إيران وإسرائيل.. والضربة الخاطفة المُوجعة!

إيرانيون يرفعون علمًا ونموذجًا لصاروخ في ساحة فلسطين وسط طهران، احتفالًا بالهجوم على إسرائيل (الفرنسية)

لا أريد الانشغال بجدلية: مع ضربة إيران لإسرائيل، أو ضدها، وهل كانت جادة، أم لا؟

لكني مع حق إيران في الرد على العدوان الصهيوني الصريح الخاطف المؤلم الذي تعرضت له قنصليتها في دمشق مطلع إبريل/نيسان الجاري.

طهران انتظرت 13 يومًا حتى ترد بـ331 صاروخًا وطائرة مُسيّرة، ولم تقع خسائر بشرية أو مادية في إسرائيل، والضربة لم تكن خاطفة ولا مُوجعة، واستثمرها الصهيوني في إعادة التحشيد الدولي حوله وتمتين جبهته الداخلية، وإظهار أنه مُعتدى عليه بينما هو المُعتدي المجرم.

هنا سؤال خاطف: كيف وصلت معلومات اجتماع جنرالات إيران في قنصليتها؟ ولفرط دقة ومتابعة مصدر المعلومات لهم جاء القصف بعد مغادرة القنصل للاجتماع.

من يخترق الأمن في دمشق، وهل تم ضبط الجاسوس، أم لا يزال طليقًا؟

غزة والصواريخ

غزة لم تستفد من صواريخ إيران، فالإبادة لا تزال مستمرة، بل غابت عن المتابعة والاهتمام قبل الرد بساعات، والأيام التالية له.

ومعروف أن القصف كان بسبب استهداف إيران عبر تدمير قنصليتها في دمشق، ولم يكن لأجل غزة، وللإنصاف فإن الأنظمة العربية كلها لم تقم بدور في إيقاف الإبادة، ونزيد أنه لا نظام عربيًّا سبق أن أطلق صواريخ على إسرائيل إلا العراق عام 1991 دون إحداث خسائر.

لكن المؤكد أن دولًا عربية حاربت إسرائيل مرات عدة منذ عام 1948 وحتى 1973 من القرن الماضي، وخاصة مصر وسوريا، فهما الدولتان اللتان قادتا الحروب؛ انكسارًا وانتصارًا.

والعرب قدموا تضحيات ضخمة وشهداء كثرًا في حروبهم مع إسرائيل، وأراضيهم تعرضت للاحتلال، وبعضها تحرر بالحرب، وبعضها باتفاقيات سلام مثل مصر والأردن.

إيران والعرب وفلسطين

وإيران بصواريخها تأتي متأخرة في الاشتباك مع الشيطان الأصغر وفق وصفها لإسرائيل، ولم يسقط قتيل واحد لها وهو يحرر فلسطين أو يدافع عن القدس رغم أن لديها فيلقًا يحمل اسم القدس ومنوطًا به تحريرها.

وفي الجمعة الأخيرة من كل رمضان تُنظِّم حشودًا ضخمة تحت عنوان يوم القدس، لكن منذ نجاح ثورتها عام 1979 وتبنيها قضية القدس لم تتحرر المدينة بعد، ولم تنتزع المقدسات من أيدي الصهيوني.

وكذلك العرب لم يحرروا شبرًا من فلسطين بالحرب، والجزء الذي تحرر وأُقيمت فيه سلطة فلسطينية كان نتيجة اتفاق أوسلو عام 1993، وتم تقديم تنازلات فلسطينية لإسرائيل، وبعد 31 عامًا من توقيعه فإن الوضع الفلسطيني لم يتحسن ولم يتحقق السلام ولم تقم الدولة المستقلة.

واتفاقات السلام والتطبيع العربية مع إسرائيل (5 عواصم عربية) لم تُفِد الشعب الفلسطيني كثيرًا، فلم تكن تدعيمًا له لحصوله على حقوقه المشروعة بتحرير أرضه وسيادته على دولته الموعودة، والمطبعون غير قادرين على منع مجزرة واحدة.

لا إيران، ولا العرب، ولا البلدان الإسلامية، قدموا أي مساندة مؤثرة للفلسطينيين، كما تفعل أمريكا وأوروبا مع إسرائيل حيث يدعمونها طوال الوقت، وقد وقفوا بجانبها لمواجهة الصواريخ الإيرانية، وهم حاضن قوي لها، أما العرب والمسلمون فهم في الضعف والتخاذل والتواطؤ سواء.

الإبادة والمزايدة

ورغم الإبادة المشتعلة في غزة، والقتل والاعتقال والهدم في الضفة فلم يمد أحد منهم يد العون للمظلومين المنكوبين، فهم الذين يُستشهدون ويُصابون ويُشردون ويموتون جوعًا ومرضًا، وبالتالي لا ينبغي أن يُزايد أحد عليهم ويواصل الادعاء بأنه يعمل على وقف النار ومنع التهجير، ومع إدخال المساعدات، فإن لم يكونوا نفذوا هذه الأمور الضرورية خلال الأيام الأولى للعدوان، فمتى يتم تنفيذها والجريمة الشنعاء في شهرها السابع؟

صواريخ المقاومة

إذا كانت إيران تُطلق للمرة الأولى صواريخ من أرضها على إسرائيل لتكسر خطًّا أحمر، أو تُسقط محرمًا كبيرًا، فإن المقاومة في فلسطين ولبنان سبق أن أطلقت منذ سنوات ألوف الصواريخ على إسرائيل، ولا تزال تفعل ذلك.

حزب الله له باع طويل في هذا الأمر، ونتذكر صيحة أمين الحزب حسن نصر الله في حرب 2006 بأن صواريخه ستصل حيفا وما بعد حيفا، وهي كانت أكثر خطرًا ورعبًا وتأثيرًا من صواريخ إيران.

ندرك دعم إيران للحزب، لكنها لا تقر بذلك علنًا، ويبقى هو حزبًا لبنانيًّا عربيًّا.

والمقاومة الفلسطينية تطلق الصواريخ منذ أمد طويل، وتطور صواريخها التي تُفزع إسرائيل وتُصيبها بالجنون، وفي ظل التدمير الهائل في غزة ومراقبة كل شبر فيها فإنها لا تزال تباغتها بزخات من الصواريخ.

المقاومة في فلسطين ولبنان سبقت الجميع وجعلت إسرائيل تحت نيران صواريخها وتأثيرها عظيم وإلا ما كانت لتصمم على إسكاتها ولو بأساليب فاشية نازية.

الضربات المؤلمة

الحرب ولو كانت رشقة واحدة تعتمد على السرية في ضربتها الأولى، وأن تكون مُوجعة، وهذا ما فعلته المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حيث باغتت إسرائيل التي لم تفق من صدمتها إلا بعد يوم كامل، فقد ظل الرجال ست ساعات بإسرائيل يتحركون ويقتلون ويأسرون ويقدمون نموذجًا عمليًّا لحرب كبرى قادمة يومًا ما يكون فيها تفكيك إسرائيل وإيذان بزوالها، لهذا أصيبت بهستيريا لن تنتهي حيث هُدد وجودها بعمق، وهذا لم يحدث إلا مرتين، 7 أكتوبر الماضي، وفي 6 أكتوبر 1973 حيث تعرضت للضربة الأولى في هذا اليوم على الجبهتين المصرية والسورية، وكان موعد الحرب سرًّا، والضربة جاءت قاتلة مثلما كانت ضربة المقاومة مزلزلة قبل سبعة أشهر.

إذا كانت إيران تثأر لكرامتها الوطنية، فلماذا لم يكن ذلك سرًّا ومُباغتًا ومُزلزلًا لتُسجل تاريخًا لا يُنسى في أول مواجهة مباشرة لها مع إسرائيل؟

وأن تشن إسرائيل أو أمريكا، أو هما معًا، حربًا عليها فهذا صعب بسبب الجغرافيا التي توفر لها عناصر حماية ودفاع أكثر من الدول العربية المحيطة بإسرائيل، بجانب قدراتها.

الذين لم يرتاحوا لضربة إيران لم يكن ذلك رفضًا لها، وإنما لأنها لم تُشف غليلهم بأن تجعل صراخ إسرائيل يشق عنان السماء.

المصدر : الجزيرة مباشر