الجاهزية.. طريق النجاح الاستراتيجي

هاتف نوكيا الجديد لقي اهتماما واسعا
هاتف نوكيا الجديد لقي اهتماما واسعا

الأقرب لتحقيق نجاحات في التعامل مع فيروس كورونا، أو في محاولات إيجاد علاج أو لقاح له، لدى من كان لهم إعداد مسبق، أهلهم للقيام بذلك الآن.

يعتبر البعض ويؤمن بأهمية وجود استعداد معين عند الشروع في استراتيجية جديدة، وما يستتبع ذلك من تفكير استراتيجي، وخاصة هؤلاء الذين لديهم العقل الاستراتيجي، وكذلك التخطيط الاستراتيجي وما يتطلبه من التمتع بأدوات التحليل الاستراتيجي من عدمه.

ثم الشروع في عملية تخطيط مرتكزة على التنبؤ ومبادئه أو السيناريوهات وكيفية صياغتها بدقة، ثم دور الإدارة الاستراتيجية التي تشرف وتتابع عملية وضع وتنفيذ الخطط التشغيلية التي تستهدف بالدرجة الأولى تحقيق الاستراتيجية الموضوعة دون حيود أو إهدار.

وكل ذلك يتطلب استعدادا معينا لا يأتي فجأة بل يتم الإعداد له بشكل مستمر حتى أثناء الفترة الاستراتيجية السابقة تمهيداً لفترة جديدة لها متطلبات جديدة.

المثال الشهير الذي يتداوله المدربون الإداريون خصوصاً والناس عموماً وهو خروج شركة نوكيا الفنلندية العالمية الشهيرة من المنافسة في قطاع صناعة الهواتف المحمولة بعد أن كانت رائدة في هذا المجال ومهيمنة عليه.

وبغض النظر عن الأسباب الكثيرة لذلك فإن هناك سبباً هاماً، وهو عندما تطورت الأسواق والتكنولوجيا ونظم التشغيل وأنظمة الشاشات وجاءت لحظة أنطلاق جديدة وفارقة في الأسواق، لم يكن هذا العملاق مستعداً لتلك اللحظة في ذلك التوقيت.

تتطلب عمليات الإدارة الاستراتيجية التخطيط بشكل دائم ومستمر لامتلاك الجاهزية للمراحل المختلفة، وبشكل مسبق فتكون مدخلات العملية القادمة هي مخرجات العملية السابقة وعلى رأسها الجاهزية لتلك المرحلة الجديدة.

وبالتالي أفقده عدمُ الاستعداد  مصيره بالكامل، ليغيب تماماً عن المنافسة ويصعد نجمان آخران هما سامسونج الكورية الجنوبية، وأبل الأمريكية، اللتان امتلكتا الاستعداد للمرحلة الجديدة.

التي كان يتم العمل عليها في فترات سابقة لذلك، مع تنبؤ واستشراف رائعين، مكناهما من أمتلاك الأسواق والريادة وتحييد غير المستعد،مع ما كان لدى نوكيا من عقول وتكنولوجيا ومال ورصيد كبير في نفوس العملاء، ومساحات شاسعة في الأسواق على مستوى العالم إلى غير ذلك من الموارد ولكنها افتقدت الاستعداد للمرحلة الجديدة.

إذاً تتطلب عمليات الإدارة الاستراتيجية، التخطيط بشكل دائم ومستمر للاستعداد للمراحل المختلفة، وبشكل مسبق فتكون مدخلات العملية المقبلة هي مخرجات العملية السابقة وعلى رأسها الاستعداد لتلك المرحلة الجديدة.

بحيث يكون لدى المؤسسات المختلفة متخصصون ومحترفون لديهم القدرة على استقراء المراحل التالية بدقة كبيرة وإعداد موارد المؤسسة المالية والبشرية والفكرية وغيرهم، ليس فقط لتنفيذ الاستراتيجية الحالية وهو أمر غاية في الأهمية، ولكن لتلك المرحلة الجديدة والمقبلة كذلك، وليس المفاجأة بها، وبالتالي يمتلكها من أعد لها مسبقاً واستعد كذلك واستحق الريادة لأنه باختصار: الأكثر استعدادا لذلك.

هذا المفهوم ليس قاصراً فقط على مجالات الأعمال والاستثمار والاقتصاد ولكن تجده في جميع المجالات السياسية منها وغير ذلك.

فتجد مثلاً في ثورات الربيع العربي أن الشعوب التي كان لديها نسبة من الاستعداد لمرحلة الربيع العربي – وهي قليلة – على مستوى الكوادر ووضوح المشروع ولو نسبياً ووجود نسبة من الوعي والثقافة والتعليم …إلخ

استطاعت الاستمرار وتحقيق مِساحات من المكاسب بينما أخرى – وهي كثيرة – لم يكن لها  الاستعداد للمرحلة وتفاجأت بها فلم تُحدث تقدماً بينما تقدمت عليها الأنظمة السابقة لمرحلة الربيع لأنها من كان لها استعداد لتلك المرحلة الجديدة، وهكذا في المجالات المختلفة.

وتجد مثلاً عند التعامل مع جائحة كورونا (كوفيد-19) التي تضرب العالم حالياً، أن هناك من كانوا مسعدين في مجالات متعددة، وبالتالي يحققون ريادة، سواء كان ذلك في مجالات السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية وحتى في المجال الصحي.

فالأقرب لتحقيق نجاحات في التعامل مع المرض، أو في محاولات إيجاد علاج أو لقاح له، هم من كانوا مستعدين واعدوا  لها مسبقاً، مما أهلم للقيام بذلك الآن.

وتحقيق ريادة بينما يقبع كثيرون على قوائم الانتظار كتابعين، منتظرين ما ستُسفر عنه أفعال الرواد المستعدون.

وبالعودة إلى مثال شركة نوكيا، فهناك ملاحظة هامة وهي أنه ليس بالضرورة أن يتم اعتبار تحقيقك للأرباح أو للمكاسب في عام ما أو أكثر أن ذلك مؤشر على استمرار امتلاكك للمستقبل كذلك.

فإن لم تكن لديك القدرة على الاستعداد المستمر لمراحل مقبلة لها معطيات أخرى وربما تختلف كليةً عما لديك الآن، فسوف تظل قابعا في دائرة التهديد الذي قد يأتيك في أي لحظة ليوقف تمددك تماماً وربما يهدد بقاءك من الأساس.

بل إن هذا الأمر يُعتبر فرصة لغير الرواد في مرحلة ما، إذا استطاعوا التنبؤ بمعطيات مرحلة ما في المستقبل وقاموا بإعداد أنفسهم للمنافسة في هذه المرحلة القادمة،فربما يمكنهم ذلك من تحقيق ريادة مستقبلاً ليس لأنهم الأكبر ولكن لأنهم سيكونون الأكثر استعداداً لمرحلة استشرفوها مبكراً وأعدوا لها أدوات امتلاكها.

إذاً فعملية الاستعداد هي عملية مستمرة تصاحب الأفراد والمؤسسات طوال الوقت، ويجب أن يقوم عليها متخصصون محترفون في عمليات بناء القدرات والإمكانيات بأنواعها المختلفة.

مع القدرة الكاملة على التنبؤ والاستشراف للوقوف على احتياجات ربما لم تظهر للكثيرين حتى الآن بينما يراها هؤلاء المحترفون ليستعدوا لها لامتلاكها فور قدومها وليس البدء في الاستعداد عند حدوثهاً لأنه وحينها سيمتلكها من استعد لها مسبقاً وليس هذا المتفاجئ دائماً.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها