كيف ستتعامل طالبان مع زراعة الأفيون؟

فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة زراعة الأفيون في أفغانستان

يشير الخبراء إلى أن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان لا يقتصر فقط على تراجعها في مواجهة حركة طالبان، ولكن التدخل الذي دام أكثر من 20 عامًا لم ينجح أيضًا في تفكيك اقتصاد الأفيون في البلاد.

ومن الغارات الجوية على مختبرات صنع المخدرات إلى تحفيز زراعة القمح، ونشر الموارد لكسر الكارتلات المحلية، انتهى الأمر بواشنطن إلى إنفاق مبلغ ضخم قدره 8.6 مليار دولار لخنق تجارة الأفيون، كما يقدر في تقرير المفتش العام الأمريكي الخاص لأفغانستان (SIGAR) لعام 2018.

وبيد أن النتيجة النهائية هي أنه بعيدا عن الحد من زراعة الخشخاش، فقد ازدادت عدة مرات في العقدين الماضيين في البلد.

ثلاثة أضعاف مساحة نيويورك

والولايات المتحدة لديها أبل، مايكروسوفت، وتسلا، بينما أفغانستان لديها صناعة الأفيون. وأفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) أنه في عام 2017، بلغ إنتاج الأفيون 9900 طن بقيمة 1.4 مليار دولار من مبيعات المزارعين، أو ما يقرب من 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان، والذي ارتفع إلى 11.5٪ في عام 2019.

وفي العام نفسه، قُدر الدخل الإجمالي الناتج عن الاستهلاك المحلي، والإنتاج، والصادرات من المواد الأفيونية في أفغانستان بما يتراوح بين 1.2 و 2.1 مليار دولار.

وتزداد قيمة الغرام الواحد من المواد الأفيونية المنتجة في أفغانستان بعد كل معبر حدودي وتقدر بعشرة أضعاف عندما تصل إلى الأسواق الأوربية.

ووفقًا لمسح الأفيون في أفغانستان 2020، بلغ إجمالي المساحة المزروعة بخشخاش الأفيون في أفغانستان حوالي 224 ألف هكتار في عام 2020، بزيادة قدرها 37 في المئة أو 61 ألف هكتار مقارنة بعام 2019.

وعلى سبيل المقارنة، أصبحت المناطق المزروعة بالخشخاش في عام 2020 تعادل حوالي ثلاثة أضعاف مساحة مدينة نيويورك، التي تزيد على 78000 هكتار. وعزا مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الارتفاع السنوي السريع في إنتاج الأفيون إلى عوامل متعددة منها عدم الاستقرار السياسي، وغياب فرص العمل البديلة، والافتقار إلى التوصيلية التي تقيد الوصول إلى الأسواق الحضرية.

طالبان والأفيون

ومن الناحية التاريخية، بعد وصولها إلى السلطة، حظرت طالبان الأفيون في يوليو 2000 وأدى ذلك إلى انخفاض في الإمداد العالمي، ومع ذلك، فقد ارتد مرة أخرى بعد فترة وجيزة في عام 2002 وكان في اتجاه متزايد منذ ذلك الحين. وفي السنوات اللاحقة، تمت زراعة معظم نبات الخشخاش في مقاطعة هلمند، حيث يستمر الأفيون في الازدهار حتى يومنا هذا.

واعتبارًا من عام 2020، تساهم ولاية هلمند بنسبة 62 بالمئة من مساحة الهكتار لإنتاج الأفيون.

ويعتبر قطاع الخشخاش عملاً مربحًا للغاية ومن المتوقع أن ينمو أكثر من حيث القيمة في السنوات القادمة، وذلك أساسًا لأنه لا يزال هناك القليل من الصناعة القادرة على توفير سبل العيش والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على هذا النطاق الواسع أو لا توجد على الإطلاق.

والمنطق الرئيسي وراء النمو المتوقع لزراعة الخشخاش هو عدد السكان الكبير في البلاد، خاصة في المناطق الريفية، التي تعتمد اعتماداً كبيراً، مباشراً وغير مباشر على الأفيون. وفي المناطق الريفية، أفاد حوالي 35 في المئة من جميع رؤساء القرى أن بعض القرويين زرعوا خشخاش الأفيون في عام 2019.

وبعض المصادر البديلة للنمو الاقتصادي، مثل تمويل المانحين والمساعدات الخارجية ليست مستدامة، في حين أن القطاعات الاقتصادية الأخرى التي لديها القدرة على مضاهاة القيمة المضافة لصناعة الأفيون لم يتم تطويرها بعد.  وأحد هذه القطاعات هو صناعة التعدين في أفغانستان.

ويمتد طول واتساع تجارة الأفيون في أفغانستان إلى الأسواق الإقليمية مثل: باكستان وإيران وطاجيكستان والهند وتركيا وأوزبكستان، مما يشكل “الهلال الذهبي”.

وطالبان أو غير طالبان، لا يمكنها الاستهانة باعتماد المواطنين الأفغان العاديين على زراعة الأفيون. وما لم يكن البديل الأفضل التالي للأفيون من حيث القدرة على استيعاب الأفغان يتم استثماره وتطويره من قبل الدول الإقليمية والمنظمات الدولية.

لماذا؟

والسؤال هو، لماذا لا تحظر حكومة طالبان صراحة زراعة الأفيون؟ وحاليًا، تم تجميد 9.5 مليارات دولار من الحكومة الأفغانية في البنوك الأمريكية. وفي الوقت نفسه، أعلن الاتحاد الأوربي أنه لن يقدم مساعدة مباشرة للحكومة الأفغانية. كما جعلت دول غربية أخرى مساعداتها للحكومة الأفغانية مشروطة بشروطها.

والوضع الأخير هو أن بعض مناطق أفغانستان أصبحت بالفعل تحت سيطرة البرد القارس. والناس ليس لديهم ما يأكلونه، بينما تخشى الأمم المتحدة من أنه إذا لم يتم تسليم المساعدات في الوقت المناسب، فقد يؤدي ذلك إلى مجاعة واسعة النطاق. ووفقا للأمم المتحدة، يتوقع على نطاق واسع وفاة الأطفال بسبب سوء التغذية. كيف يمكن لطالبان أن تحظر زراعة الخشخاش في كل البلاد في هذه الظروف العصيبة؟ وكأنهم يتعرضون للخنق من جميع الجهات ويطلب منهم منع زراعة الأفيون.

وإذا رفعت العقوبات الاقتصادية الدولية عن الحكومة الأفغانية وأتيحت لها الفرصة للعمل، فسيكون من الممكن لها اتخاذ خطوة في الاتجاه الصحيح وتقديم خيارات زراعية بديلة للمزارعين الأفغان.

ولا شك في أن الحكومة الأفغانية الحالية لا تعتبر زراعة الخشخاش حلالًا إلا للأغراض الطبية. هل ينبغي اتخاذ إجراءات اقتصادية أمريكية وأوربية لتعني أنهم يريدون تضييق نطاق حركة طالبان والإطاحة بحكومتهم على أية حال؟