حماس بين العمل العسكري والمناورة السياسية

تدخل حركة المقاومة الاسلامية حماس مربعا جديدا في المناورة السياسية والعمل الدبلوماسي، بعد ما دخلت دول عربيه مرحلة متقدمة من المؤامرة والهرولة نحو التطبيع العلني الواضح والواسع، يضاف إلى الحصار الاقتصادي الجائر، لتنتقل قيادتها الجديدة بحنكتها، بعد إصدار “الوثيقة السياسية” من الزاوية الضيقة التي حشرت فيها في السنوات الأخيرة إلى مساحات تفاوض واعتراف بها كشريك سياسي يمكن أن يساعد في تحقيق مصالح متبادلة أمنية واقتصادية، ويجنب حدوث انفجار اجتماعي محتمل، أو اضطرار حماس للجوء إلى شن هجوم عسكري طالما حذرت منه استخبارات الكيان الصهيوني، لكونها غير مستعدة لخوض حرب طويلة مع حماس في ظل انشغالها بالتوتر الحاصل في الجبهة الشمالية “سورية والعراق” والنفوذ المتزايد لإيران وحزب الله في هذه الدول المفضي لاحتمال نشوب حرب ومواجهة .

كما أن الوسيط المصري الذي يقيم شراكة استراتيجية مع “الكيان الاسرائيلي”، ترغب في الاستفادة من عائدات تجارية مع القطاع وتخفيف الضغوط الأمنية في منطقة سيناء.

وفي تعزيز قوى وطنية أخرى في حكم القطاع والسيطرة على المعابر خصوصا تيار دحلان داخل فتح لإضعاف نفوذ حماس في القطاع، وهذا ما يشكل هدفا “للكيان الإسرائيلي”، من أجل التمكن من تحميل سلطة عباس مسؤولياتها تجاه أي تدهور أمني أو عمل عسكري ينطلق من القطاع، لتتهرب من التزاماتها اتجاه المساعي الدولية لأي تسوية محتملة.

وجاء خطوة حماس في تقديم جملة من التنازلات للسلطة الفلسطينية، وهي تنظر بعين المصلحة المرجحة لمشروعها في منهج المقاومة، الذي بات يحتاج إلى مزيد من الوقت للإعداد إلى مواجهة قد تكون فاصلة في مستقبل غير بعيد، حددتها الدراسات السياسية والعسكرية لحماس أن تكون في غضون العشرية القادمة، وهذا ما يحتاج إلى استقرار في القطاع ورفع الحصار عنه، وانتقال المسؤولية الكاملة في الشؤون العامة وإعمار غزة وفتح المعابر، لكي يتسنى لحركة حماس لمزيد من الاستعداد العسكري في الداخل، والتفرغ للعمل السياسي والدبلوماسي في الخارج، وتجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام واجب تلبية حاجات الشعب اليومية التي طالما تملصت منها، وتجد الدول الداعمة لهذه المصالحة خاصة مصر والإمارات والسعودية نفسها أمام مسؤولياتها في إعمار القطاع، هذا إذا لم يلاحقها الكيان الإسرائيلي بفرض شرط تخلي حماس عن العمل العسكري مقابل السماح بإعمار القطاع، في حين تعتبر حماس أن سلاح المقاومة خط أحمر، واشترطت في جميع المراحل التي تمت فيها جلسات الحوار والمصالحة عدم التطرق إلى سلاح المقاومة.

لكنها تمسكت بالوحدة الوطنية وآثرت مصلحة الشعب الفلسطيني في رفع الحصار عنه وتلبية حاجياته اليومية، وتوحيد صفوفه ووضع حد للانقسام لتصبح الضفة والقطاع تحت سلطة واحدة، وقدمت خطوات جريئة في القبول بمصر كوسيط وهو ينعتها بالكيان الإرهابي، وقبلت بالجلوس مع تيار دحلان الذي ينشر جواسيسه داخل القطاع لصالح الكيان الإسرائيلي، وسمحت لنواب فتح بالمغادرة للمشاركة في مؤتمر فتح ليمدد لعباس في الرئاسة وهو يسلط أجهزته الأمنية على المقاومين وأهالي الشهداء في الضفة.

كل هذه المناورات السياسية تعطي دلالة على الثقة التي أصبحت تتمتع بها حماس في مؤسساتها السياسية وأجهزتها العسكرية، واستطاعت أن توازن بين العمل العسكري والمناورة السياسية وتسيير شؤون ما يقارب من مليوني ساكن في القطاع رغم الحصار الجائر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها