قهر الرجال.. وعبد الله مرسي صغير السن كبير المقام

 

كنا نرددها في أذكار الصباح والمساء ونستعيذ بالله منها امتثالا لفعل النبي صلي الله عليه وسلم فنستعيذ من غلبة الدين ومن قهر الرجال

كنت أفهم غلبة الدين فأستعيذ منها متمثلا واقعي وواقع المصريين من أقراني فكنا جميعا بالفعل نستدين ونظل ندعو الله حتى نرد ما اقترضنا فنحمد الله الذي لم يسلمنا لغلبة الدين

لكني كنت أعبُر على قهر الرجال فلا يعيش قلبي الاستعاذة كما يشعرها فيما أحياه ويحسه قلبي من الدعاء الذي يلامس واقعاً بالفعل أحياه..

نعم.. لم يصل حالنا في أعلى درجات الضيق أن شعرنا بقهر الرجال فما كانت أحداث الدنيا وتداعياتها لتصل إلى معنى القهر فما كان يحزننا نجد في مقابله ما يفرحنا فتستوي الكفتان وتسير الأيام نحو حدها الطبيعي شيئا فشيئا

موت ذي القربي كانت تخففه بشارات الصلاح وصلوات الجنازة التي يحضرها الصالحون تبدد وقع الصدمة شيئا فشيئا فنظل أياما نروي مشاهد الدفن الهادئة وتهلل وجه المتوفى  واقدار الخير في اتباع عدد كبير للجنازة

فوات الخير وفقد الوظيفة أو المال وضياع فرص الحياة يعوضه دعوة صادقة من قلب أم وفرحة مفاجئة في زواج صديق وهدية محب تأتي في وقتها.

هكذا كانت الحياة تعطينا بقدر ما تسلب منا وهذا حال الناس مع دنياهم تدافع بين خير وشر وفرح وحزن لتستمر المسيرة وتسير الأمور

فما كان القهر يعرف طريقا لقلوبنا وما كنا لنستسلم له بأي حال

إذا ما الذي يقهر الرجال؟

رأيت أحد الأصدقاء مرة بجوار ابنته ذات الأعوام الثلاثة في العناية المركزة كلما تأوهت ذاب قلبه اشفاقا على جسدها النحيل واصفر وجهه كلون وجهها كلما تألمت هي تنهمر من عينيه دموع حارقة لا نهاية لها، رأيت وقتها ملمحا للقهر لكنه لم يصل بي لمرحلة فهم القهر الذي استعاذ منه النبي صلي الله عليه وسلم وقرنه بالرجال

مررت بمشاهد رابعة ومذابح الانقلاب التي ارتكبها في حق المصريين بعضهم أصدقائي وإخواني لكن صمود أهليهم وبشارات الرضا في قسمات وجوه الشهداء كانت تربت على كتفي وتربط على قلبي أشعر بانكسار لكنه ممزوج برضا يخفف كثيرا من مظاهر الحزن والإشفاق والفقد

في الأيام القليلة الماضية زارني شعور قهر الرجال.. نعم شعرت به يتسلل لنفسي ويذيب قلبي ويحبس أنفاسي ويحجب الكلمات في حلقي لتسبقها دموعي..

يا الله.. صلي الله وسلم على محمد الذي استعاذ من مثل ما أشعر به 

عندما قتل الرئيس محمد مرسي في زنزانته وتم تشييعه في جنح الليل وقام بتصويرها صحفي صهيوني وحُرم من حضورها أغلب أهله وأصدقائه والمقربين.. شعرت بهذا الإحساس الذي ألجمني وأحاط بي من كل جوانبي فلا أنا أملك لغضبي إنفاذاً ولا لحزني تخفيفاً ولا عاد حق الرجل فعوض أهله وعوضنا، فظللت أعالج قهر قلبي أياما بعدها وكانت محاولات الخروج من دائرة قهر الرجال اللعينة تلك تسير بطيئة ثقيلة كئيبة، لكنها سُنة الحياة وفطرة الله التي فطر الناس عليها، حكمته سبحانه في خلق كل الأمور صغيرة لتكبر إلا الحزن الذي يولد كبيراً ليتجه رويداً رويداً للصغر والاندثار

لم تكد تهدأ مصيبتي وقهري من موت الشهيد محمد مرسي حتى لاحقتني أخبار وفاة ولده بعد ثمانين يوم من وفاة أبيه.

عبد الله مرسي صغير السن كبير المقام الذي كانت تنساب الحكمة من فمه وتظهر في قسمات وجهه معاني الرجولة وتري في انفعالاته روح أبيه وطريقته، مات الرجل أو ربما قتل عادت أصداء قهر الرجال من جديد بوتيرة أشد فتجددت آلام قلبي وقهري على أبيه وعليه وعلى نفسي.. يا الله ما هذه المصائب التي تتنزل على هذا البيت ما هذه الابتلاءات التي تترى على ساكنيه..

ظللت أردد الدعاء بحرقة وأستعيذ لي ولأخويَ أسامة وأحمد ابني الرئيس محمد مرسي، استعيذ من قهر الرجال الذي عاينته وعشت لحظاته الثقيلة تلك.

تري.. سيجد قهر الرجال في قلوبنا مستقراً ومنزلا يسكنه أم ستمر الأحداث وتغالب أمور الحياة بعضها بعضا ونُثاب كما أثيب الصحب الكرام غماً بغم..

في هذه اللحظات المرتبكة الكئيبة على النفس أرفع دعائي لرب العباد عساه يستجيب، فاللهم فك أسر مصر وفرج كرب أهلها وكن لآل مرسي واكلأهم بعينك واربط على قلوبهم وأجرهم من قهر الرجال.. يارب

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها