الربيع العربي وثقافة القبيلة والقطيع

 

“أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”

قد لا يبدو لهذا المثل الشعبي ارتباط بالسياسة وربما كان أقرب للأمراض الاجتماعية التي لايزال يواجهها عدد لا بأس به من الناس.

ولكن موجات التغيير العربية والدولية، تؤكد أن هذا المثل كان اللاعب الأساسي وراء تأخر نجاحها أو الحيلولة دون تحقيق كامل أهدافها.

فعلاقة المجتمع بالثورات مبنية على أساس التغيير الكامل، من المعتقدات والأفكار الخاطئة والعادات السلبية وصولاً إلى السلطات الفاسدة وانتهاء برأس الهرم الذي يظن الكثيرون أنه هو المعضلة الكبرى، اعتقاداً منهم بصحة المثل: “الخط الأعوج من الثور الكبير”.

الربيع العربي والثور الكبير

نعم لربما كان المثل الأخير صحيحاً، ولكن ليس بشكل كامل، وقد لا يكون تغييره حلاً إذا لم يكن شاملاً، فما حدث في مصر بعد سقوط مبارك أبسط دليل على أن صحة ما أقول.

ولو قرأنا تاريخ الثورات قليلاً لتأكدنا من أن الثور الكبير يحل المشكلة جزئياً لا كلها، ففي مصر التي يقودها عبد الفتاح السيسي أقوى مثال على أن الإطاحة برأس الهرم وترك أعوانه ربما ينعكس بأسوأ مما كان عليه.

كم يتمنى المصريون في حكم السيسي العودة إلى عصر مبارك، ويتمنى بعضهم لو لم تقم تلك الثورات؟ لماذا؟ لأنهم بدأوا الصعود من القمة وظنوا أن البقاء فيها أبسط من الوصول إليها.

المعتقدات الخاطئة

ما علاقة المثل “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”؟

لعل الأفكار الخاطئة التي تسيطر علينا قديماً وحتى اليوم لها دور كبير في تأخر نجاح التغيير، فالثورات التي قامت هي ثورات بشر لا ملائكة والبشر بطبيعتهم يصيبون ويخطؤون ولكن الطامة الكبرى، أن يخطأ الإنسان ويصر على خطأه والطامة الأكبر أن يؤيده قريبه أو صديقه على هذا الخطأ.

وهذا ما حصل في الثورات، تجسدت ثقافة القبيلة بشكل أكبر حين سالت الدماء وكانت الحكمة أحوج ما يكون إليه الجميع.

وقف البعض مع التنظيمات المتطرفة وأصر آخرون على الوقوف مع الأنظمة المستبدة فقط لكون قبيلتهم لم تكن إلى جانب الحراك الشعبي.

واتبع الكثيرون هذا المثل بشكل أعمى رغم تأكيد الأديان والشرائع السماوية كافة على ضرورة رفع الظلم عن الجميع ولو كان الظالم قريباً.

وفي الإسلام حديث نبوي شهير يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالما أو مَظْلومًا”، فقال رجل: “يا رسول الله، أنصره إذا كان مَظْلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا، كيف أنصره؟” قال: “تَحْجُزُه، أو تمنعه من الظُّلم، فإنَّ ذلك نَصْره”.

ثقافة نصرة القريب ولو كان على باطل، أشبه ما تكون بثقافة القطيع الذي يسير كما يسير الغالبية، ولا يبالي إن كان الاتجاه صواباً أم خطأ.

كم كنا بحاجة أن إلى يبدأ الربيع العربي من العقول قبل غيرها، وكم كنا بحاجة إلى ثقافة الحكمة والتغيير من الداخل مع عدم الانتقاص من أهمية الخلاص من ظلم الحاكم ورأس الهرم الفاسد.

ومن لم يقتنع بما ذكرته فليقرأ التاريخ جيداً، ليعرف كم من الدماء البريئة سالت فقط لأن فرداً من قبيلة فلان ارتكب جرماً بفرد من قبيلة فلان آخر.

وليشاهد كم من الحروب اشتعلت لا لأجل تغيير ولا لأجل ثورات، بل فقط لإرضاء معتقدات بالية وأفكار قديمة خاطئة وكأن البعض يصر اليوم على العيش في عصر الجاهلية رغم التقدم والتطور السريع الذي تمر به البشرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها