تأسيس المملكة السلمانية!!

استخدمت مصطلح التأسيس الرابع كون محمد بن سلمان قد اقترب بالفعل من نسف الأسس القديمة المتعارف عليها لأركان منظومة الحكم في المملكة، فقد أقصى الجميع تقريباً.

الأسبوع الماضي كان أسبوعاً مفصلياً في الشرق الأوسط برمته، فيه قامت تحالفات وتشكلت خصومات ونشبت خلافات وعداوات، نعم كان أسبوعاً في عدد أيامه لكن قراراته ربما تغير وجه المنطقة تماماً خلال الفترة المقبلة، وأهم ما حدث فيه هو الأحداث والتغييرات الدراماتيكية والسريعة التي حدثت في المملكة العربية السعودية.

البداية جاءت مع إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته أثناء تواجده في العاصمة السعودية “الرياض” عبر بيان مكتوب وكان واضحاً أن الحريري هو مجرد قارئ للبيان وليس صاحبه وهو الرأي الذي تعضده غرابة الأسباب التي تضمنها فكيف يستقيم أنه خائف من تعرضه للاغتيال وهو من غادر مطار بيروت مبتسماً ويلتقط صور السلفي مع المتواجدين في المطار، إضافة إلى تخطيطه للقاء عدد من المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واجتماعات أخرى مع أعضاء حكومته للنقاش حول تحسين بعض الخدمات والبنى التحتية فهل تلك تصرفات سياسي يود الاستقالة خلال أيام، ثم أنها السابقة الأولى من نوعها في تاريخ لبنان منذ استقلاله سنة 1943م.

ولو أضفنا لها أن الحريري كوالده يحمل الجنسية السعودية وله استثمارات فيها وأيضاً أفراد أسرته جميعهم “زوجته وابناءه” متواجدين هناك، كل تلك الدلائل تؤكد أن استقالة الحريري كان مجبراً عليها لضرب استقرار لبنان وفتح جبهة صراع جديدة بين السعودية وإيران على الأراضي اللبنانية عبر الإشارة المباشرة لإيران، وأنها التي ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب “حسب تعبيره”، مندداً بتدخلها المباشر في الشؤون الداخلية في سوريا والعراق والبحرين واليمن ولبنان وعطفه على ذكر خلية حزب الله في الكويت، واضعاً حزب الله “الوثيق الصلة بإيران” في مرمي نيرانه كأحد عوامل عدم استقرار لبنان، ليسجل الحريري أول هزة شديدة في زلزال التأسيس الرابع للمملكة العربية السعودية على يد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الساعي بكل شراسة وتصميم لاعتلاء العرش السعودي خلفاً لوالده الذي يتوارى عن الأنظار شيئاً فشيئاً مطلقاً يده ولي عهده ليسيطر على مفاصل الدولة السعودية تدريجياً.

تلك الهزة لم يقلل من تأثيرها خروج الحريري في لقاء تلفزيوني رأى الكثير من المحللين أنه ظهور أثبت فقط أنه على قيد الحياة وأقرب إلى محتجز رغماً عنه وظهر هذا جلياً في ظهور شخص  في خلفية الصورة ممسكاً بورقة تم الكتابة عليها واسترق الحريري النظر إليها قبل الإجابة على سؤال طرحته محاورته عليه.

وتزامن مع استقالة الحريري إطلاق صاروخ باليستي باتجاه الرياض انطلاقا من اليمن وتبنت جماعة الحوثي “الوثيقة الصلة بإيران” إطلاقه وتصدى له الدفاع الجوي السعودي وتم اسقاطه بالقرب من مطار الملك خالد في منطقة خالية دون خسائر، لتعقبه اتهامات متبادلة بين السعودية وإيران في مزيد من التصعيد بين الجانبين.

ثم جاء يوم “الأحد العاصف” والذي أعتبره يوماً مفصلياً وفيه وضع محمد بن سلمان حجر الأساس للدولة السعودية الرابعة، قام خلالها باعتقال العشرات من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين ورجال الأعمال بتهم الفساد بعد ساعات من إصدار الملك سلمان قراراً بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي عهده مما يمهد لقرارات بالتحفظ على أموالهم مستقبلاً وأيضاً لتخويف وترهيب الباقين وجعلهم متيقنين أن لا أحد في مأمن من الاعتقال لو عارض محمد بن سلمان، وكان من أهم المعتقلين الأمير الوليد بن طلال الملياردير ورجل الأعمال والأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وعبد الله السلطان قائد القوات البحرية ووليد الإبراهيم مالك شبكة MBC وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق وغيرهم، ثم الإعلان عن وفاة الأمير منصور بن مقرن نائب أمير منطقة عسير في حادث تحطم مروحية وبرفقته 8 مسؤولين أخرين لقوا حتفهم جميعاً في الحادث.

