قطائف كورونية (١) اكتشفت نفسي من جديد!!

شكل تقريبي لفيروس كورونا تحت المجهر
شكل تقريبي لفيروس كورونا تحت المجهر

صرت أستمتع فيها بنفسى وبالجلوس والحديث معها صرت أكثر هدوءا وأكثر تقبلا للواقع من حولي وأصبحت مشاعر النفسى هى المسيطرة علىّ أكثر من مشاعر السخط والتذمر الدائم

من هذا؟
من هذه؟
من هؤلاء؟
بل من أنا؟
تساؤلات كثيرة عنّت لنا فى تلك الفترة التي يمر بها العالم أجمع
يتوقف تقريبا كل شيء
العمل أصبح من المنزل في أغلب البلدان
غُلقت الأسواق
النزول من المنزل أصبح بمحاذير وبأوقات معينة
بضع أيام لا نغادر فيها المنزل
وضع جديد تماما علينا جميعا!!
كنت أتأمل في معنى عجيب منذ عدة أيام، وهو أن العالم أجمع صار يدا واحدة حقا؛ ليس شرطا في الإجراءات ولكن الهم صار واحدا.
من قبل ذلك كانت بعض البلاد تمر بظروف خاصة حروب أو ثورات
انتصارات ..
انتخابات ..
انهزامات .. 
برد أوصقيع ..

حر أو قيظ .. 
عواصف او أمطار .. 
كل عائلة تمر بظروف عن العائلات الأخرى مثل السفر ..الغربة
كل شخص يمر بظروف خاصة مثل الدراسة..الزواج..الطلاق..
وهكذا
لكن اللافت للانتباه في الأمر هو أننا جميعا نشترك في شيء واحد الآن، وهو هذا
الكورونا!!
فهل يقتلنا حقا حتى وإن لم نصب به؟!
هل يقتلنا تفكيرنا قبل الإصابة به؟
هل تقتلنا عاداتنا ونظرتنا السلبية فء بعض الأحيان للحياة ؟
 “الإنسان كائن متأقلم بطبعه”، فهل هذا صحيح؟
هل تأقلمنا حقا مع الوضع؟

وأصبحت مشاعر السلام النفسي هي المسيطرة علىّ أكثر من مشاعر السخط والتذمر الدائم .
 

لكن السؤال الأهم الذى يطرح نفسه الآن،وهو هل تعلمنا شيئا؟
هل يجب علينا تعلم شئ حقا من هذا الموقف؟
ولماذا في كل موقف يجبرونا أن نتعلم؟
يخرج علينا المحاضرون والكتاب والأدباء والعلماء كي يخبرونا أننا يجب أن نتعلم
شيئا من هذا الموقف
لماذا؟
هل هذا فرض علينا؟
أنا شخص بسيط أريد أن أحيا حياتي هكذا، دون أن أتعلم من كل موقف
وهل ملزم أنا بإخراج الرسائل الربانية من الموقف؟

هل واجب عليّ أن أعرف ما هى رسالة ربي لي الآن ؟
وإن لم أجدها بسبب طبيعتي البشرية المحدودة ماذا أفعل؟
هل أصبح إنسانا سيئا إن لم أفعل ذلك؟!
وهل من المفترض أصلا أن أعلم رسالة الله لي في كل موقف أمر به ؟
أم إنني يكفينى أن أتأمل فى نفسى وفيمن حولي وعلاقتي بهم حتى أخرج منه أفضل.
وإن لم أكن أفضل لكن على الأقل أخرج منه وأنا سليم نفسيا ومعاف.
القطيفة الأولى فى هذا السلسة هى: 
“لقد اكتشفت نفسي من جديد”
هكذا قالت: 
-كيف؟
صار لدى الوقت الكافي كي أجلس مع نفسي
كي أحاسبها
ليس من ناحية العبادات فقط بل من ناحية مراجعة أفكاري ..
هل جميع ما أعتنقه صحيحا؟
تصوراتى عن الحياة
عن العلاقات
عن نفسي؟
حيث وجدت أننى كثيرا ما أحكم على الناس من حولي حتى لو كانت علاقات
سطحية ..
أحكم فقط من الظاهر ولا أعطي الفرصة لعقلي أن يستوعب الاختلاف الذيبينى
وبين الآخرين.

كثيرا ما أفرض رأيي أو تصوري على من حولي
ولا أستطيع أن أصل إلى مرحلة أن الجمال يكمن فى الاختلاف
كنت لا أستطيع أن أجد أعذارا  مناسبة لمن أعرفهم، وألقى اللوم دوما عليهم إذا ما حدث لي أي شيء.
أبعد عني من أراهم لا يتقربون مني أو ممن كانوا أقرب الناس لقلبي لكنني لم أجدهم بجواري فى أزماتي
أرفع سقف توقعاتي تجاه من حولي حتى أن ذلك أضر بقلبي كثيرا!!
فى تلك الخلوة تعلمت كثيرا عن نفسي حقا
صرت أكثر تقبلا لنفسي
لضعفها
كنت أتحدث مع نفسي كثيرا..كل يوم تقريبا
أكتب مذكراتي

ابتعد عنى من أراهم لا يتقربون منى أو ممن كانوا أقرب الناس لقلبى لكننى لم أجدهم بجوارى فى أزماتى

أفند المواقف موقفا تلو الآخر وأضع نفسي مكان الشخص الآخر فى بعض الأحيان
أنظر من الزاوية الأخرى حتى أرى الصورة كاملة وبوضوح أكبر
وجدت التالي :
أنني فى الأغلب كنت أستمد ثقتي بنفسي ممن حولي
أستمد كل التقدير منهم
أنتظر أن أسمع عبارات التشجيع إذا ما نجحت وعبارات المواساة والتعاطف مع كل موقف أمر به كبيرا أو صغيرا
تلك الفترة التي كنت أعدها نقمة على عقلي وقلبي وجدتها مثل واحة غناء
صرت أستمتع فيها بنفسي وبالجلوس والحديث معها
صرت أكثر هدوءا وأكثر تقبلا للواقع من حولي.

وأصبحت مشاعر السلام النفسى هي المسيطرة عليّ أكثر من مشاعر السخط
والتذمر الدائم.

قال:
كنت ألوم نفسي كثيرا
بل كنت أجلدها إذا ما قصرت
أعلم أن تربيتي كانت عاملا هاما فى تشكيل شخصيتي وهويتي
فقد نشأت في بيئة تطلب مني الكثير
درجات نهائية فى المواد كلها
يجب أن أكون الأول في كل شيء
الأول على صفي
الأول في حفظ القرآن
الأول في ممارسة الرياضة
وعندما كنت أحصل على درجة واحدة أقل كان والدي يصرخ في وجهي وكأنها
نهاية العالم
ويسألني موبخا:
لماذا لم تحصل على الدرجة النهائية وصديقك فلان حصل عليها ؟
كان يردد دوما أنني يجب أن التحق بكلية من كليات القمة
التحقت بكلية الهندسة رغم أنني لم أكن أحب مادة الرياضيات لكنني التحقت بها مضطرا لأجل إرضاء والدي
لذا نشأت بمعتقد يلازمني أنني يجب أن أكون مثاليا في كل شيء
سبب ذلك لي متاعب كثيرة في دراستي وفي عملي حيث أهملت علاقاتي الاجتماعية في سبيل الترقي والحصول على أعلى المراتب
لم أفكر في الزواج لأنني لا أرى أن أي امرأة جديرة بي وبعلمي وكفاءتي
وعندما فاتحني صديقي عدة مرات ورتب لي لقاءً مع إحداهن
ذهبت إلى منزلها وفي أول لقاء بيننا وجدت أنها ينقصها الكثير حتى تصل إلى
درجة علمية مثل درجتي.
فما هي إلا حاملة لدرجة البكالوريوس وأنا حاصل على الدكتوراه
فأخبرت صديقي بعدها أنني أرفضها
لكنه فاجأني عندما قال لي وهو خجل أنها هي التي رفضتني لأنني لا أستطيع
التواصل ولا أعرف معنى اللباقة في الحديث وينقصني الكثير في فن التواصل كما أنني أركز في كل الحوار على درجاتي العلمية ولا أعرف أي شيء آخر عن الحياة، ورغم أنها في درجة علمية أقل مني إلا أنها كانت بارعة في الحديث ومن الواضح أنها تتمتع بذكاء اجتماعي عال.
كل ذلك ناقشته مع نفسي أثناء خلوتي في تلك الفترة التي اضطررت فيها أن أجلس في المنزل وأنهي أعمالي عن طريق الإنترنت، وجعلتني أتفرغ لنفسي ولو قليلا حتى أرى ما لم أكن أراه من قبل.

في الحياة هناك بعض المواقف التي نستطيع السيطرة عليها وهناك البعض الأخر الذى لا يمكننا السيطرة عليه

وكما كنت أتأفف في بداية الأمر إلا أنني وجدت أن تلك الخلوة أعادت لي روحي
مرة أخرى وجعلتني أتفرغ لنفسي ولو قليلا حتى أرى ما لم أكن أراه من قبل.

في الحياة هناك بعض المواقف التي نستطيع السيطرة عليها وهناك البعض الآخر الذي لا يمكننا السيطرة عليه، وتلك هي طبيعة الحياة.
هذا الوضع الكبير الذي نتعرض له جميعا لا يمكننا بالطبع السيطرة عليه لكننا ببعض الخطوات البسيطة نستطيع أن نغير من أنفسنا ..
نستطيع أن نتحكم في طريقة تفكيرنا وفي تقبلنا للواقع من حولنا

فإن كانت طريقة تفكيرنا تتجه نحو الاتجاه السلبي فيجب أن نعلم هنا أن ذلك لن يوردنا إلا المهالك، وإن قمنا بتغيير طريقة تفكيرنا إلى بعض الأفكار الإيجابية وإلى السعي نحو التغيير فإن نظرتنا للأمور وللحياة ستتغير تماما .

إلى هنا تنتهي حلقتنا الأولى من حلقات “قطائف رمضانية”
ألقاكم في الحلقة القادمة بإذن الله وكل عام وأنتم في تغيير دائم نحو الأفضل.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها