الحكومة المصرية تنافس التجار في رفع الأسعار

مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزارء المصري (غيتي)

بينما يتقلب موقف الحكومة المصرية حول ارتفاع أسعار السلع بالأسواق المصرية، ما بين تبنى مبادرات للتجار لخفض الأسعار أحيانا، إلى توجيه اتهامات في أحيان أخرى للتجار باعتبارهم السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، وتشديد العقوبات على المخالفات، يغفل الكثيرون أن الحكومة نفسها تعد مسؤولة بشكل رئيسي عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

والمتتبع لقرارات الحكومة بزيادة أسعار العديد من السلع والخدمات خلال الفترة المنقضية منذ بداية العام الحالي يدرك ذلك بوضوح، حيث لم تترك مجالا إلا ورفعت أسعاره ما بين نقل الركاب والبضائع إلى الخدمات الصحية، والطاقة والكهرباء والاتصالات والفوائد المصرية واستخراج جوازات السفر والمرور وغيرها.

وقبيل بداية العام قامت الحكومة برفع رسوم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل بنسبة 55%، ومع بداية العام تم رفع أسعار تذاكر القطارات بنسبة تتراوح ما بين 10- 25% سواء للقطارات المميزة أو غير المكيفة، ورافقها زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة تراوحت ما بين 14- 20%، ورفع رسوم تسجيل السيارات ونقل ملكيتها بالشهر العقاري، وتلاها رفع الشركة الحكومية للاتصالات باقات الإنترنت الأرضي بنسب تراوحت ما بين 29- 33%..

ثم رفع أسعار شرائح الاستهلاك المنزلي والتجاري للكهرباء بنسب تراوحت ما بين 8 إلى 21%، وفي شهر فبراير/شباط كان رفع أسعار الخدمات بالمنشآت الصحية التابعة لوحدات الإدارة المحلية بالمحافظات، بنسب تراوحت ما بين 100-400% لأسعار الخدمات الطبية من فحوصات وأشعة وتحاليل وجلسات علاج طبيعي وتخاطب ونفسية، ورفع قيمة الكشف بالعيادات الخارجية وزيادة رسوم زيارات المرضى بالمستشفيات، وخفض عدد الأسرة بالأقسام الداخلية للعلاج المجاني من 60% إلى 25%، وصرف دواء واحد مجاني من قائمة العلاج.

وامتد رفع أسعار الخدمات الصحية في شهر مارس/آذار لمستشفيات التأمين الصحي، برفع أسعار الإقامة والكشف والعلاج والعمليات للمواطنين الذين يعالجون بأجر بوحدات الهيئة، وللجهات التى تتعاقد مع الهيئة لعلاج العاملين بها بنظام العلاج بالحالة، ومحاسبة المرضى من غير المصريين بما يعادل ضعف الأسعار المقررة للمصريين.

  رفع أسعار 6 منتجات بترولية

وبنفس الشهر كان قرار زيادة أسعار 6 مشتقات بترولية بنسب تراوحت ما بين 8 إلى 10% لأنواع البنزين، و21% لكل من السولار والكيروسين، و25% للمازوت لغير الكهرباء والصناعات الغذائية، و33% لإسطوانات البوتاجاز المنزلي والتجاري و18% للغاز الطبيعي للسيارات و33% للغاز الطبيعي الصب.

وشهد الشهر نفسه رفع رسوم استخراج جوازات السفر بنسبة 80% وبنسبة 260% لبدل الفاقد والتالف، ورفع رسم تطوير لوحات السيارات بنسبة 87% واستحداث رسم جديد بمسمى تأمين لوحات السيارات، لتضاف لغيرها من المسميات التي تم استحداثها مؤخرا للمزيد من الجباية، مثل رسم الملصق الإلكتروني للسيارات ورسم تطوير منظومة النقل الذكي ورسم تسجيل بيانات صاحب السيارة على الجهاز!

وتم رصد ثمانية أنواع أخرى من الرسوم بتعديل قانون المرور أواخر الشهر، حيث أتى برسوم لترخيص التوك توك ورسوم لوحات معدنية له، وسريان لضرائب ورسوم سيارات الأجرة على التوك توك، وتقرير نفقات لرفع السيارات المهملة من الشوارع، وتقرير نفقات لإيداع تلك السيارات بساحات تخزينها، إضافة إلى تقرير نفقات مقابل إيوائها تُحسب بشكل يومي، وجواز بيع تلك السيارات المهملة أو أنقاضها لحساب الحكومة، وحتى عند تنازل مالكي تلك المركبات المهملة عنها فإنه تتم المقارنة بين ثمن بيعها، وما تقرر عليها من رسوم وغرامات ونفقات رفع وإيداع وإيواء، فإذا لم يفِ ثمن البيع بتلك الرسوم فإنه تتم مطالبة المالك لها بدفع الفارق!

وشهد الأسبوع الأول من الشهر الحالي – والذي تلاه أسبوع إجازة عيد الفطر- فرض العديد من الرسوم الجديدة، حيث أصبح من المعتاد مع كل تعديل لقانون أو لائحة قانون أن يتم رفع قيمة الرسوم القديمة بهما وكذلك استحداث رسوم جديدة، فمع صدور لائحة قانون التصالح فى مخالفات البناء فقد تم رفع قيمة الحد الأقصى للمتر بنحو خمسمئة جنيه، وتحديد قيمة المتر بقرارات التصالح الصادرة عن مجلس الوزراء بثلاثة أضعاف الحد الأقصى المقرر، واستحداث سداد مقابل جدية التصالح بنسبة 25% من قيمة التصالح، والذي تراوحت قيمته بالمدن من 20 إلى 350 ألفا، وبالريف من خمسة آلاف إلى 40 ألف جنيه.

