الحرب على غزة.. أمريكا تناور لأجل إسرائيل

جو بايدن حينما كان نائبا للرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في مقر إقامته بالقدس (رويترز)

منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشنّ الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة، لم تتوان أمريكا وحلفاؤها الغربيون للحظة عن تقديم شتى سبل الدعم لإسرائيل، على كافة الأصعدة، سياسيا وعسكريا، واقتصاديا وإعلاميا، ودبلوماسيا؛ ليستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المذابح بدم بارد.

وبعد أكثر من 200 يوم من الحرب الوحشية على غزة، وما يقرب من 35 ألف شهيد، و78 ألف جريح، ومليوني نازح، فضلًا عن المفقودين، ودمار واسع طال 360 ألف وحدة سكنية، وقف العالم عاجزا، يشاهد المناورات الأمريكية، التي توفر غطاءً للتعنت الإسرائيلي، ولا كابح لأمريكا، ولا لاجم لإسرائيل!

ومع تطورات المشهد في غزة، والتفاعلات الإقليمية، إضافة إلى التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، أصبحت المنطقة أشبه ما تكون ببرميل من البارود يوشك على الانفجار، وأصبح القادم هو الأسوأ، في ظل الغي الإسرائيلي، الذي يزكيه الدعم اللاأخلاقي الأمريكي والغربي.

ومع استمرار الحرب الهمجية على غزة، يتبين أن الإبادة المستمرة بحق الفلسطينيين يشرعنها قرار دولي للأقوياء، الذين يناورون لأجل عيون إسرائيل، حتى لو أدى ذلك إلى سوق العالم نحو حافة الانهيار.

قدسية العلاقات بين أمريكا وإسرائيل

لم تكن الحرب على غزة كاشفة لأبعاد العلاقة الأمريكية الإسرائيلية فحسب، بل كانت مؤكدة لقدسية هذه العلاقة، التي يُعد التجرؤ عليها من المحرمات في السياسة الأمريكية.

في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتناوب على السلطة فيها حزبان فقط، هما: الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، ليس هناك شيء يحظى باتفاق الحزبين -رغم الخلافات الدائمة بينهما- قدر ما تحظى به العلاقات مع إسرائيل، فالالتزام اتجاه إسرائيل ثابت ولم يتغير، ولا يؤثر فيه تناوب السلطة بين الحزبين، بل إن تأكيد الالتزام اتجاه إسرائيل هو جواز مرور السياسيين وصعودهم في المشهد الأمريكي، والالتزام بأمن الاحتلال الإسرائيلي أمر غير قابل للمساس أو النقاش.

منذ إعلان قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة، سارعت واشنطن للاعتراف بها، وتقديم كل سبل الدعم الممكنة، وقد أصبحت إسرائيل تمثل ميزة استراتيجية لأمريكا، تستخدمها أداة لإخضاع المنطقة، وإبقاء الجميع فيها تحت السيطرة الأمريكية.

منذ عام 1948، قدمت واشنطن مساعدات لإسرائيل تقدر بنحو 300 مليار دولار، معظمها للأغراض العسكرية. وأثناء الحرب الهمجية على غزة، أقامت أمريكا جسرا لإمداد إسرائيل بكافة احتياجاتها من الأسلحة المختلفة الشديدة التدمير.

ورغم الانتقادات الدولية المتصاعدة للانتهاكات الإسرائيلية، التي تجاوزت كافة الأعراف الدولية والإنسانية في غزة، فقد أبرمت الولايات المتحدة أكثر من مئة صفقة بيع أسلحة لإسرائيل، شملت أنواعا مختلفة من الأسلحة والذخائر الشديدة الفتك، ومنها قنابل موجهة شديدة التدمير تزن 2000 رطل؛ مما يؤكد تورط واشنطن في الحرب الإبادية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

لا اختلاف على الأهداف بين أمريكا وإسرائيل

ومن الجدير بالذكر أن ما يطفو على السطح، ويبدو أنه خلافات بين الإدارات الأمريكية وحكومات إسرائيل، إنما يكون غالبا مجرد خلافات كلامية، تأتي في سياق المناورات الأمريكية، والاختلاف في التكتيك، وضمن توزيع الأدوار، وليست خلافا في الأهداف.

ومنذ بدء الحرب الأخيرة على غزة، وفي مشهد لا أخلاقي ولا إنساني متكرر، وإطاحة متعمدة لإجماع دولي، استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) أربع مرات في مجلس الأمن لعرقلة مشاريع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، ليتأكد مرارا وتكرارا، ضلوع واشنطن في تمكين الاحتلال الإسرائيلي عبر مزيد من الوقت للاستمرار في حربه الإبادية في غزة، في تجاوز متكرر لكافة المبادئ والأعراف الدولية والإنسانية.

وعلى غير الواقع، روج الإعلام وجود خلافات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، وخاصة بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار طُرح في مارس الماضي أمام مجلس الأمن، يدعو إلى وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار؛ مما سمح بتمريره، وذلك نقيضا للمواقف الأمريكية السابقة، واحتجاجا على ذلك، أقدم نتنياهو على إلغاء زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن. وقد سارع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي إلى إعلان استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وتقديم الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها، مؤكدا أن قرار مجلس الأمن لا يؤثر مطلقا في إسرائيل وقدرتها في ملاحقة حماس، وشدد على أن الولايات المتحدة لم تتخل عن إسرائيل أو تغير سياستها اتجاهها.

وقد أقر مجلس النواب الأمريكي مؤخرا مشروع قانون لتقديم مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار، مع استمرار الحرب، ورغم الانتهاكات بحق المدنيين في غزة، والانتقادات الدولية حيال ذلك.

تناور أمريكا باستمرار لأجل إسرائيل، ومجددا طُرح الحديث حول فكرة الاعتراف الأمريكي والبريطاني بدولة فلسطينية، بعد انتهاء الحرب على غزة، في الوقت الذي استخدمت فيه أمريكا فيه الفيتو ضد مشروع قرار جزائري يوصي بقبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.

وفي تأصيل للمناورة والخداع، قال نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إن هذا لا يعكس معارضة للدولة الفلسطينية، بل هو اعتراف بأنه لا يُمكن لها أن تنشأ إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفَين المعنيين!

ختاما

المناورات الأمريكية طوال مسار القضية الفلسطينية لم تتوقف يوما، وثلاثة عقود منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، تقدم إجابة شافية بأن ما يروج له سواء الاعتراف بدولة فلسطينية أو حل الدولتين، مجرد أفكار غير قابلة للتحقق، تهدف لتمديد الوقت، وتوفير المناخ المناسب لاستمرار إسرائيل في غيها. كما أن ما جرى الإعلان عنه مؤخرا في بيان أمريكي مشترك مع 17 دولة، من أن إطلاق الأسرى لدى المقاومة هو السبيل لإنهاء الحرب في غزة، يأتي في سياق مناورة أمريكية جديدة تحقق لإسرائيل ما تريده دون التزام عليها أو ضمانات حقيقية، اللهم إلا وعودا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

المصدر : الجزيرة مباشر