تصفية الإعلام المصري القديم!

هل ينتهي الحال بتصفية اعلام الدولة القديمة من صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعية مملوكة للدولة وتابعة لمبنى ماسبيرو؟ (غيتي)

يلعب الإعلام المصري دورا كبيرا في تسويق فكرة الجمهورية الجديدة التي بدأ الحديث عنها منذ العام 2015، والتي تأسست لها عاصمة هي العاصمة الإدارية.

الترويج للجمهورية الجديدة يقوم به الإعلام المملوك رسميا للدولة، أو المملوك لإحدى شركاتها (المتحدة)، كما تشارك فيه بعض المنابر الإعلامية الخاصة أو الحزبية الموالية الأخرى، ويركز على جملة الإنشاءات الضخمة كعنوان لهذه الجمهورية مثل العاصمة الجديدة وما تتضمنه من مبانٍ فخمة وأطول برج أو ساري علم، أو أكبر مسجد أو كنيسة.. إلخ، وكذا المشروعات الأخرى مثل القطار الكهربائي السريع وتوسعه قناة السويس.. إلخ، وتضع القنوات التابعة لتلك المنظومة الإعلامية شعار الجمهورية الجديدة بشكل ثابت على شاشاتها تسويقا لها.

لم تقنع الجمهورية الجديدة بمنظومة الإعلام الموروث من (أمها) الجمهورية القديمة (جمهورية ناصر والسادات ومبارك) التي تشمل قنوات وإذاعات التلفزيون الرسمي (ماسبيرو) والتي تتجاوز عشرين قناة تلفزيونية، وعشر شبكات إذاعية، بخلاف شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وقطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون.. إلخ، كما تشمل تلك المنظومة القديمة 8 مؤسسات صحفية قومية تصدر 48 مطبوعة يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية، بخلاف مواقع إلكترونية لهذه المطبوعات، تعاملت الجمهورية الجديدة مع هذه المنظومة القديمة منذ البداية باعتبارها مؤسسات شاخت في مواقعها، وارتبطت في تأسيسها ونموها وازدهارها بحكام سابقين بينما المطلوب إعلام جديد، لا يرتبط بعهود سابقة.

صناعة المنظومة الجديدة

بعد انطلاق الحديث عن الجمهورية الجديدة في العام 2015 بدأت على الفور صناعة منظومة إعلامية جديدة للتمهيد لهذه الجمهورية، فكانت الغزوة الكبرى للسيطرة على القنوات والصحف التي يمتلكها رجال الأعمال، في البداية تم تأسيس شركة (إعلام المصريين) باسم أحد رجال الأعمال المشهورين (أحمد ابو هشيمة) لشراء بعض القنوات الخاصة، ثم تم تأسيس شركة جديدة (دي ميديا) من قبل بعض القيادات العسكرية الحاليين والسابقين لتدشين شبكة قنوات (دي إم سي)، ثم تم تكوين صندوق استثماري أكبر لإدارة أموال واستثمارات المخابرات (إيجل كابيتال)، ضم بدوره الشركيتين السابقتين، وأنشأ بديلا لهما الشركة المتحدة التي استكملت عمليات الاستحواذ.

لم يكن الاستحواذ على قنوات رجال الأعمال الآخرين بطريقة رضائية تامة، أو وفقا لتقييم سوقي حقيقي، ولكنه تم بالإكراه في معظم الحالات، وإجبار رجال الأعمال على التخلي عن قنواتهم حتى لا يتعرضوا لسوء في باقي أنشطتهم التجارية، وأصبحت الشركة المتحدة مالكة لعدة شبكات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومواقع إلكترونية، كما توسعت لتهيمن على مجال الإنتاج الفني والدرامي، والإعلاني، والرياضي وحقوق البث.. إلخ، وكونت بذلك منظومة إعلام الدولة الجديدة، الذي يختلف عن المنظومة القديمة من حيث شكل ملكيته، إذ لا يعتبر قانونيا ملكية عامة مثل ماسبيرو، أو المؤسسات الصحفية القومية، بل مملوكا لشركات خاصة، وإن كان معلوما للجميع ملاكه الحقيقيين.. وبالإضافة إلى كل ما سبق يعتمد إعلام الجمهورية الجديدة أيضا على عدد (اليوتيوبرز) من شباب تنسيقية الأحزاب أيضا، وهم الأكثر اشتباكا مع نظرائهم من الشباب المعارض على منصات التواصل الاجتماعي.

التخلص من القديم”بهدوء”

ومع بناء منظومة إعلام الدولة الجديدة بدأ التفكير في التخلص من إعلام الدولة الدولة بطريقة هادئة لتجنب صناعة أعداء جدد للنظام، كانت البداية بإعادة هيكلة ماسبيرو بحجة علاج المديونية الضخمة (تجاوزت 40 مليار جنيه قبل التعويم)، والمعروف أن إعادة الهيكلة تعني مباشرة التخلص من بعض القنوات، ودمج بعضها، وخفض العمالة وهو ما تم بالتدريج، وبالتوازي تحركت الهيئة الوطنية للصحافة لإعادة هيكلة المؤسسات الصحفية القومية (المدينة أيضا بأكثر من عشرين مليار جنيه قبل التعويم)، تمهيدا لتصفيتها على مراحل، وقد بدأت بوقف صدور الصحف المسائية اليومية (المساء- الأهرام المسائي- الأخبار المسائي) والاكتفاء بمواقع إلكترونية لها، ثم دمج مجلات الكواكب وطبيبك الخاص مع مجلة حواء في إصدار واحد، وكانت أحدث الخطوات تحويل مجلة نصف الدنيا الأسبوعية إلى مجلة شهرية، وبالتأكيد هناك خطط أخرى لوقف المزيد من المطبوعات أو تحويلها إلى مواقع إلكترونية، كما أن وقف التعيينات الجديدة أو رفض تثبيت العمالة المؤقتة التي مضى عليها عشر سنوات في المؤسسات الصحفية القومية يأتي في هذا السياق (تصفية المؤسسات القومية تدريجيا)، ويجري الحديث الآن عن بيع مباني تلك المؤسسات الفخمة في قلب القاهرة وأطرافها، التي يمكن أن تدر مبالغ ضخمة تسهم في سداد ديونها والتزاماتها، وقد توفر فائضا للمساهمة في سداد ديون الدولة الأخرى.

وحتى يتم التخلص الكامل من إعلام الدولة القديمة فقد تم تعيين رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير له من رجال إعلام الدولة الجديدة، ومن أبناء أحد كيانات هذه الدولة الجديدة وأقصد هنا “تنسيقية شباب الأحزاب”، وقد يكون هؤلاء الرؤساء هم آخر رؤساء لتلك المؤسسات، بحيث تكون مهمتهم ليس تطويرها، ولكن تهيئتها للبيع كما فعل آخر رؤساء لشركات القطاع العام بعد صدور القانون 203 (قانون الخصخصة).

الجمهورية الجديدة تسعى لصنع أشكال ورموز خاصة بها تميزها عما سبقها، مهما بدت تلك الرمزيات بسيطة مثل إعادة تصوير وتسجيل أغنية محببة للمصريين خاصة بالعيد (أهلا بالعيد للفنانة صفاء أبو السعود) في شوارع ومباني عاصمة الجمهورية الجديدة (العاصمة الإدارية)، ولا نستبعد أن يكون جزءا من تلك الرمزيات المستهدفة العلم والنشيد الوطني، ناهيك عن احتمالات صياغة دستور جديد أو في الحد الأدنى تعديل الحالي.

المصدر : الجزيرة مباشر