انتبه: إنه السؤال العاقر!

شيماء عمر

“لا تصدم رأسك في جدار الواقع المحتوم بِبَحث عن إجابات وتفسيرات تجْهَلُها، فقط انشغل بخطواتك في الطريق”. حكمة صادفتها مكتوبة على مبنى قديم في طريق عودتي من العمل.

“لا تصدم رأسك في جدار الواقع المحتوم بِبَحث عن إجابات وتفسيرات تجْهَلُها، فقط انشغل بخطواتك في الطريق”.
حكمة صادفتها مكتوبة على مبنى قديم في طريق عودتي من العمل، أثارت في نفسي شجون، فكم من طاقة أهدرتها في البحث عن اجابات لتساؤلات لم تزدني إلا حيرة و ألم، أواجه يوميا تلك المواقف غير المتوقعة، ولا أجد لها تفسيرا !
أخذتني تلك الكلمات إلى عالم من الخيال،أتأمل الإجابات كأنها أجنَّةٌ تنمو في رَحِمِ السؤال؛ بميلادها تتضح الرؤية و يهدأ البال.
لكن ماذا عن تلك الإحابات المنتَظَرة من سؤال لا أمل منه؟ سؤال عاقر، لا يَرى ميلاد إجابة له و لو بعد حين؟ سؤال يفترس العقل، و هو أمامه عاجز – برغم عميق التفكير- عن تقديم أي حجة أو تفسير! لا أعلم ما الحكمة من محدودية العقل في أن يَسَع معارف كل شئ، و لكن من الواضح أنه يجب عليّ تقبل الأمر كشرط للبقاء.
وقتها شعرت برغبة في مشاركة تلك الأفكار مع صديقتي “مليحة”، فهي تتحسس خطواتها الأولى في فصل جديد من حياتها، انتقلت إلى مكان بعيد من حيث المسافة عن تلك الأماكن التي اعتادت العيش فيها، و يفصلها الزمن عن كل من أحبت يوما، فنهارهم ليلها وصيفهم شتاؤها.
قلتها لنفسي بمنتهي الثقة “من المؤكد أنها تجاوزت تحديات اختلاف العادات و التقاليد ومختلف اللغات و اللهجات، و تأقلمت مع الصادم من الأفكار و المعتقدات، وحصلت على وظيفة تحقق بها ذاتها، و تشعرها أنها ما زالت قادرة على العطاء، حتما سأناقشها في أمر السؤال العاقر،وهل ترضي بسؤال ليس له جواب؟ وكيف يمكن التعامل معه ومع ما يسببه من إرتباك و غضب؟
بعد مراعاة فروق التوقيت، أجريت اتصالي و كلي حماسة لحوارات تتخللها ضحكاتها العالية ساخرة من أي شيء و كل شيء بروح لا تبالي، فكانت دائما تردد جملتها الشهيره على لسان سيمبا في فيلم الأسد الملك:” أنا باضحك في وش المخاطر”.
عندما بدأنا الحديث أذهلني ما رأيته بعض الشيء؛ وجه شاحب، عينان زائغتان غائمتان بالدموع، نبرات صوت مرتعشة، شفتان لم تذوقا طعم الابتسام. استقبلتها بتحية وسلام، وبكل التردد والقلق سألتها: “كيف حالك؟ هل أنت بخير؟
خبأت عينيها بكفيها، إشارة ضعف واستسلام فهمتها من لغة جسدها، و بصوت خافت يملؤه الوهن قالت: “ستضحك مني، فأنا لا أعرف! لا أعرف كيف حالي و لا أدري إن كنت بخير، حتى إني أسأل نفسي كثيرا: “من أنا أو ماذا أريد؟ تساؤلات لا تريح عقلي بإجابة شافية. لماذا أنا هنا؟ كيف لي أن أستمر وقد مُحي كل ماضي بتذكرة طيران للذهاب فقط؟ أين من أحببتهم وقدمت لهم أيامي ومنحت لهم قلبي هدية؟ لماذا كل هذه الأحداث غير المفهومة؟ و لماذا العثرات بالرغم من محاولات الصمود؟ لا أريد أن أُثقِل عليك بهمومي و تساؤلاتي فعندي منها الكثير الذي يعطلني عن رؤية النور، فعقلي عبارة من متاهة مشوشة” قالتها و هي تحاول التخلص من دموعها التي لا تتوقف.
  “أشعر بك مليحة، أشعر بألمك و حيرتك، هو ذلك السؤال العاقر ينهش كيانك، يشوش اتجاه بوصلتك، يعيقُك عن قراءة معطيات واقع جميل تعيشينه من الممكن أن يفتح لك آفاقا بديعة في الحياة، لا تدوري في دوائر التيه المغلقة، إياك أن تضربي رأسك في جدار الاستفهام إلى الأبد” قلتها محاولاً التخفيف عنها.
“ما نملكه فقط هو الطريق، من الجائز أن عقلنا البشري لا يقوى على إدراك كل الحقائق، واستيعاب كل المعارف، وفهم كل معاني الحياة، ولكن من المؤكد أنه يمتلك تلك القدرات الخارقة التي ستجعل من طريقك الجديد فرصة لخلق نسخة بديعة منك، تتكامل مع ما فات و تتحد مع كل ما هو آت، تكمن القوة فيما نملك، فتوجهي بِكُلّيتك نحوه، اسألي نفسك عن الممكن والمتاح، عما تملكين اليوم من قدرات وما تستطيعين حقا إنجازه، فقيمة المرء فيما يُحْسِنه” أكملت عباراتي راجيا أن تنصت إلي بعقلها الواعي وروحها النضرة.
أعرف دائما أنها تتأثر بالشعر وتزداد قوة بالألحان، فقلت لها سأهديك كلمات نسمعها سويا الآن، أبيات شعر (تفرانيل 100) للشاعر مصطفي إبراهيم والمُلَحّنة بإبداع من شادئ مؤنس، سمعناها معا و ناجينا الله بالدعاء الأخير في هذه الأبيات
يا خالق كل شئ ناقص كمالته معاك .. يا شايل م الحاجات حتة بنترجاك
بحق المشهد الكامل .. واسمك اللى أنا عرفته
تسيب اللى يكفينا .. وتكفينا بما سبته
ما تحوجناش لجاى ماجاش .. وترضينا بما جبته
لم أنه معها المكالمة حتى هدأت واطمأنت، تركتها وهي مؤمنة أن لديها من القوة ما يكفيها للاستمرار.
أدركت هنا أن إنفاق الطاقة في البحث عن إجابات لا وجود لها في واقع حياتنا ما هو إلا هلاك محتوم، هي الأيام أمامنا غنية بما نملك فيها، فقط فَكر بحكمةٍ كيف السبيل الي مواصلة الطريق بجودة عالية في ظل المتاح، ثم انْطَلِقْ.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها