اليونسكو تكشف سوأة الدبلوماسية المصرية

ما حدث في 2017 لا يخرج عن سياق الأحداث السابقة حيث عادت مصر هذه المرة لا لتفوز كما قال المراقبون وإنما لتفشل المرشح القطري العربي الذي أكدت جهات دولية وجاهته وتقدمه.

كشفت انتخابات اليونسكو عن المأساة التي تعيشها الدبلوماسية المصرية المرتبطة بنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي وضع يده  وسيطرته على كل شئ في مصر ووصل إلى إدارة الدبلوماسية المصرية العريقة بطريقة الأوامر العسكرية و”تمام يا أفندم “.

وإذا كان الخلاف السياسي وادعاء أحقية المنصب هو من قاد مصر إلى مناكفة المرشح القطري الدكتور حمد الكواري الذي تصدر السباق منذ بدايته فإن الأداء الدبلوماسي المصري وتوزيع الاتهامات على دول المنظمة  التي رفضت انتخاب المرشحة المصرية كان مستهجنا ومستغربا لمخالفته أدبيات وسلوك وأعراف الدبلوماسية، بل فسره كثيرون بأنه فشل ذريع لهذه الدبلوماسية التي لم تستطع أن تنجح في جذب التأييد للسيدة مشيرة خطاب فاتجهت لكيل الاتهامات بشكل مناف لأعراق وأعراف السلوك الدبلوماسي.

وإذا كان الإعلام المصري قد برر هذه الحملات التشويهية التي هدفت للتشويش على المرشح القطري في بداية السباق ثم انتقلت إلى الوقوف صراحة  مع المرشحة الفرنسية في الجولة الختامية بأنه لا يمكن منافسة مصر الحضارة والثقافة من قبل دولة صغيرة بحجم قطر، وتناسى الإعلام المصري أن هذه الدولة جاءت في المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في مستوى التعليم بينما دولة الحضارة ( وهي كذلك) كان ترتيبها 139 عالميا و13 عربيا في مستوى جودة التعليم الذي تهتم به المنظمة الدولية ” اليونسكو”.

وبعيدا عن خسارة العرب لمنصب هم أحق وكان يُنتظر أن ياتي للمرة الأولى لهم لرئاسة منظمة دولية، إلا أن الواقع أكد أنهم كانوا في أمس الحاجة إليه ليحافظوا على ما تم اكتسابه في الدورة الماضية من قرارات انحازت للتراث الثقافي الفلسطيني وأكدت على فلسطينية وعروبة وإسلامية القدس والأقصى مما أغضب آخرين رافضين لعروبة وإسلامية القدس والأقصى.

المتابع لتردي الأداء الدبلوماسي المصري المحاط بـ”حفلة تطبيل وتهليل اعلامية ” يكتشف أن هذا يخفي فشلا سجلته الوقائع والأيام للدبلوماسية المصرية في اقتناص هذا المنصب الرفيع وهي بلد الآثار والثقافة والحضارة، مما يطرح سؤالا: هل العيب في المرشح الذي يقدم للعالم من قبل الأنظمة المصرية المتعاقبة  “كأختيار ليس الافضل” ؟ أم العيب في الأداء الدبلوماسي الذي لا يأخذ الأمور باحترافية ومهنية ويتركها “للفهلوة” والصوت العالي ؟

بالعودة إلى عام 1999 عندما جرت انتخابات اليونسكو بعد نهاية ولاية فيديركو ماير وعندما ترشح السعودي غازي القصيبي كأول مرشح عربي، وكان مرشح الإجماع العربي إلا أنه حسب زياد الدريس الدبلوماسي السعودي الذي  قال إن مصر قامت بالتفاف على الاتفاق وتقدمت بمرشح مصري وهو الدكتور إسماعيل سراج الدين، ولكن بترشيح دولة أفريقية وهي بوركينا فاسو مما أفقد العرب المنصب المرموق لصالح الياباني ماتسورو بسبب ضياع الأصوات وتخبط الدبلوماسية المصرية.

وفي نهاية فترة الياباني  ماتسورو عام 2009  أي بعد عشر سنوات ترشح فاروق حسني  وزير الثقافة المصري كمرشح لمصر وكان  قريبا من الفوز بالمنصب وكان يحتاج لصوت واحد في المرحلة قبل النهائية بحصوله على 29 صوتا إلا أن الدبلوماسية المصرية  فشلت في السباق الذي شهد وجود مرشح عربي آخر وهو الدبلوماسي  الجزائري محمد بيجاوي وأدى الصراع العربي على الكرسي لفوز البلغارية بوكوفا بفارق 3 أصوات عن الوزير المصري.