 صعوبة التعرف على كل الزيادات

وتكرر الأمر مع تعديل لائحة قانون حماية المنافسة برفع رسم طلب الاطلاع أو الحصول على صورة رسمية من المستندات أو شهادة بنسبة 150%، ورفع رسم الحصول على تقارير الجهاز، واستحداث رسم فحص لملفات الإخطار بالتركز الاقتصادي من 80 – 100 ألف جنيه حسب قيمة الأعمال.

وها هي الحكومة تستمر فى تحميل المجتمع أعباء تمويل ما تنشئه من صناديق، وكان آخرها بالأسبوع الأول من الشهر صندوق رعاية المسنين، والذي فرضت رسما بقيمة خمسة جنيهات على 21 خدمة ومستندا لتمويله، مثل تذاكر حضور المباريات الرياضية والمسرح والسينما والحفلات الغنائية، وعقود المقاولات والتوريدات بالجهات العامة والقيد بالنقابات العمالية والمهنية ورسوم التوثيق بالشهر العقاري وغيرها.

وما سبق يمثل ما أمكن رصده في ظل التعتيم الإعلامي على أخبار رفع أسعار السلع والخدمات، وحتى عندما كنا نلجأ إلى قاعدة بيانات التشريعات بمحكمة النقض، للتعرف على قرارات زيادات الرسوم بالوزارات المختلفة منذ الاتفاق مع الصندوق عام 2016، فقد ألغت المحكمة منذ عدة أشهر إمكانية الاطلاع عليها، ونفس الأمر لوزارة العدل التي تطلب رسوما لإمكانية الاطلاع.

كما يصعب متابعة تطور أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الشركات الحكومية والهيئات الاقتصادية والخدمية التابعة للحكومة، في ظل التضييق على أخبار رفع الأسعار إعلاميا، لكن الأمر لا يخلو من بعض الأخبار المتناثرة مثلما حدث مع الشركة الشرقية للدخان التي ما زالت الحكومة تملك حصة بها، والتي قامت بثلاث زيادات لأسعار السجائر في نوفمبر/تشرين ثان وفبراير/شباط والشهر الحالي، وكذلك شركتا إدفو وقنا للورق الحكوميتان اللتان رفعتا سعر منتجاتهما.

 زيادة طبع النقود تؤجج التضخم

وتزداد خطورة القرارات الحكومية بزيادة الأسعار باعتبارها تعد محتكرا لعدد من الأنشطة، مثل قطاع إنتاج الغاز الطبيعي والمشتقات وقطاع الكهرباء، فعندما يذكر رئيس الوزراء أن تكلفة الكيلو وات من الكهرباء على الدولة 177 قرشا، فلا توجد إمكانية لدى الجهات الرقابية لتحديد عناصر تلك التكلفة، ودور العمالة الزائدة فى ذلك، وعندما ترفع وزارة البترول أسعار المشتقات فما ذنب المواطن فى وجود شركات تكرير قديمة متهالكة ذات كفاءة انتاجية منخفضة.

كما تؤثر تلك القرارات الحكومية على العديد من الأنشطة بالمجتمع، فعندما تم رفع أسعار المشتقات مؤخرا فقد أدى ذلك لارتفاع أسعار المواصلات العامة والخاصة وتكاليف النقل للسلع، فقد زادت التكلفة في القطاع الزراعي على سبيل المثال نتيجة زيادة تكلفة حرث الأرض وتكلفة كل من الري وحصاد المحاصيل ونقلها.

وستؤثر زيادة أسعار الكهرباء في أسعار المنتجات بشركة مثل مصر للألومنيوم التي تمثل الكهرباء نسبة 30% من تكلفة الإنتاج، كما يؤثر ارتفاع سعر الغاز الطبيعي على أسعار الأسمدة، مما يزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي.

وهناك أمور أخرى تتسبب بها الحكومة تساهم بزيادة الأسعار، كرفع أسعار الفائدة المصرفية مما يزيد من تكلفة الاقتراض للشركات، وزيادة تكلفة تجارة التجزئة وأشكال التمويل غير المصرفي، واستمرار البنك المركزي في طبع النقود والتي بلغت الزيادة بها بالعام الماضي 260 مليار جنيه، وبالربع الأول من العام الحالي 55 مليار جنيه.

والمهم أن القرارات الحكومية بزيادة أسعار السلع والخدمات مستمرة، فهناك زيادة مقبلة للكهرباء أول يوليو/ تموز القادم، وأسعار المشتقات تتم مراجعتها فصليا، فيما تتفاوض شركات الأدوية حاليا لزيادة أسعار منتجاتها، في حين تسعى شركات الأسمدة لرفع أسعار منتجاتها إلى غير ذلك من أنشطة، وسط غياب أية رقابة برلمانية أو إعلامية أو شعبية على الحكومة في ظل الجو البوليسي الذي يعم البلاد.

 

المصدر : الجزيرة مباشر