هل آن الأوان لتحرير الحرية؟

معتز مطر

 

نعم ليس هناك خطأ مطبعي في السؤال، فهل حقا آن الأوان لتحرير الحرية تلك الغريزة التي خلقها الله في جميع مخلوقاته، فنجد أن الحيوانات والطيور تكافح كي لا تقع في الأسر، ومنها من يموت كمدا إذا أُسر مثل الصقور التي تنفجر قلوبها من الحزن عند أسرها.

أما الحرية لدى الانسان فنجدها قد أصبحت مختلفة، فلم تظل على حالتها من النقاء، وقد بدأ تلويثها وإخفاء بريقها لأول مرة هناك في الجنة، عندما أغوى إبليس آدم بأن حريته مطلقة بلا قيد، ومن حقه أن يأكل من الشجرة الوحيدة التي أُمر بالابتعاد عنها، فكان عقابه وعقابنا الهبوط إلى الأرض، ومن وقتها يتفنن إبليس وأعوانه في تشويه غريزة الحرية، فمنهم من يرى أنها التحرر من كل القيود دينية ومجتمعية وأخلاقية، ومنهم من يرى أنها الخضوع التام لرأي الطواغيت وحكمهم، فكلما كنت عبدا مطيعا كنت حرا.

أصبحت الحرية -تلك الماسة النقية بداخلنا في زماننا هذا- سلعة يتاجر بها أصحاب النفوذ والمال والسلطة، سلبونا ماستنا الحقيقية، ووضعوا مكانها ماسات مزيفة بإتقان، ولكنها في النهاية بلا قيمة.

وهكذا، باسم الحرية المزيفة شُنت حروب، باسم الحرية هُدمت دول، ورُوّج للفجور وتعرت النساء، باسم الحرية تحكمت القوى العظمى في مصائر شعوب وحرموهم من ثرواتهم، بل وجعلوهم لاجئين في بلاد الله من أجل كسرة الخبز، باسم الحرية أغلِق فم كل من نادى أو حلم بها.

مسكينة تلك الحرية المأسورة، ومجرمة حريتهم تلك التي ابتدعوها.

لذا، يجب أن نسرع في تحرير الحرية، ولكي نحررها لا بد لنا من امتلاك أهم أدواتها، وهو الإعلام.

إعلام غوبلز

الإعلام ليس وسيلة مستحدثة كما يظن البعض، فقد كان الشعر قديما هو الوسيلة الإعلامية، ثم انتقلنا إلى الإعلام المكتوب (الصحف) الذي تطور وصار مسموعا (الراديو) ثم كانت النقلة الهائلة التلفزيون، ذلك الساحر الذي سطا على عقول البشر، وجعلهم أداة طيّعة في يد كل من يمتلكه، خاصة ديكتاتوريي العالم (إعلام غوبلز).

ثم حلّقت الفضائيات فخبا نجم القنوات الأرضية والحكومية، ولكن ما فعلته الفضائيات كان الأكثر تأثيرا، فلم تكتفِ بالترويج لسياسات الحكام كسابقاتها، بل استطاعت تغيير المعتقدات وتشويهها.

ولأن دوام الحال من المحال، كان لا بد من ظهور وسيلة إعلام أخرى وعصر جديد، وكان الربيع العربي أول مستخدم حقيقي لها (السوشيال ميديا) وعصر الإنترنت الذي أوصل إلى العالم حقيقة ما يحدث على الأرض فاضحا الإعلام المُسيَّس، الذي تخلّى عن وظيفته الأساسية، بل على العكس أصبح فوهة بندقية يتم بها إعدام الشعب وإهدار حقوقه، كما أصبح سلاحا بيد مدّعي المبادئ الباحثين عن الشهرة والمال.

فكانت الثورة التكنولوجية التي حررت المواطن من السلطة الرابعة الحكومية، ليصبح هو صاحب السلطة، وتبدأ مرحلة (المواطن الصحفي) الذي أصبح الظاهرة الأقوى والأكثر انتشارا ومصداقية، فعن طريق “فيديوهات” بسيطة وبتكلفة تكاد تكون معدومة يصوّرها هواة بكاميرا الهاتف ويرفعونها على الإنترنت، تصبح داخل الحدث “لايف” دون زيف، وتنقل الحقيقة من أرض الواقع إلى الناس بضغطة زر واحدة.

وبسرعة غريبة تحوّل إعلام المواطن الصحفي إلى إعلام مُوازٍ للإعلام التقليدي، بل إنه أصبح الأكثر انتشارا وتصديقا والأقوى، تلك القوة التي اكتسبها من هؤلاء المهمشين في المجتمع الذين لم يسمع بهم أحد من قبل.

فجّرت تلك المنصات مواهب وطاقات عاشت سنين مدفونة ومقموعة، وأفضل مثال لهذا المواطن الصحفي.

حالة إعلامية فريدة

عبد الله الشريف شاعر وكوميديان وصانع محتوى، له لغة خطاب خاصة به، الذي -بدوره- شجع الكثيرين من الشبان المهمشين على صناعة “فيديوهات” توثق لأحداث ومواقف تحدث على الأرض، مما جعل من تلك المادة وسيلة ضغط على حكومة الانقلاب من أجل الإفراج عن بعض المعتقلين.

عبد الله الشريف وغيره، مثل أحمد البحيري وعطوة كنانة (تامر جمال) و”جو تيوب” وظرفاء الغلابة، صنعوا حالة إعلامية فريدة أصبح لها متابعون بالملايين ينتظرونهم بشغف.

وانضم أخيرا إلى تلك القافلة، الإعلامي البارز معتز مطر، الذي اختفى فترة بسبب تسييس قنوات المعارضة في الخارج، وخاصة بعد التقارب المصري التركي الذي ضغط فيه النظام لإخراس الأصوات التي تناهضه، فلم يكن أمام إعلاميي تلك القنوات سوى فرد أجنحة الحرية في فضاء الإعلام البديل.

وأيضا تم إعادة بث قناة (مكملين) من خارج تركيا، وعاد إلى الظهور مرة أخرى بعد غياب لمدة طويلة من الحجب الإجباري، الإعلامي محمد ناصر، صاحب الكاريزما والثقافة التي جعلت له متابعين ومحبين كثيرين، فمن يتابع أسلوبه يعلم أن الرجل ثوري خارج نطاق التصنيف، فهو شاعر و”سيناريست”، وذلك أتاح له أن يكون قريبا من كل الأيديولوجيات، ولكن هل سيكتفي ناصر بالظهور على شاشة مكملين أم سيجذبه فضاء الإنترنت ويحلق هو الآخر دون قيود داخله؟

ربما نكون الآن حقّا على مشارف تحرير الحرية، بعد إطلاق إيلون ماسك آلاف الأقمار الصناعية، ليصبح الإنترنت عبر الفضاء بلا رقابة ولا قيود حكومية أو رأسمالية.

ربما قريبا سيزداد ذلك الفضاء قوة وحرية إذا تمت صفقة بيع تويتر للملياردير مجنون التمرد على القيود إيلون ماسك، الذي يحلم بإطلاق العصفور الأزرق من قفصه، ليكون أكبر منصة تنطلق من خلالها الطيور العاشقة للحرية.