عندما ينتفض طلاب أمريكا من أجل غزة!

جامعة كولومبيا أشعلت شرارة المظاهرات المناهضة لحرب غزة في الجامعات الأمريكية
جامعة كولومبيا أشعلت شرارة المظاهرات المناهضة لحرب غزة في الجامعات الأمريكية (رويترز)

إن العدوان الإسرائيلي على غزة الذي يستهدف إبادة الشعب الفلسطيني؛ يشكل صدمة لضمير كل إنسان حر، يرفض الظلم وسفك الدماء وقتل الأطفال والنساء.. تلك هي الرسالة الأولى لطلاب أمريكا، الذين قاموا باعتصام مفتوح بدأ في جامعة كولومبيا، ثم انتشر في عدد من الجامعات الأمريكية.

ولأن الطلاب هم المستقبل، وهم الذين يقودون حركة التغيير في العالم، فإن احتجاجهم على الجرائم ضد الانسانية؛ يؤكد أن العالم سيشهد تحولا مهما، يمكن أن يشمل الكثير من دول العالم، وعلى رأسها أمريكا التي تستعد لمواجهة انتخابات لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها حتى الآن.

كيف نفسر الردود

يمكن أن يسهم ذلك في تفسير الردود الغاضبة والمتهورة في أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ اتفق خطاب بايدن والنتن ياهو على اتهام الطلاب بمعاداة السامية، وهذا الخطاب القديم -الذي تم الإسراف في استخدامه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- يؤكد العجز عن فهم التغيرات العالمية والتعامل معها. فتحيز بايدن لإسرائيل دفعه إلى التعامل مع الأحداث بشكل لا يليق بدولته التي بنت قوتها على الحرية الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير، ولم يدرك أنه يواجه بعنف طلاب أمريكا الذين صدمتهم مشاهد المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

من أهم الإنجازات التي حققها الطلاب الأمريكيون أنهم كشفوا للعالم الحقائق، فأمريكا شوهت صورتها بتعامل أجهزتها الأمنية مع الطلاب، بوسائل يستخدمها الحكام الطغاة في دول العالم الثالث التي تصفها أمريكا بأنها متخلفة، ومن المؤكد أن عدم احترام الحرية الأكاديمية، واقتحام أجهزة الأمن لحرم الجامعات، واعتقال الطلاب، والتعامل معهم بغلظة وقسوة؛ كل ذلك يؤكد حالة التخلف والعداء للحضارة والمدنية والحداثة وما بعدها، فالجامعات هي رمز التقدم.

والعالم يشاهد الآن كيف تحولت أمريكا إلي دولة متخلفة تعتقل الطلاب، وتهدد الأساتذة، ولا تحترم الحرية الأكاديمية، وتقيد حريات الرأي والتعبير والتفكير والاجتماع السلمي، وبذلك تنتهك التعديل الأول للدستور الأمريكي، وما تلاه من تعديلات يتفاخر بها المواطن الأمريكي، وبانتهاك تلك الحريات لم يعد له ما يفخر به على الشعوب التي تتعرض للقهر على أيدي الحكام المستبدين التابعين لأمريكا.

رئيسة الجامعة تدفع أمريكا إلى الخلف

لاحظت أن معظم التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي ركزت على الهجوم على رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق، واتهامها بأنها حملت معها من مصر تراثا عريقا في قهر الطلاب، واقتحام الجامعات لاعتقالهم، والتعامل معهم بقسوة، وعدم احترام حقوقهم في التعبير عن رأيهم، وأنها لم تجد أمامها سوى اللجوء إلى هذا التراث، فاستدعت الأجهزة الأمنية الأمريكية التي لم تخيب أملها، فتصرفت بشكل يشبه سلوك الأمن المصري، فاعتقلت الطلاب، ومنعت الذين قامت رئيسة الجامعة بفصلهم من دخول الحرم. وبذلك دفعت نعمت شفيق أمريكا إلى الخلف، وحطمت صورتها، وأوضحت للعالم أنها دولة دكتاتورية، لا تتردد في اقتحام الجامعات؛ لحماية إسرائيل من الطلاب الذين يطالبون بوقف عدوانها على غزة، وحماية شعب فلسطين من الإبادة.

بذلك أشعلت نعمت شفيق النار في أمريكا، فقلد الطلاب في الجامعات الأمريكية زملاءهم في جامعة كولومبيا، فانتشرت الاعتصامات، وردد الطلاب هتافاتهم مطالبين بوقف إطلاق النار، ثم تزايدت مطالبهم، بوقف أي تعاون بين جامعاتهم والجيش الإسرائيلي. لكن الأهم من ذلك أن الطلاب بدؤوا الإشادة بحركة المقاومة الاسلامية (حماس). لذلك تزايدت حملة القمع ضد الطلاب في الجامعات الأمريكية، وقامت أجهزة الأمن باعتقال ما يزيد على 140 طالبا حتى الآن، إضافة إلى فصل الكثير من الطلاب.

بذلك قادت نعمت رؤساء الجامعات الأمريكيين الخائفين من المثول أمام لجنة التعليم بمجلس النواب، وعلمت رؤساء الجامعات الأسلوب الدكتاتوري، والضبط والربط العسكري في التعامل مع طلاب يقودون حركة الدفاع عن الحضارة والتقدم، ويطالبون بوقف جريمة الإبادة الإنسانية التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب فلسطين. وبذلك بدأ الصراع بين الضمير الإنساني الذي يمثله الطلاب، والذي يدافع عن العدل والحرية والحضارة والتقدم، وبين الأجهزة الأمنية التي تستخدم أساليب الدكتاتورية المتخلفة في القمع والقهر والاعتقال وفض الاعتصام بالقوة. وسوف تذكر أمريكا بكل فخر لنعمت أنها علمتها تلك الأساليب القاسية العنيفة في إدارة الجامعات.

الثقة المفقودة في الجامعات الأمريكية

تزايد شعور أنصار الحرية الأكاديمية في أمريكا بالخطر؛ نتيجة استخدام تلك الأساليب العنيفة، التي تتعامل بها أجهزة الأمن مع الطلاب والأساتذة. وأشار روبرت ماكوجي الأستاذ بجامعة كولومبيا إلى تزايد أزمة الثقة في الجامعات الأمريكية، وأن الجامعات هي محركات التقدم الاجتماعي التي تعد الأجيال القادمة لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحا في العالم.

وتلك إشارة مهمة إلى المستقبل، فغياب الحرية الأكاديمية، والتعامل مع الطلاب بالعقلية الأمنية التي لا تعرف سوى الفضّ والقهر والفصل والاعتقال يفقدان المجتمع الثقة بالجامعات، ويشوّهان صورتها في أذهان الطلاب، فلا يصبح الطالب فخورا بأن يحمل شهادة من جامعة تديرها أجهزة الأمن وترأسها نعمت وأمثالها. فقيمة تلك الشهادة في أن تكون صادرة من جامعة تحترم استقلالها، وتحرص على حرية الرأي والتعبير، ويتمكن أساتذتها من الحديث عن الحرية والديمقراطية في مدرجاتها دون أن يتعرضوا للفصل والاعتقال.

وبداية انهيار الدول أن تدير أجهزة الأمن الجامعات؛ فيتوقف الإبداع والابتكار والبحث العلمي والمناقشات الحرة والعصف الذهني. فهل بدأت أمريكا الاندفاع نحو الانهيار، وهل تفقد الثقة في جامعاتها من أجل حماية المشروع الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني؟!

المصدر : الجزيرة مباشر