط قانوني استخدام الأطفال للمنصات أو وجودهم عليها قبل أن يبلغوا سنًّا معينة، لكن لا تخص هذه القوانين طالما وجدوا مع ذويهم على المنصات.

في عام 2021 حذفت منصة “تيك توك” ما يزيد عن 7 ملايين حساب لعدم بلوغ أصحابها للسن القانونية لاستخدام المنصة، فيما كشفت هيئة تنظيم وسائل الإعلام في بريطانيا، في مارس/آذار الماضي أن وجود الأطفال من 3 سنوات إلى 17 سنة على “تيك توك” و”سناب شات” في تزايد.

(رويترز)

“جشع التقدير”

وترى مستشارة التربية أمل زكريا، أن السماح للطفل بصناعة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يعزز عنده “جشع التقدير”، موضحة أنه يصبح يمتد قيمته من عدد المشاهدات أو الإعجابات، وينتظر تشجيعًا على كل ما يقوم به.

أشارت أمل زكريا لموقع الجزيرة مباشر، أن الآباء يربون عند أطفالهم بذلك قيمة خاطئة عن أنفسهم، منبّهة إلى بعض النماذج التي تدفع أطفالها إلى القيام بتصرفات تُشعرهم بالخزي من أنفسهم بعد الكِبر.

ترى مستشارة التربية أن هؤلاء الآباء يحوّلون أطفالهم لـ”آلات لضخ المال”، ويحولون حياتهم إلى محتوى أمام “الكاميرا” دون مراعاة خصوصيتهم، وهو ما يضخم عند الطفل حب الذات والظهور.

حذّرت المتخصصة في التربية الإيجابية من دفع الأطفال لإنتاج محتوى مبتذل على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تجد مانعًا من صنعهم لمحتوى ينمي مهارة عندهم قد تفيد باقي الأطفال، لكن مع تقنين ذلك.

انتهاك خصوصية الأطفال هي التهمة التي واجهتها صانعة المحتوى المصرية هبة السيد من متابعيها الذين طالبوا بمتابعتها قضائيًا عندما أجبرت أطفالها على الكشف أمام “الكاميرا” عن “وضع خليع” قالت إنها وجدتهم عليه.

مواقع التواصل الاجتماعي (غيتي)

عرضة للتنمر

اعتقلت السلطات المصرية المدونة وحُكم عليها بالسجن بتهمة الاتجار بالبشر، وأما في المغرب فترتفع الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي للحد من استخدام الأطفال على المنصات.

تنحدر الطفلتان رانيا وجيهان من أسرتين من الطبقات الهشة، وتدعي والدتهما أنهما تحاولان الترفيه عنهما بإدخالهما إلى عالم الـ”سوشيال ميديا”، فيما تدفعانهما إلى ترديد كلمات وتصرفات تُظهر بالفعل تأخرًا في نموهما الذهني، لكن تعرضانهما لكم هائل من التنمر، فيما تردد الطفلتان في آخر كل “فيديو”: “اضغطوا لايك وإكسبلور”.

المعالج النفسي المتخصص في العلاج السلوكي الجدلي، الدكتور عبد الرحيم الريفي، قال إن التوتر والشعور بالضغط من الآثار السلبية التي قد يشعر بها الطفل صانع المحتوى، وإن اختلف الأخير بين إعلانات أو كونه جزءًا من عائلة تصنع المحتوى.

وقال الدكتور الريفي لموقع الجزيرة مباشر، إن تعريض الطفل لعدسات “الكاميرا” باستمرار يُفقده السلام والحماية وقد يعرضه للتنمر والتهديد، وقد يشكلون هم أيضًا تأثيرًا سلبيًا في أقرانهم.

وأفاد المعالج النفسي أن الصحة العقلية لهؤلاء الأطفال تكون معرضة للخطر، وأنهم عرضة للاكتئاب والقلق، كما حذّر من فقدان خصوصيته وإضعاف تمكينه من الانخراط في الأنشطة الطفولية الطبيعية، وأن يعيش سنّه وطفولته ويعرضهم للعزلة.

“تيك توك” تفرض قيودًا إضافية على مستخدميها من المراهقين (غيتي)

فقدان الهوية

أشار الدكتور أن تشكّل الهوية عند الشخص واحترام الذات يكون في الطفولة قبل 18 سنة، والإجابة عن سؤال حقيقة الأنا “من أنا؟”، وتابع “ظهوره على السوشيال ميديا يُؤثر على تطوير الهوية الذاتية الخاصة بالطفل”، وذهب إلى أن تأخر النمو أيضًا من أحد الأضرار.

ولفت المعالج إلى أن تحول هؤلاء الأطفال إلى سن البلوغ يُحدث لهم أزمة إذ يُفقدهم المهمة التي أُنيطت بهم، ويجعلهم غير قادرين على استيعاب الرجوع إلى الحياة الطبيعية.

ذكر المتحدث للجزيرة مباشر أن الأبوين بذلك يستغلون أطفالهم بشكل واضح وصريح من الناحية المالية.

واستشهد المعالج بمقولة شهيرة في علم النفس للشاعر ويليام وردزورث، التي قال فيها إن “الطفل والِد الرجل”، موضحًا أن تجارب الطفولة لها تأثير في سلوك البالغين وشخصياتهم في المستقبل، مشددًا على ضرورة حرص الآباء على مرحلة الطفولة المبكرة لأبنائهم، التي تُشكّل شخصية الفرد بعد البلوغ وتحدد مفهومه عن نفسه وعن الحياة.

مع تفشي الظاهرة يطالب متخصصون بسن قوانين ضابطة لاستخدام الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي لدرّ المال على الآباء، معتبرين أنه نوع من الاتجار بالبشر.

المصدر : الجزيرة مباشر