 وكانت أحداث الأحد العاصف هي الخطوة الأهم والمكملة لخطواته السابقة في تحجيم دور رجال الدين والدعاة “الركن الرئيسي والداعم الأساسي لدولة آل سعود في مراحلها الثلاث 1744م تأسيس الدولة السعودية الأولى، و1818م التأسيس الثاني، و1932م التأسيس الثالث والمستمر إلى الآن” عبر اعتقال البعض كسلمان العودة وعلي العمري وغيرهم ومنع البعض من السفر وإجبار الباقي على تبني فكر الأمير الشاب الداعي للانفتاح والتغيير وتبني الإسلام المعتدل ومحاربة المتطرف على حد تعبيره.

كل الخطوات السابقة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن محمد بن سلمان قارب على إحكام سيطرته على مفاصل المملكة فقد أعتقل كل من يخشى منهم على خطته من أمراء البيت السعودي وأخضع الشبكات التلفزيونية المملوكة لبعض المعتقلين لسيطرته المباشرة وبالنسبة للشق الديني العامل البالغ الأهمية في معادلة الحكم والاستقرار السعودي فقد أبعد محمد بن سلمان كل من اشتبه مجرد الشبهة في أنهم قد يعارضون خطواته المسرعة نحو تحويل وجهة المملكة العربية السعودية نحو الغرب أكثر فأكثر ليتغلب الجانب العلماني كما بشر ودعا يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة في تصريحات وتسريبات له، ووضحه بن سلمان في رؤيته الخاصة والمعروفة برؤية “2030” ومشروعه المثير للجدل “نيوم” والذي يمتد عبر ثلاث دول “السعودية والأردن ومصر” ويتكلف 500 مليار دولار.

استخدمت مصطلح التأسيس الرابع كون محمد بن سلمان قد اقترب بالفعل من نسف الأسس القديمة المتعارف عليها لأركان منظومة الحكم في المملكة، فقد أقصى الجميع تقريباً بعد سيطرة الفرع السديري على مقاليد الأمور لعقود، لينفرد بها تقريباً خاصةً أن النظام السعودي لا توجد به آلية محددة وواضحة لمن يتولى العرش بعد انتهاء التواجد الفعلي لأبناء الملك عبد العزيز آل سعود في معادلة الحكم، والشق الثاني هو التحجيم والإبعاد المتواصل لرجال الدين والمشايخ الضلع الثاني والمكمل لمنظومة الحكم في شبه اتفاق على أن يقوم آل سعود بتولي الحكم والشؤون السياسية الخارجية بينما يقوم رجال الدين بتشكيل المجتمع السعودي داخلياً ووضع ضوابطه وتنظيم أموره عبر الهيئات الدينية المتعددة وعلى رأسها “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “وهي الهيئة الدينية الشرطية الأكثر نفوذًا في المملكة، خاصةً أن آل سعود يتكئون منذ نشأتهم على أعمدة الدين والمذهب الوهابي، ويتخذون من دعاتهم وعلمائهم جواز مرور نحو شرعيتهم وتثبيت أركانهم من خلال البيعة والحث على السمع والطاعة وهو الدور الذي قارب على الانتهاء.

ثم أن هناك أمرا في غاية الأهمية ويعضد كل ما سبق وهو التأييد العلني والمباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي غرد على حساب تويتر الخاص به بأنه لديه ثقة كاملة في الملك سلمان وولي العهد فهم يعرفون جيداً ما يقومون بفعله، وأعقبها بتغريدة أخرى أكثر صراحةً قال فيها: بعض من يعاملونهم بقسوة “يقصد معاملة بن سلمان للأمراء المعتقلين”، قاموا “بحلب” أموال المملكة لسنوات وتزامن مع كل هذا استخدام معظم الشبكات الإعلامية الغربية للتعليق على ما يحدث في المملكة مصطلحات من عينة مكافحة فساد،  تطهير، إصلاح وغياب شبه تام لمصطلحات مثل قمع، تسلط، اعتقالات غير قانونية، إجراءات ديكتاتورية وهو أمر لا يمكن إغفاله.

الخلاصة

لو استطاع محمد بن سلمان تخطي المرحلة الحالية وتصفية خصومه السياسيين والاستيلاء على أموالهم وإسكات كافة المعارضين، فهذا يعني تأسيس أسرة مالكة جديدة في السعودية واستتباب الأمر له وازدياد قوته وشراسته وفرضه لواقع جديد في المملكة لتتحول فعلياً من مملكة “آل سعود” إلى مملكة “آل سلمان”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها