خطة الضمْ وصفقة قرن أحادية الجانبْ

"صفقة القرن" تحتوي على مخالفات جسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني

البداية كانت في 20 يناير 2017 باعتلاء دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية ليكون الرئيس الخامس و الأربعين لها ، حيث اعترف ترامب  بيهودية الدولة، و من ثم اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، و صدق على قرار نقل سفارته لها.
 ثم اعترف بضم الجولان لإسرائيل، وذلك ضمن سلسلة إجراءات  تبني صفقة القرن التي كانت تهدف لتصفية القضية، و أخيرا  أقر خطة ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل.

لم تكن إسرائيل تحلم يوما أن يأتي رئيس أمريكي يطيعها طاعة عمياء كدونالد ترامب،  ذلك المارد الذي خرج من القمقم(المصباح السحري) لإسرائيل ليحقق لها كل أمانيها.
 بل إن مارد المصباح كان يحدد ثلاث أماني لسيده، أما ترامب فحقق أماني سيدته إسرائيل مجتمعة و التي طالما حلمت بها منذ انشائها في عام 1948.

و لنعد  قليلا قبل عامين تقريبا، عندما بدأ ترامب و نتنياهو بالترويج لصفقة القرن ثم عكفا على تنفيذها في منتصف العام الماضي.
تلك الصفقة لاقت ترحيبا من بعض الدول العربية،  والبعض الأخر ألتزم الصمت، و منهم من رفضها و بشدة.

 لكن على الصعيد الفلسطيني كان الرفض هو موقف كل المنظمات و الفصائل و القوى و الحركات الوطنية و الإسلامية سواء في الداخل او الخارج، و كان موقف الرفض هو أول موقف يجتمع كل أولئك منذ 16 عاما تقريبا بعد سنين عجاف من الانقسام و الفرقة و الخصام.

رفض الفلسطينيون و بمقدمتهم الرئيس محمود عباس، المضي قدما بها، مما وضع من تبني هذه الصفقة في مأزق، فلا يمكن أن تتم صفقة بكل هذه الشروط و المراحل و التفاصيل دون وجود شريك فلسطيني، يتبناها معهم و يروج لها داخليا كي تلقى قبولا و تطبق بكامل حذافيرها دون أي مشاكل أو اعتراضات قد تؤجل تنفيذ أحدى خطواتها.

إسرائيل التي عودتنا في سياستها على فرض الأمر الواقع، وبكل دهاء و مكر و خبث بدأت تبحث في تنفيذ ما يخصها و يهمها و يحقق مصالحها و أهدافها من صفقة القرن ، دون الحاجة لوجود شريك فلسطيني.

و لا أريد أن أخوض في الصفقة كثيرا و لا في تفاصيلها فقد اشبعت طرحا و نفاشا مما جعلها و تفاصيلها معروفة للجميع،فشلت الصفقة و بضاعة ترامب و نتنياهو الكاسدة لم تلقى رواجا فردت إليهم.

و ألقيت في وجوههم، فشلت  لعدم وجود الشريك الفلسطيني، هذا من جانب، و لانها – كسابقاتها من الاتفاقيات التي حاول الرؤساء الامريكان فرضها على الفلسطينيين، ككامب ديفيد في ال 2000 – كانت تمس جانبا عقائديا لدى المسلمين و هو ما يتعلق بالقدس و المسجد الاقصى بالذات، و هذا هو الجانب الاخر، و هو جانب حساس جدا للفلسطينيين و العرب و المسلمين كافة لا يمكن التهاون فيه.

إسرائيل التي عودتنا في سياستها على فرض الأمر الواقع، و كعادتها ممثلة بنتنياهو، وبكل دهاء و مكر و خبث بدأت تبحث في تنفيذ ما يخصها و يهمها و يحقق مصالحها و أهدافها من صفقة القرن ، دون الحاجة لوجود شريك فلسطيني.
 و هذا يحقق مصالحها من جانب، و يجعلها تتملص من التزاماتها كعادتها من جانب اخر، فعكفت على تبني ما يعرف بخطة الضم، التي سمحت الولايات المتحدة بتمريرها، بينما لاقت رفضا دوليا و عربيا و بالطبع فلسطينيا.
 و هذا ما اعتبره البعض انتهاكا صارخا لكل المواثيق و المعاهدات و القوانين الدولية و الأممية.

 كان موقف ملك الأردن منها أحد أقوى المواقف و أكثرها إيجابية، حين صرح بأن إسرائيل بتعاطيها مع خطة الضم تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع الأردن.

هذا يعود بنا 15 عاما تقريبا للوراء، و بالتحديد في 2005 عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ارييل شارون أن ينفذ خطة الفصل الأحادي الجانب عن قطاع غزة، و كأن التاريخ يعيد نفسه، و كأن إسرائيل تقول حتى و لو لم أجد شريكا، سأنفذ كل ما يدور في رأسي و يحقق مصلحتي و يمحي و يطمس و يصفي القضية الفلسطينية.

خطة الضم مع كل ما دار و يدور حولها من جدل و حول تنفيذها، إلا أن التفاصيل المعروفة عنها قليلة ، حيث أخفت الحكومة الإسرائيلية كافة تفاصيل الخطة و جعلتها طي الكتمان و لم تنشر ألا القليل  منها، و هي نيتها ضم 30٪ من مساحة الضفة الغربية ممثلة بأجزاء من غور الأردن و كبرى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة و موعد تنفيذ الخطة و هو بداية يوليو 2020.

أما أهداف الخطة فهي تتمثل في تصفية القضية الفلسطينية، و نسف ما يسمى بحل الدولتين، تأمين حدود إسرائيل من الناحية الشرقية، فرض الهيمنة الإسرائيلية على جزء كبير من أراضي و موارد الضفة الغربية، مما يجعل ما تبقى من الضفة مجموعة من الكانتونات المنفصل و التي لا يمكن أن تصلح في يوما من الأيام أن تكون دولة.

التفاصيل و الشواهد؛  تقودنا الي حقيقة واحدة مفادها أن خطة الضم ما هي إلا صفقة قرن منزوعة الجانب الفلسطيني

كل هذه التفاصيل و الشواهد تقودنا الي حقيقة واحدة مفادها أن خطة الضم ما هي إلا صفقة قرن منزوعة الجانب الفلسطيني، أو ما يسمى بالعرف الإسرائيلي بخطة احادية الجانب، بحيث تعكف إسرائيل على تنفيذ ما يخصها من صفقة القرن متجاهلة للجانب الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقات الموقعة بينها و بينهم، و متحدية كل القرارات الدولية بهذا الشأن و في مقدمتها قرارات مجلس الامن و الأمم المتحدة.

بإعلان اسرائيل نيتها تنفيذ الخطة، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب متلفز وجهه للفلسطينيين، إلغائه لكل الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، و انه في حل منها جميعا، معلنا وقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي و الذي طالما كان أحد القضايا المثيرة للجدل داخليا للفلسطينيين. هذه الخطوة انذرت باحتمال قيام أعمال عنف في المنطقة قد تتسع دائرتها و يجعل امر السيطرة عليها صعبا جدا أن لم يكن أمراً مستحيلا.

 

 

خطة الضم كانت ستنفذ قبل شهر من الآن؛ بالرغم من كل المناشدات و النداءات التي طالبت من إسرائيل و أمريكا بالعدول عنها.

صفقة القرن" تحتوي على مخالفات جسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني

و الآن و نحن في نهاية الشهر لم يتم الإعلان عن أي خطوة إسرائيلية بخصوصها، و هذا فتح الباب لتساؤلات كثيرة أهمها ما الذي جعل إسرائيل تعدل عن رأيها أو حتى أن تؤجل تنفيذ خطة بهذه الأهمية لإسرائيل؟ هل بخطوة عباس بإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل دور؟ أم أن تهديد ملك الأردن أتى بفائدة؟

أم موقف الإتحاد الأوروبي جعل إسرائيل تراجع نفسها؟ أم أن هناك ضغوط  مورست على ترامب لثني نتنياهو من المضي قدما في تنفيذ الخطة؟ و اخيرا و هو أهم تساؤل ما هو ذلك الأثر الخفي الذي كان سيحدث لو نفذت إسرائيل خطتها فجعلها تراجع نفسها و تعدل عنها؟

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها