غزة.. ريح الجهاد من ريح الجنة

حماس ترفض التفاوض في ظل منع إسرائيل دخول المساعدات لشمال غزة
مقاتلون من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس (رويترز)

ريح الجهاد من ريح الجنة

قال اللي قال احموا الأبواب

يا مؤمنين الله تواب

طول ما احنا يد في يد

ولنا على قد

ما نشقى ثواب

ريح الجهاد من ريح الجنة

تعود للكلمات معانيها الحقيقية عندما تصبح دلالتها تعبّر عن واقع حقيقي يلمسه الإنسان في كل مكان، فيقع في قلب الناس ويترك أثره خاصة مع كون المتلقي يتمتع بقلب ينتمي إلى الإنسانية. وعلى مدار الأشهر الخمسة الماضية في قطاع غزة، تحولت كلمات الجهاد والتضحية والصمود والشهادة والوطن إلى واقع صادق، فصادف الصدق في قلوب العالم، وأضحت قضية فلسطين والوطن المحرر واقعا جديدا، أعاد أبطال المقاومة عالمية قضيتهم وتحرير وطنهم من العنصرية الصهيونية إلى صدارة المشهد العالمي.

السر وأصحابه

ينشغل المهمومون بفلسطين وما يحدث في غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى التي هزت أركان الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه من الغرب، وسجلت الساعات الأولى منه صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي صدمة عسكرية لم تقف حدودها عند أركان الكيان الصهيوني، بل امتدت إلى كل من يقف خلف الكيان اللقيط خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها من بلاد الغرب.

أما المحيط العربي الذي شهدت سنواته الأخيرة هرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصبحت أراضيه مرتعا للصهاينة وملاذا لهم، فقد كانت صدمتهم أكبر وإحساسهم بالغضب والقلق أشد، إذ استطاع ألفان من المقاومة الفلسطينية هدم صورة الكيان الصهيوني، وتدمير صورة الجيش الذي يحتل المرتبة الرابعة بين أقوى جيوش العالم.

هذا الطوفان الذي استمر ساعات وتحقق فيه ما لم يتحقق على مدى نصف قرن من الصراع العربي/الصهيوني، ثم ها هو يستمر حتى اللحظة، كان سببا رئيسا في تكثيف التساؤلات عن المقاومة الفلسطينية وصمودها حتى اليوم، كيف لآلاف من المقاومين أن يتحدّوا كل العالم الغربي، بل إن عدد من سقطوا من جنود الكيان الصهيوني، ومن يحاربون معه من جنود أمريكا وفرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأخرى، سيكون مفاجأة كبرى حينما تتكشف حقائق ما حدث في غزة في الأشهر القادمة.

مجاهدون وعلماء

أحيانا تقودك الصدفة إلى مصادر معرفة لا تنقلها لك وسائل الإعلام ولا تستطيع أن تتناولها، وقد كتبت في مقال سابق عن المهندس الفلسطيني الشاب الذي صادفته في أحد الأحياء في إسطنبول حيث أعيش، وما زلت أتذكر مقولته عن قوة المقاومة وهو أحد أبناء غزة واستعدادها للحرب خمس سنوات قادمة.

بالأمس القريب وفي ظل حيرة كبيرة عن هذا الصمود الأسطوري لأبناء فلسطين عامة وغزة تحديدا، ساقني القدر إلى لقاء أحد أبناء فلسطين، هذه المرة كان رجلا يتجاوز الستين بأعوام، وهو مهندس بحري خريج الأكاديمية البحرية في الإسكندرية في بداية الثمانينيات، وعندما تلتقي أحد أبناء فلسطين فلا حديث إلا عن أبطال المقاومة وبطولات الشعب الفسطيني في غزة والقطاع وكل الأرض.

بدون مقدمات بدأ الرجل يحكي عن البطولات التي تجري على الأرض في كل لحظة، وبدون مقدمات أطلقت سؤالا في البحث عن السر، ما سر هذه البطولة وذاك الصمود؟ أجابني الرجل الستيني بكلمة واحدة: الجهاد، وفي تلك اللحظة قفز إلى عقلي الأبيات السابقة التي كتبها شاعر العامية المصري الكبير فؤاد حداد “ريح الجهاد من ريح الجنة”.

انطلق المهندس البحري الفلسطيني يحكي عن هؤلاء الذين انطلقوا صبيحة فجر السابع من أكتوبر 2023، ليزلزلوا الكيان المتعجرف على كل الأرض العربية، ألفان من الشباب يقتحمون أهم وحدات للجيش الصهيوني، ويستولون على أجهزة مخابرات ووثائق، قال “تحتوي على معلومات في أعلى مستوى من الخطورة تهز أركان المنطقة كلها”، دمروا وحدات، وأسروا عددا كبيرا من الجنود والضباط الصهاينة، وعادوا مع بزوغ نور الصباح.

“من يوجد في صفوف المقاومة هم مجاهدون” قالها وهو فخور بأن يشهد العالم العربي والإسلامي ظهور هذا النوع من أصحاب العقيدة والإيمان، هذا الوصف الذي اختفي بنهاية عصر الخلافة الإسلامية كما يراه المهندس الغزاوي الذي تنقل بين كل الدول العربية طوال خمسين عاما من عمره، وعاش في مصر وسوريا ولبنان والإمارات، ويبدو عليه الثقافة العالية والرؤية الصافية، وفوق ذلك حجم معلومات لا ينتهي، المعنى الحقيقي للجهاد الذي يؤمن بأن يد الله فوق أيدي المجاهدين، ويحفظ قواعد التضيحة التي دفعت بالمسلمين الأوائل إلى اقتحام القلاع والحصون وفتح العالم كله براية الجهاد والعدالة والحق.

تتدفق معلوماته بسلاسة غير طبيعية، قال إن الكيان الصهيوني عجز حتى الآن عن تقديم صورة لأحد هؤلاء المجاهدين المقاومين في غزة لكونه أسيرا أو مصابا أو شهيدا “يقولون استشهد الكثيرون لكنهم لم يقدموا حتى الآن صورة لأحدهم بأي وصف، نعم يوجد حوالي 100 شهيد من المقاومة، لكن الكيان الصهيوني لم يحصل على أحدهم حتى الآن، أليس في هذا هزيمة كبيرة يداري آثارها العدو الصهيوني؟”. وانطلق يحدثني عن العشرات والمئات القادمين إلى غزة تحت راية الجهاد، من بلاد عربية وإسلامية متعددة، لا يملكون غير روح الجهاد والاستشهاد.

اطمئن على أصحاب الحق

تعود للكلمات معانيها ومدلولها مع الصديق القادم من غزة قبل الطوفان، يحكي عن فتيان هناك مَثَلهم الأعلى فتيان كانوا حول الرسول ﷺ، يحكي عن تمسُّك أطفال فلسطين بوطنهم، وصمود أبناء ونساء ورجال فقدوا عائلاتهم كاملة، يؤمنون بأنهم قد سبقوا إلى الجنة. يتفاخر محدثي بالشباب المجاهد الذي يقوم بتطوير أسلحة بدائية، أو صناعة أسلحة تنافس أسلحة أمريكا والغرب، يعيد إلى كلمات الصبر والثبات والعقيدة والإيمان معانيها، ويقدم أصحاب السر فيما يحدث في غزة.

لعل الدلالة الأكثر أهمية وقيمة فيما يحدث الآن على أرض غزة هو تلك العودة لأكثر من 700 ألف من أهالي شمالي القطاع إلى مناطقهم، حتى أصحاب المنازل التي تم تدميرها عادوا ليعيشوا فوق آثار التدمير، حسب تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، هذه العودة التي تفسد كل المخططات التي تسمى “صفقة القرن”، وتهجير أهالي غزة.

إن الملحمة التي يكتبها أهالي غزة وفلسطين والمجاهدين ستكون لها آثارها في تاريخ المنطقة والعالم الإسلامي، وربما يمتد الأثر إلى نظام عالمي جديد يكون أكثر عدلا وحرية. أخيرا قال الصديق الفلسطيني “كل ما جرى ويجري بجوار تضحيات شعب غزة يقوم به أقل من 20% من القوة الحقيقية للمقاومة، لا قلق على المجاهدين” فشعارهم: إنه لجهاد نصر أو استشهاد.

المصدر : الجزيرة مباشر