رئيسة المفوضية الأوروبية لفترة جديدة.. التحديات والآفاق!

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (الفرنسية)

 

رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” أعلنت صراحة نيتها الترشح لرئاسة الاتحاد الأوروبي لفترة جديدة في شهر يونيو/حزيران المقبل، فهل هي فعلا الشخص المناسب لقيادة الاتحاد في المرحلة المقبلة رغم كل الإخفاقات التي مرت بها أوروبا؟

منذ أن أعلنت ذلك في شهر فبراير/شباط الماضي، وهناك جدل لا يتوقف حول فرص فوزها من عدمه، ولا يمكن الإسراف في التوقعات دون مراجعة كيفية فوزها في المرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول عام 2019 التي نجحت فيها بفارق أصوات ضئيل للغاية، بما يعني أن الاجماع عليها منذ البداية كان في حده الأدنى!

تحديات المنصب

منذ توليها الرئاسة، حدثت تطورات كبيرة في ملفات السياسة المحلية والدولية، ولم تكن “فون دير لاين” هي تلك الشخصية المؤثرة التي يمكن أن تترك بصمة واضحة عبر مسيرتها، خاصة في حل ملفات ساخنة تفجرت وقت أن كانت على رأس المفوضية، مثلا الحرب الأوكرانية الروسية، وملف اللاجئين، وحرب غزة، وتلك الأخيرة هي التي انكشف فيها انحيازها التام إلى اسرائيل ولم تكن عادلة ومنصفة، وداست على القيم والقوانين التي صنعتها الديمقراطيات الأوروبية في مجال حقوق الإنسان، وأغمضت عينيها عما يجري من حرب إبادة لسكان القطاع، أيضا انحازت إلى أوكرانيا واتهمت روسيا بشن حرب ضد الإنسانية، وهنا فقدت مصداقيتها للكيل بمكيالين حيث اتهمت روسيا ولم تتهم إسرائيل!! خالفت القوانين الأوروبية وطالبت بضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بشكل استثنائي، الأمر الذي أغضب دولا أوروبية، فلا يمكن القول إن الدول الأوروبية الـ27 متفقة على السياسة نفسها التي اتبعتها!

إن ملف اللاجئين الذي استخدمته “فون دير لاين” كورقة مهمة لإقناع قادة أوروبا والبرلمان الأوروبي للتصويت لها في ولايتها الأولي، لم تحقق وعودها فيه، وظل هذا الملف يشكل هاجسا أوروبيا لا يمكن لأوروبا أن تغفل عنه، لهذا السبب عادت لتستخدم الملف نفسه في الترشح للفترة الثانية كما استخدمته في المرة الأولي، ووقفت وراء قانون الإصلاحات الجديدة للمهاجرين الذي أجازه البرلمان الأوروبي قبل أيام، وتوافق ذلك مع وقت إعلانها الترشح لفترة جديدة.

ومن أهم بنود هذا القانون، اجبار الدول على قبول حصتها من المهاجرين، وفي حال الرفض فإنها تقوم بدفع تعويضات مالية قد تصل إلى 600 مليون يورو، ثم الإسراع في الترحيل، ووضع اللاجئين في معسكرات قريبة من أماكن الترحيل، والبت السريع في أمر اللجوء، وترحيل فوري لمن يثبت أنهم قادمون من مناطق آمنة.

نعم “فون دير لاين” تريد أن تعيد الشيء نفسه الذي فعلته من قبل في ولايتها الأولى، لكن هذه المرة هناك تعقيدات كبيرة في هذا الملف، فهناك من يرون أن تلك الإصلاحات تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي مثل رئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان”، وهو خصم سياسي لدود لأورسولا فون دير لاين، فهو معارض شرس لسياستها الخاصة بفرض حصة من اللاجئين على دول أوربا الشرقية!!

انتقادات واتهامات

لم تسلم “فون دير لاين” أيضا من انتقادات الأوروبيين لها عندما وقّعت مع تونس اتفاقية لمعالجة ملف الهجرة الذي تؤدي فيه تونس دورا أمنيا لصالح الاتحاد الأوروبي مقابل حزمة مساعدات اقتصادية قال عنها البعض إنها أضرت أوروبا.

اتهمها أوروبيون أيضا بمحاباة الولايات المتحدة على حساب أوروبا، وقد اهتمت بالملف العسكري على حساب ملفات الطاقة والاجتماع والاقتصاد، فهي التي طرحت زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي 2% في وقت تعاني فيه الميزانيات الأوروبية من الصعوبات، وهي التي كانت فيه وراء اقتراح بمساعدة أوكرانيا بـ50 مليار يورو على مدى 5 سنوات تُخصَّص كلها للمساعدات العسكرية، إضافة إلى سعيها الدائم لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي متخطية بنود ومقررات الاتحاد.

وبما أن “أورسولا فون دير لاين” ألمانية الجنسية، وهي مرشحة من طرف أحد الأحزاب المسيحية الألمانية القوية وكتلة الشعب الأوروبية، فإن دور ألمانيا القوي في الاتحاد كقوة اقتصادية في أوروبا مع وجود 96 نائبا ألمانيا في البرلمان الأوروبي قد يسهم في فوز “فون دير لاين” دون أي شكوك.

آلية انتخاب الرئيس

معروف أيضا أن انتخاب رئيس الاتحاد الأوروبي يخضع لعملية معقدة لأنه لا يجري بشكل مباشر، لكن بموافقة قادة الدول السبع والعشرين المنضوية تحت لوائه. وهنا يمكن لأخطاء “فون دير لاين” أن يتم التغاضي عنها في ظل مجموعة من التوافقات ومصالح الدول الأوروبية التي تقوم بها ألمانيا لصالح “فون دير لاين” إذا قامت بترشيحها بشكل رسمي، فالمعروف أنه من حق كل رئيس وزراء أوروبي أن يطرح مرشحا خاصا به، وبعد الإجماع على اسم معين يُطرح الأمر على البرلمان الأوروبي الذي يصوت عليه بالموافقة أو الرفض!

ثم ما بين 6 و9 من يونيو المقبل، ستجري الانتخابات البرلمانية في الدول الـ27 لانتخاب 705 نواب، سيكون من مهامهم انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية الجديد، والموافقة على تعيين المفوضين والموظفين الآخرين في أروقة الاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة مباشر