وربما أرادت مصر أن تهدأ وتترك المشهد بعد إخفاقين  متتاليين، وقال مراقبون إنه  كان إجبارا على إتاحة الفرصة لآخرين بعد فشلين دبلوماسيين مصريين  لتقديم وجه أم الدنيا ومهد الحضارة وأرض التراث والثقافة  لتقود التراث العالمي فكانت الجولة التالية للسباق الرئاسي لليونسكو في 2013 حيث نجحت البلغارية بوكوفا في الفوز بفترة ثانية بعد تخطيها للمرشحين العربيين، الجيبوتي رشاد فارح، واللبناني جوزيف مايلا، في ظل ما قيل وقتئذ عن  الدعم الأوربي الأمريكي الصهيوني للمرشحة البرتغالية في مواجهة المرشحين العرب تكرارًا لما حدث مع فاروق حسني في الجولة السابقة واستنساخا للتنافس العربي  (الفاشل )على المنصب.

ما حدث في 2017 لا يخرج عن سياق الأحداث السابقة حيث عادت مصر هذه المرة لا لتفوز كما قال المراقبون وإنما لتُفشِّل المرشح القطري العربي الذي أكدت جهات دولية وجاهته وتقدمه واقترابه من المنصب لأول مرة، إلا أن الخلاف السياسي ووجود مصر كأحد دول الحصار لقطر كان واضحا في هذه الانتخابات ولم يكن أحد يتوقع لمشيرة خطاب المرشحة المصرية المرموقة أيضا أن تتقدم على القطري إذ توقع حسام نصار، مدير حملة فاروق حسني، في انتخابات منظمة اليونسكو عام 2010، أن تخسر مرشحة مصر السفيرة مشيرة خطاب، في انتخابات اليونسكو الحالية، ما لم تتدارك وزارة الخارجية  المصريةالموقف وتضغط على الدول الأفريقية التي لها حق التصويت في الانتخابات وهو اعتراف من الرجل بفشل وزارة الخارجية المصرية في إدارة الملف مؤكدا أن فرص مصر باتت ضعيفة، خاصة أنه لا توجد كتلة تصويتية معينة تقف خلف المرشحة واكدت ذلك تصويتات الكتلة العربية والافريقية لمشيرة خطاب التي نافستها مرشحة عربية أخرى هي البنانية فيرا خوري ليفشل الاثنان في الاستمرار في السباق إلا أن اللبنانية طالبت المصريين بدعم المرشح القطري من أجل أن يذهب المنصب للعرب؛ لكن الدبلوماسية المصرية التي صوتت في الأمم المتحدة في مناسبة سابقة لإسرائيل وقفت في وجه العربي القطريى المسلم  وساندت الفرنسية ذات الديانة اليهودية.

ماحدث من تصريح وزير الخارجية المصرية بعد خسارة مرشحته أمام الفرنسية  كان فجا وقال فيه صراحة إن  بلاده  تدعم مرشحة فرنسا أودري أزولاي  وهو ما اعتبره البعض  خروجا عن الدبلوماسية الرصينة وانحيازا لما سُمي الأداء الدبلوماسي (العسكري الأمني) والردح الدبلوماسي الذي دأب عليه ممثل الدبلوماسية المصرية  سامح شكري في عهد السيسي والذي شغل نفسه بأمور صغيرة كميكرفون الجزيرة،  وتناسى توجيه الأصوات لمرشحته وركز في تشويه ومحاربة المرشح العربي القطري.

لم يكن تصريح وزير الخارجية الأخير في هذه المناسبة  إذ شهد العالم عبر شاشة الجزيرة مباشر أحد الأعضاء في البعثة المصرية وهو يهتف ضد قطر  مرددا تحيا فرنسا ولا لقطر لتتعمق جراح وعثرات وسقطات الدبلوماسية المصرية التي حاولت أن تغطي على فشلها بافتعال وإذكاء حرب جانبية استخدمت فيها أساليب هابطة ومنحطة لم تكن سلفا من ملامح الدبلوماسية المصرية العريقة إلا أن مرقبين فسروا ذلك بأنه عهد السيسي وأن هذا العهد ليس عليه عتب فقد تجاوز الخطوط وهبط بالدولة المصرية بكل مؤسساتها ومنها وزارة الخارجية ذات التاريخ والحضارة والمواقف الثابتة  إلى خارج الخطوط  ومربعات اللامعقول.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها