انتخابات الصحفيين ما بين الحريات والفتات

الصحفيون المصريون على سلالم نقابتهم تنديدا باقتحام الشرطة لها في عام2017

ما أن تناقلت وسائل الإعلام خبر بدء انتخابات الصحفيين حتي عاد فضول الاهتمام القديم بالشأن النقابي إلى الظهور لديّ، وفي تواصل مع أحد الصحفيين سألته عن محور التنافس الانتخابي وبرامج المرشحين، فأخبرني أنه “بدل التكنولوجيا”، وهو بدل يُصرف لنقابة الصحفيين من وزارة المالية التي تقوم بتحصيله، وفي زمن مضى كان للصحفيين متحصلات عن طريق وزارة المالية تسمي دمغة الصحفيين، وظلت المبالغ تتراكم لديها، ووصل الصحفيون من خلال نقابتهم إلى تسوية تقوم من خلالها وزارة المالية بصرف “بدل التكنولوجيا ” عوضا لهم عن متأخرات بدل الصحفيين إلا أن الأخيرة ظلت تستخدم هذا البدل جزرة للسلطة، فتمنعه أو تمنحه وفق رضاها أو غضبها من مجلس النقابة بل والنقيب تحديدا، وبالتدريج بات ذلك تقليدا مصاحبا وسؤالا يطرحه الصحفيون (مَن بين المرشحين سيحصل لنا على البدل المتأخر لدي الحكومة؟) وكان هذا السؤال عنصرا مؤثرا لكنه ليس الوحيد للتأثير في اتجاه التصويت، بما رجّح فوز مرشح الحكومة في جولات عدة على مرشحي تيار الاستقلال.

وفي فترة صعود الثورة، وحين كان ممدوح الولي نقيب الصحفيين، كانت أروقة المحاكم تنظر قضية مفادها أن دفع هذا البدل التزام ثابت من الدولة وليس منحة منها للصحفيين، وحصل الصحفيون على هذا الحكم بالفعل.

وهو ما يُفترض معه أن يخرج من حلبة المساومات عليه من قِبل السلطة إلا أن السلطات التي لا تحترم دساتير ولا قوانين من الطبيعي ألا تحترم أحكام القضاء، فاستمرت المساومات للصحفيين على حقهم في هذا البدل مقابل اختيارهم نقيبا ومجلسا ترضى عنه السلطات.

في الانتخابات الأخيرة ومع قرب غلق باب الترشح، كاد مرشح الحكومة ألا يجد مرشحا قويا أمامه فكادت المعركة أن تكون شبه محسومة على الوجه الذي لا يجعل السلطات مضطرة إلى أن تقدّم للصحفيين هذا البدل، فتنادى ناشطو العمل النقابي الصحفي للبحث عن شخصية تستطيع خوض معركة تضطر معها الحكومة إلى الوفاء بسداد التزامها ببدل التكنولوجيا، فكان ترشح الصحفي خالد البلشي.

معقل الحريات

وأنا أسمع وأتابع كل ما سبق، استرجعت صورة النقابة التي كانت معقلا للحريات والتي كانت في وقت سابق حتى وهي على رأسها نقيب حكومي (إبراهيم نافع) على رأس أولوياتها إلغاء قانون حبس الصحفيين، وفي ذلك الزمن كان الصحفيون المحبوسون يُعدون على أصابع اليد الواحدة إلا أن أحدهم (مجدي حسين) يترشح ويحصل على مئات الأصوات في رسالة احتجاج ورفض، أما الآن ورغم وصول عدد الصحفيين المحبوسين إلي 47 صحفيا وإدراج 5 آخرين على “قوائم الإرهاب” نتيجة ممارستهم مهام عملهم الصحفي والإعلامي، فقد أصبحت مصر إحدى أسوأ الدول من حيث حرية الصحافة، وعلى الرغم أيضا من (وصول عدد المواقع المحجوبة إلى 116 موقعا صحفيا وإعلاميا، و349 موقعا يقدّم خدمات تجاوز حجب المواقع Proxy وVPN، و15 موقعا يتناول قضايا حقوق الإنسان، و11 موقعا ثقافيا، و17 موقعا يقدّم أدوات للتواصل والدردشة، و27 موقعا للنقد السياسي، و8 مدونات ومواقع استضافة مدونات، و12 موقعا لمشاركة الوسائط المتعددة، بالإضافة إلى عدد آخر من المواقع المتنوعة، حسب المنظمات) وفقا لموقع “عربي 21” حتى أبريل/نيسان 2022. هذا الحجم من الانتهاكات للحريات العامة وللحق في التعبير عن الرأي لم تجعل نقيب الصحفيين الحالي يجد حرجا وهو يشارك السلطات في مسرحية مملة تحت عنوان “الحوار الوطني”.

لكن الأكثر غرابة وإثارة للدهشة أنه رغم كل ذلك، فإن قضية الحريات ليست القضية الأبرز حضورا حتى الآن في انتخابات الصحفيين.

فرص العمل

وبمنطق المصالح، أقول للجمعية العمومية للصحفيين: إن رفع الحجب عن كل هذا العدد يزيد من فرص العمل لديكم، وبالتالي يترتب عليه تحسين الدخل فضلا عن أن طبيعة مهنة الصحافة لا يُتصور لها أن تزدهر في جو من غياب الحريات الصحفية بل والحريات العامة. ولتأكيد ذلك، أذكر ما دار بيني وبين صديق صحفي استقصائي عرضت عليه فكرة مشروع ليعمل عليه، فقال لي “مساحة الحريات لا تسمح بهذا العمل” الذي كان يقوم على استقصاء تداول أطعمة منتهية الصلاحية نتيجة قرار الحكومة السماح بالإفراج عن أغذية لم يتبق على انتهاء صلاحيتها إلا شهر واحد بعدما تأخر الإفراج عن البضائع من الموانئ علي خلفية أزمة الدولار.

يا أيها الصحفيون، يا عباد الله، إن الحرية قبل الخبز أحيانا، وهي في حقكم أوجب، وإني لحزين أن تتحول قلعة الحريات إلى البحث عن الفتات.